الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضي الله تعالى عنها ليس بقرآن يقرأ.
المطلب الثالث: موقف الإمام الشافعي:
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يحتج بالقراءة الشاذة وينزلها منزلة الخبر المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا ذهب إلى تحديد عدد الرضعات بخمس أخذا بما روت عائشة رضي الله تعالى عنها، وقد نص على ذلك في " مختصر البويطي " حين قال:(ذكر الله الرضاع بلا توقيت، وروت عائشة التوقيت بخمس، وأخبرت أنه مما أنزل من القرآن، وهو إن لم يكن قرآنا فأقل حالاته أن يكون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن القرآن لا يأتي به غيره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأقضين بينكما بكتاب الله (1)»، فحكمنا به على هذا، وليس هو قرآنا يقرأ) (2).
وكذلك فقد نص رحمه الله تعالى على الاحتجاج بالقراءة الشاذة في كتابه " الأم " في تفسيره للأقراء بأنها: الأطهار، وذلك في قول الحق تبارك وتعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (3)
(1) من حديث رواه البخاري في (كتاب الشروط)(3/ 176)، والترمذي في (أبواب الحدود)(2/ 443)، وابن ماجه في (كتاب الحدود)(2/ 852)، والدارمي في (كتاب الحدود)(2/ 177).
(2)
البحر المحيط (1/ 476).
(3)
سورة البقرة الآية 228
حيث قال: (تلا النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن " أو " في قبل عدتهن ". . . فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أن العدة الطهر دون الحيض، وقرأ: " فطلقوهن لقبل عدتهن " أن تطلق طاهرا؛ لأنها حينئذ تستقبل عدتها، ولو طلقت حائضا لم تكن مستقبلة عدتها إلا بعد الحيض)(1).
وما نسبه الغزالي، والآمدي رحمهما الله تعالى إلى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى من عدم الاحتجاج بالقراءة الشاذة وهم منهما، اعتمادا على ما ذكره إمام الحرمين رحمه الله تعالى حيث قال:(ظاهر مذهب الشافعي: أن القراءة الشاذة التي لم تنقل تواترا لا يسوغ الاحتجاج بها، ولا تنزل منزلة الخبر الذي ينقله آحاد من الثقات)(2).
وفي ذلك يقول الزركشي رحمه الله تعالى: (اعلم أن الآمدي نسب القول بأنها ليس بحجة إلى الشافعي، وكذا ادعى الأبياري في (شرح البرهان) أنه المشهور من مذهب مالك والشافعي، وتبعه ابن الحاجب، وكذلك النووي. . .، والموقع لهم في ذلك دعوى إمام الحرمين في (البرهان) أن ذلك ظاهر مذهب الشافعي. وتبعه أبو نصر بن القشيري، والغزالي في (المنخول)، وإلكيا الطبري في (التلويح)، وابن السمعاني في
(1) الأم (5/ 224).
(2)
البرهان 1/ 666).
(القواطع)، وغيرهم) (1).
والسبب في نسبة هذا الوهم إلى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى نفيه اشتراط (التتابع) في صيام كفارة اليمين، كما ذكر ذلك إمام الحرمين رحمه الله تعالى حيث قال:(ولهذا نفى - أي الإمام الشافعي - التتابع، واشتراطه في صيام الأيام الثلاثة في كفارة اليمين، ولم ير الاحتجاج بما نقله الناقلون من قراءة ابن مسعود في قول الله تعالى: " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " (2).
وفي ذلك يقول الزركشي رحمه الله تعالى: (إن الحامل لهم على نسبة أنها ليست بحجة للشافعي عدم إيجابه التتابع في صوم كفارة اليمين مع علمه بقراءة ابن مسعود. وهو ممنوع)(3).
وقد تعقب الإسنوي رحمه الله تعالى ما نسبه الآمدي وإمام الحرمين إلى الإمام الشافعي من القول بعدم الاحتجاج بالقراءة الشاذة فقال: (والصحيح عند الآمدي وابن الحاجب: أنه لا يحتج بها، ونقله الآمدي عن الشافعي رضي الله عنه. وقال إمام الحرمين في البرهان: (إنه ظاهر مذهب الشافعي). . . .
وما قالوه جميعه خلاف مذهب الشافعي، وخلاف قوله جمهور أصحابه، فقد نص الشافعي في موضعين من مختصر
(1) البحر المحيط (1/ 475).
(2)
البرهان (1/ 666، 667).
(3)
البحر المحيط (1/ 476).
البويطي على أنها حجة. ذكر ذلك في باب الرضاع، وفي باب تحريم الجمع، وجزم به الشيخ أبو حامد في الصيام وفي الرضاع، والماوردي في الموضعين أيضا، والقاضي أبو الطيب في موضعين من (تعليقته) أحدهما الصيام، والثاني في باب وجوب العمرة، والقاضي الحسين في الصيام، والمحاملي في الأيمان من كتابه المسمى (عدة المسافر وكفاية الحاضر)، وابن يونس شارح (التنبيه) في كتاب الفرائض في الكلام على ميراث الأخ للأم، وجزم به الرافعي في باب حد السرقة.
والذي وقع للإمام (1) فقلده فيه النووي مستنده عدم إيجابه للتتابع في كفارة اليمين بالصوم، مع قراءة ابن مسعود السابقة. وهو وضع عجيب، فإن عدم الإيجاب يجوز أن يكون لعدم ثبوت ذلك عن الشافعي، أو لقيام معارض) (2).
وحيث كان الإمام الشافعي رحمه الله تعالى لا يحتج في بعض المواضع بالقراءة الشاذة كما هو الحال بالنسبة لقراءة عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، ويحتج بها في أكثر المواضع، فقد أوجد ذلك نوعا من اللبس عند البعض في تبين موقف الإمام الشافعي رحمه الله تعالى من القراءة الشاذة، ولذلك كان لا بد من تحرير مذهبه فيما يتعلق بالاحتجاج بها.
وقد تصدى لتحرير مذهب الإمام الشافعي في ذلك الزركشي
(1) يعني به إمام الحرمين الجويني.
(2)
التمهيد ص (141 - 143).
رحمه الله تعالى فقال: (إن هاهنا سؤالا، وهو أن يقال: إن كان مذهب الشافعي أنها حجة فهلا أوجب التتابع في صوم الكفارة اعتمادا على قراءة ابن مسعود " متتابعات "؟ وهلا قال في الصلاة الوسطى: إنها صلاة العصر اعتمادا على قراءة عائشة: " وصلاة العصر "؟ وإن كان مذهبه أنها ليست بحجة فكيف اعتمد في التحريم في الرضاع بخمس على حديث عائشة؟
وكيف قال: إن الأقراء هي الأطهار واعتمد في " الأم "(1) على أنه عليه الصلاة والسلام قرأ: " لقبل عدتهن "؟
والذي يفصل عن هذا الإشكال ألا يطلق القول في ذلك، بل يقال: لا يخلو إما أن تكون القراءة الشاذة وردت لبيان حكم أو لابتدائه.
فإن وردت لبيان حكم فهي عنده حجة كحديث عائشة في الرضاع، وقراءة ابن مسعود:" أيمانهما "، وقوله:" لقبل عدتهن ".
وإن وردت ابتداء حكم كقراءة ابن مسعود: " متتابعات " فليس بحجة. . .
أو يقال: القراءة الشاذة إما أن ترد تفسيرا، أو حكما.
(1) انظر الأم (5/ 224).