الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
كلام ابن كثير: جاء في كتابه (النهاية) ص 33 قال الحافظ ابن كثير: أما الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه، وساق الحديث بسنده إلى أن قال: عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارا، ولا الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم (1)» .
قال ابن كثير: فإنه حديث مشهور بمحمد بن خالد الجندي الصنعاني المؤذن شيخ الشافعي، وروي من غير واحد أيضا، وليس هو بمجهول كما زعمه الحاكم بل قد روي عن ابن معين أنه وثقه. . . إلى أن قال ابن كثير: وهذا الحديث فيما يظهر ببادئ الرأي مخالف للأحاديث التي أوردناها بعده وعند التأمل لا ينافيها بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حق، المهدي عيسى ابن مريم، ولا ينافي ذلك أن يكون غيره مهديا أيضا، والله أعلم.
(1) صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2949)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 394).
ذكر بعض نفاة المهدي:
1 -
وممن نفى ظهور المهدي المنتظر في آخر الزمان أبو محمد بن الوليد البغدادي، معتمدا على الحديث المتقدم «لا مهدي إلا عيسى ابن مريم (1)» .
جاء في كتاب (منهاج السنة) لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 211، ج 4 بعد أن ذكر بعض الأحاديث الصحيحة التي تفيد خروج المهدي، قال رحمه الله: وهذه الأحاديث غلط فيها
(1) سنن ابن ماجه الفتن (4039).
طوائف؛ طائفة أنكروها واحتجوا بحديث ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا مهدي إلا عيسى ابن مريم (1)» . قال: وهذا الحديث ضعيف وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه، وليس مما يعتمد عليه، وأسهب في ذلك.
2 -
وممن أنكر أحاديث المهدي المؤرخ المشهور عبد الرحمن بن خلدون المغربي المتوفى سنة 808 هـ والمعروف عنه أنه ضعف جميع أحاديث المهدي كما جاء في مقدمة تاريخه المشهورة من صفحة 199 لغاية صفحة 209 الفصل الثاني والخمسون تحت عنوان (في أمر الفاطمي) طبعة بيروت عام 1988 م.
وقد تعقب ابن خلدون بعض العلماء ورد عليهم في هذا الموضوع وممن تعقبه:
أ- صديق حسن خان القنوجي المتوفى سنة 1307 هـ قال رحمه الله في كتابه (الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة): ولا شك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر وعام لما تواتر من الأخبار في الباب واتفق عليه جمهور الأمة خلفا عن سلف إلا من لا يعتد بخلافه، وقال: لا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود والمنتظر المدلول عليه بالأذلة بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر. انتهى.
ب- وكذلك رد على ابن خلدون الشيخ محمد شاكر في
(1) سنن ابن ماجه الفتن (4039).
تخريجه أحاديث مسند الإمام أحمد بن حنبل قال رحمه الله: أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم، واقتحم قحما لم يكن من رجالها، وقال: إنه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته (المهدي) تهافتا عجيبا وغلط أغلاطا واضحة، وقال: إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين " الجرح مقدم على التعديل " ولو اطلع على أقوالهم وفقهها لما قال شيئا مما قال. انتهى.
ج- وممن أنكر على ابن خلدون وخطأه في تضعيفه أحاديث المهدي، الشيخ " محمد شمس الحق العظيم أبادي " في كتابه (عون المعبود شرح سنن أبي داود) ص 361 ج 11، قال: وقد بالغ الإمام المؤرخ ابن خلدون المغربي في تاريخه في تضعيف أحاديث المهدي كلها فلم يصب بل أخطأ. انتهى.
أقول: والحق أن الذي حمل العلامة ابن خلدون على تضعيف أحاديث المهدي هو أمران اثنان والله تعالى أعلم.
الأول: كما قال العلماء فيه أن ابن خلدون مؤرخ مشهور وليس محدثا ولا من رجال الحديث وليس هو من أهل الاختصاص بعلوم الحديث ولهذا ضعفها وردها.
الثاني: لكثرة دعاة المهدوية فقد كثر عبر القرون في كل عصر وزمان من يظهر ويزعم أنه المهدي المنتظر الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، فسرعان ما ينكشف أمره ويتضح حاله بأنه مفتر على الله بدعواه الكاذبة سفاك للدماء مفسد في الأرض.
ولهذا فقد ذكر ابن خلدون في مقدمته وفي تاريخه الكثير
من دعاة المهدوية في بلاد المغرب والمشرق فقد جاء في مقدمته ص 208 قال: ومن ذلك ظهر في (غمارة) سنة 709 هـ رجل يعرف بالعباس وادعى أنه الفاطمي واتبعه الدهماء من (غمارة) ودخل مدينة فاس عنوة - أي بالقوة- وحرق أسواقها وارتحل إلى بلد (المزمة) فقتل بها غيلة ولم يتم أمره، وقال: وكثير من هذا النمط، وقد أسهب في ذكر دعاة المهدوية المضللة. فهذا من الدوافع التي دفعت ابن خلدون على رفض أحاديث المهدي لكثرة من يدعيها ويتستر بها.
3 -
وممن أنكر أحاديث المهدي من علماء العصر الشيخ محي الدين عبد الحميد، يقول في تعليقه على كتاب (الحاوي للفتاوي للسيوطي) ص 166 ج 2 في (العرف الوردي في أخبار المهدي) قال: يرى بعض الباحثين أن كل ما ورد عن المهدي وعن الدجال من الإسرائيليات. انتهى.
4 -
وممن أنكر أحاديث المهدي وظهوره الأستاذ المعاصر أبو عبية في تعليقه على كتاب (الفتن والملاحم) لابن كثير قال بما معناه: إن كل ما جاء من الأحاديث في شأن المهدي ونزول عيسى ابن مريم والدجال إنما هو رمز لانتصار الحق على الباطل. انتهى.
فقد حمل فضيلة الشيخ الأحاديث الواردة بشأن المهدي على غير ظاهرها ومدلولها وحقيقتها ولا شك أن هذا تكلف منه.
5 -
وممن استبعد ظهور المهدي المنتظر الداعية الشيخ أبو
الأعلى المودودي في كتابه (البيانات) قال رحمه الله: ولا يمكن بتأويل مستبعد أن في الإسلام منصبا دينيا يعرف (بالمهدوية) يجب على كل مسلم أن يؤمن به ويترتب على عدم الإيمان به طائفة من النتائج الاعتقادية والاجتماعية في الدنيا والآخرة. انتهى.
6 -
ومن نفاة المهدي المنتظر الأستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف في تعليقه على (تحفة الأحوذي لشرح جامع الترمذي) للحافظ محمد عبد الرحمن المباركفوري المتوفى سنة 1353 هـ. قال المعلق: ص 474 ج 6: يرى الكثيرون من العلماء أن كل ما ورد من أحاديث المهدي إنما هي موضع شك، وأنها لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هي من وضع الشيعة. انتهى.
أقول: والحق أن الأحاديث الواردة في شأن المهدي دلت على ظهور إمام للمسلمين في آخر الزمان عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام كما سيأتي في موضعه.
ولا شك أن هذه الأقوال المتقدمة التي نفت ظهور المهدي هي أقوال مردودة للأدلة الصحيحة الصريحة الثابتة في كتب الحديث في باب أشراط الساعة وعلاماتها والتي تفيد خروج المهدي في نهاية الدنيا، فلا مجال لردها ولا مبرر لرفضها ولا معنى لتأويلها عن ظاهرها وصرفها عن حقيقتها فهي نصوص واضحة في هذا الباب. والله أعلم وإليه المآب.