الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحد كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1){الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2).
فالمتوكل على الله، لا يتم توكله ولا يترتب عليه مقصوده إلا إذا وحد قلبه على الله، ونفى الشرك عنه، وتوكل على الله حق التوكل، بقطع علائق الأسباب عن قلبه.
لأن التوكل الصحيح خاص بالقلب، وفعل الأسباب خاص بالجوارح، فإذا تعلق القلب بالأسباب، فإنه قد أشرك وهذا يميز المتوكل الموحد، والمتوكل المشرك.
فإذا اجتمع توكل خالص، وفعل الأسباب حصل المقصود وتحقق الهدف والغاية والله المستعان.
(1) سورة البقرة الآية 21
(2)
سورة البقرة الآية 22
المبحث الرابع: حسن الظن بالله عز وجل:
قال تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} (1). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه (2)» .
(1) سورة العنكبوت الآية 5
(2)
أخرجه مسلم في الصحيح (4/ 2205) رقم (2877) من حديث جابر، وأبو داود في (السنن) كتاب (الجنائز) رقم (13)، وابن ماجه في (السنن) كتاب (الزهد) رقم (14)، وأحمد في (المسند)(3/ 293، 315، 325، 330، 334، 390).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي (1)» .
وفي الحديث الصحيح الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه «يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي (2)» .
وحسن الظن بالله هو: الرجاء، وهو الاستبشار بجود وفضل الرب تبارك وتعالى والارتياح لمطالعة كرمه سبحانه.
وقيل: هو الثقة بوجود الرب تعالى، لكن لصحته علامة وهي حسن الطاعة.
قال شاه الكرماني: والمتوكل يعيش بين نظرين، نظر إلى نفسه وعيوبه، وآفات عمله يفتح عليه باب الخوف إلى سعة فضل ربه وكرمه وبره، ونظر يفتح عليه باب الرجاء.
ولذلك قال أبو علي الروذباري: الخوف والرجاء كجناحي الطائر إذا استويا استوى الطير، وتم طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت.
(1) صحيح البخاري (13/ 466) رقم (7505) من حديث أبي هريرة، صحيح مسلم (4/ 2102) رقم (2675).
(2)
جامع الترمذي (5/ 548) رقم (3540)، سنن الدارمي (2/ 230) رقم (2791)، ذكره الألباني في (صحيح الجامع) رقم (4213) ثم عزاه إلى الترمذي والضياء عن أنس ثم قال: حسن.
وقال يحيى بن معاذ: إلهي، أحلى العطايا في قلبي رجاؤك، وأعذب الكلام على لساني ثناؤك، وأحب الساعات إلي ساعة يكون فيها لقاؤك (1).
وقال ابن القيم: (وعلى حسب المحبة وقوتها يكون الرجاء، فكل محب راج، خائف بالضرورة، فهو أرجى ما يكون لحبيبه، أحب ما يكون إليه، وخوفه فإنه يخاف سقوطه من عينه، وطرد محبوبه له وإبعاده، واحتجاجه عنه، فخوفه أشد خوف، ورجاؤه ذاتي للمحبة؛ فإنه يرجوه قبل لقائه والوصول إليه، فإذا لقيه ووصل إليه اشتد الرجاء له، لما يحصل له به من حياة روحه، ونعم قلبه من ألطاف محبوبه، وبره وإقباله عليه، ونظره إليه بعين الرضا، وتأهيله في محبته، وغير ذلك مما لا حياة للمحب ولا نعيم ولا فوز إلا بوصوله إليه من محبوبه، فرجاؤه أعظم رجاء، وأجله وأتمه)(2).
والعبد يحركه الحب، ويزعجه الخوف، ويحدوه الرجاء.
والرجاء يبعث العبد إلى أعلى مقامات العبودية وهو الشكر.
والرجاء إذا انقطعت عنه الموانع، واستبان للعبد الطريق، طمع بالوصول وصارت حاله حال المعاين، فتتجمع له قوى الظاهر والباطن على قصد الوصول والعزم عليه لمشاهدته ما هو سائر إليه، هكذا عادة المسافر أنه إذا عاين القرية التي يريد
(1) مدارج السالكين (2/ 35 - 36)، تهذيب المدارج ص (297).
(2)
تهذيب مدارج السالكين ص (299).