الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على الفصيح من لغة العرب) (1).
وإذا علم ضابط (القراءة المتواترة) فإنه يمكن الجزم بأن (القراءة الشاذة) هي ما اختل فيها أحد هذه الأركان الثلاثة.
قال الشيخ أبو شامة رحمه الله تعالى بعد أن ذكر أركان (القراءة المتواترة): (فمتى اختل أحد هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة)(2). وذلك فيما زاد على القراءات العشر؛ لأن القراءات العشر كلها متواترة على القول الصحيح.
قال الزركشي رحمه الله تعالى: (والمعروف أنها - أي القراءة الشاذة - ما وراء السبع، والصواب ما وراء العشر، وهي ثلاثة أخر: يعقوب، وخلف، وأبو جعفر يزيد بن القعقاع. فالقول بأن هذه الثلاثة غير متواترة ضعيف جدا)(3).
وبناء على هذا فإن ما اختل فيه أحد أركان (القراءة المتواترة " مما زاد على القراءات العشر فهو (القراءة الشاذة).
(1) البحر المحيط (1/ 474).
(2)
البحر المحيط (1/ 474).
(3)
البحر المحيط (1/ 474).
المبحث الثالث: (هل تسمى القراءة الشاذة قرآنا
؟):
ذهب أكثر أهل العلم رحمهم الله تعالى إلى أن (القراءة الشاذة) لا تسمى قرآنا، وذلك لخروجها عن الوجه الذي ثبت به القرآن الكريم، وهو (التواتر).
قال الباجي رحمه الله تعالى: (القرآن لا يثبت إلا بالخبر المتواتر، وأما خبر الآحاد فلا يثبت به قرآن)(1).
وقال الآمدي رحمه الله تعالى: (وأما ما اختلفت به المصاحف فما كان من الآحاد فليس من القرآن، وما كان متواترا فهو منه)(2).
وقال ابن الحاجب رحمه الله تعالى: (ما نقل آحادا فليس بقرآن، للقطع بأن العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله)(3).
قال أبو الثناء الأصفهاني في شرحه لكلام ابن الحاجب: (ما نقل آحادا ليس بقرآن، وذلك لأنا قاطعون بأن العادة تقضي بأن مثل هذا الكتاب الذي يكون هاديا للخلق، معجزا على وجه لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بسورة من مثله لم يقدروا عليه، يمتنع ألا يتواتر في تفاصيله، أي في أصله وأجزائه ووضعه وترتيبه ومحله، إذ الدواعي تتوفر على نقله إلى أن يصير شائعا مستفيضا متواترا، فما لم يبلغ إلى حد التواتر يقطع بأنه ليس من القرآن)(4).
ونقل الزركشي رحمه الله تعالى عن إلكيا الطبري قوله:
(القراءة الشاذة مردودة لا يجوز إثباتها في المصحف، وهذا لا
(1) المنتقى (4/ 156).
(2)
الإحكام (1/ 162).
(3)
شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 461).
(4)
بيان المختصر (1/ 461).
خلاف فيه بين العلماء) (1).
وقال ابن عبد الشكور رحمه الله تعالى: (ما نقل آحادا فليس بقرآن قطعا)(2).
وقال عبد العلي الأنصاري رحمه الله تعالى ما مؤداه: (القراءة الشاذة ليست من القرآن اتفاقا)(3).
وقد نقل الباجي رحمه الله تعالى الإجماع على المنع من كتابة ما عدا المتواتر في القرآن الكريم، فقال في معرض تعليقه على قول مولى عائشة رضي الله تعالى عنها:«أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا، وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني: فلما بلغتها آذنتها فأملت علي: (وصلاة العصر) قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم (7)» .
قال: (يقتضي أن يكون قبل جمع القرآن في مصحف، وقبل أن يجمع الناس على المصاحف التي كتب بها عثمان إلى
(1) البحر المحيط (1/ 475).
(2)
مسلم الثبوت (2/ 9).
(3)
فواتح الرحموت (2/ 9).
(4)
رواه مسلم في كتاب (المساجد ومواضع الصلاة). (صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 129 - 130).
(5)
سورة البقرة الآية 238 (4){حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}
(6)
سورة البقرة الآية 238 (5){حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}
(7)
سورة البقرة الآية 238 (6){وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}
الأمصار؛ لأنه لم يكتب بعد ذلك من المصاحف إلا ما وقع الإجماع عليه وثبت بالخبر المتواتر أنه قرآن، فأما غير ذلك مما كان يكتب من معنى التفسير فأجمعوا على المنع منه) (1).
ولو كان ما ثبت بغير الخبر المتواتر قرآنا لما أجمعوا على المنع من كتابته في القرآن الكريم.
وحيث إن (القراءة الشاذة) لا تسمى قرآنا فقد نقل الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى إجماع المسلمين على عدم جواز القراءة بالشاذ، وأنه لا يصلى خلف من يقرأ به فقال: (وعلماء المسلمين مجمعون على ذلك إلا قوم شذوا لا يعرج.
عليهم) (2).
وقد استند النووي رحمه الله تعالى على نقل ابن عبد البر لإجماع المسلمين في ذلك، فذهب إلى عدم جواز القراءة بالشاذ، وعدم الصلاة خلف من يقرأ به فقال:(ونقل الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ، وأنه لا يصلى خلف من يقرأ بها)(3).
(1) المنتقى (1/ 244).
(2)
التمهيد (8/ 293).
(3)
المجموع (3/ 392).
وكذلك نقل ابن حزم رحمه الله تعالى الإجماع على عدم جواز القراءة بالشاذ، وعدم جواز كتابتها في المصحف، فقال في معرض رده على الذين احتجوا بقراءة عائشة رضي الله تعالى عنها:" والصلاة الوسطى وصلاة العصر ": (. . . ثم نقوله لهم: من العجب احتجاجكم بهذه الزيادة التي أنتم مجمعون معنا على أنها لا يحل لأحد أن يقرأ بها، ولا أن يكتبها في مصحفه)(1).
(1) المحلى (4/ 255).
مناقشة حكاية الإجماع:
ما ذكر من الإجماع على أن (القراءة الشاذة) ليست من القرآن، وهو ما حكاه إلكيا الطبري، وعبد العلي الأنصاري، والباجي رحمهم الله تعالى.
وكذلك ما نقل من الإجماع على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ ولا يصلى خلف من يقرأ به، وهو ما حكاه العلامة ابن عبد البر والعلامة ابن حزم رحمهما الله تعالى، محل نظر؛ وذلك لأن بعض أهل العلم - كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في ثمرة الخلاف - أجازوا قراءة الشاذ في الصلاة، وأفتوا بصحة الصلاة بتلك القراءة. وهذا يقتضي أن تكون (القراءة الشاذة) قرآنا عندهم، إذ لو لم تكن قرآنا لما أجازوا قراءتها في الصلاة، ولما صححوا الصلاة بها، ضرورة أنهم لا يصححون الصلاة بقراءة غير القرآن.