الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
وسائل تعمق التوكل في نفوس المؤمنين
هناك وسائل عديدة تعمق التوكل في نفوس المؤمنين منها معرفة الرب سبحانه، وإثبات الأسباب وتوحيد القلب، وحسن الظن بالله، وتفويض الأمر إليه - جل شأنه - وسوف نتناول كل وسيلة من هذه الوسائل بالبحث والتفصيل في مبحث على حدة.
المبحث الأول: معرفة الرب سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته:
إن أول ما يجب على العبد معرفة الله سبحانه وتعالى المعرفة الصحيحة قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (1) ولا تتم هذه المعرفة وهذا العلم - على الوجه الأكمل - إلا بمعرفة أسمائه وصفاته.
وعلى هذا يجب أن نتعرف على الذات الإلهية كما تعرف عليها السلف - رضوان الله عليهم - من خلال النصوص التالية:
قال جل شأنه: {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (2).
(1) سورة محمد الآية 19
(2)
سورة هود الآية 14
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة (1)» .
وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2). وقال جل وعلا: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (3). وقال سبحانه: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (4){هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (5){هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (6). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لله تسعة وتسعون اسما، مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة (7)» .
وذاته تعالى كاملة، الكمال المطلق الذي لا يشاركه فيه أحد، فلا تشبه ذاته ذات أحد من خلقه. وذاته موصوفة بجميع الكمالات التي لا تعد ولا تحصى، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في
(1) أخرجه مسلم في (الصحيح)(1/ 55) رقم (43) من حديث عثمان بن عفان، انظر:(صحيح الجامع) رقم (6428).
(2)
سورة الأعراف الآية 180
(3)
سورة الإسراء الآية 110
(4)
سورة الحشر الآية 22
(5)
سورة الحشر الآية 23
(6)
سورة الحشر الآية 24
(7)
أخرجه البخاري في (الصحيح)(13/ 377) رقم (7392) من حديث أبي هريرة، والترمذي في (الجامع) كتاب (الدعوات) رقم (82)، وأحمد في (المسند)(2/ 258، 267).
دعائه: «لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك (1)» . لكن علم حقيقة ذاته وكيفيتها، أمر لا سبيل إليه لأي مخلوق، إذ ليس من الجائز أن يحيط المخلوق بالخالق علما وإدراكا لحقيقته، ذاتا ووصفا، وصدق الله حيث يقول:{وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} (2). وقال: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (3). ولفظ (الله) لفظ الجلالة لا يطلق إلا على المعبود بالحق وهو خالق السماوات والأرض، ومدبر الأمر فيهما سبحانه.
وهو دال على جميع الأسماء الحسنى والصفات العلى بجميع الدلالات:
فهو دال على الإلهية المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له سبحانه مع نفي أضدادها عنه تعالى.
وهو مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى دال عليها.
وهو دال على كونه مألوها معبودا، تألهه الخلائق محبة وتعظيما وخضوعا وفزعا (4).
(1) صحيح مسلم (1/ 352)، جامع الترمذي (4/ 524)، سنن أبي داود (1/ 547)، ابن ماجه (2/ 1263)، موطأ مالك (1/ 167)، مسند الإمام أحمد (6/ 58) من حديث عائشة.
(2)
سورة طه الآية 110
(3)
سورة الإسراء الآية 85
(4)
(مدارج السالكين) لابن القيم (1/ 32).
وإلاهيته وربوبيته ورحمانيته وملكه مستلزم لجميع صفات كماله، إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي، ولا سميع ولا بصير، ولا قادر، ولا متكلم، ولا فعال لما يريد، ولا حكيم في أفعاله. . وصفات الجلال والجمال أخص باسم (الله).
وصفات الفعل والقدرة، والتفرد بالضر والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة، وكمال القوة، وتدبير أمر الخليقة أخص باسم (الرب).
وصفات الإحسان، والجود، والبر، والحنان، والمنة، والرأفة، واللطف أخص باسم (الرحمن)(1).
ويجب أن نعرف أن هناك علاقة بين الأسماء والصفات.
قال البيهقي: (وفي إثبات أسمائه إثبات صفاته، لأنه إذا ثبت كونه موجودا، فوصف بأنه (حي) قد وصف بزيادة صفة على الذات هي: (الحياة).
وإذا وصف بأنه (عالم) فقد وصف بزيادة صفة هي (العلم) كما إذا وصف بأنه (خالق) فقد وصف بزيادة صفة هي (العلم) كما إذا وصف بأنه (خالق) قد وصف بزيادة صفة هي (الخلق).
وإذا وصف بأنه (رازق) فقد وصف بزيادة صفة هي (الرزق).
وإذا وصف بأنه (محيي) فقد وصف بزيادة صفة هي
(1) مدارج السالكين (1/ 32).
(الإحياء). إذ لولا هذه المعاني لاقتصر في أسمائه على ما ينبئ عن وجود الذات فقط (1).
وإليك بعض أسماء الله ومعانيها التي تعمق التوكل في نفوس المؤمنين:
1 -
الرزاق:
قال تعالى: {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (2). أي المتكفل بالرزق والقائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها، وسع الخلق كلهم رزقه ورحمته (3).
2 -
المجيب:
قال تعالى: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} (4). وقال أبو موسى: إنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرفعوا أصواتهم بالدعاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون قريبا مجيبا يسمع دعاءكم ويستجيب (5)» الحديث.
(1) الأسماء والصفات ص (110).
(2)
سورة البقرة الآية 212
(3)
شأن الدعاء ص (54).
(4)
سورة هود الآية 61
(5)
رواه أحمد في (المسند)(4/ 403) ورجاله كلهم ثقات.
ومعناه: هو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويغيث الملهوف إذا ناداه (1).
3 -
الوكيل:
قال تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (2).
ومعناه: هو الكافي وهو الذي يستقل بالأمر الموكول إليه، وقيل الكفيل بالرزق والقيام على الخلق بما يصلحهم (4).
(1) الاعتقاد، ص (17).
(2)
سورة الأنعام الآية 102
(3)
رواه البخاري في (الصحيح)(13/ 371) رقم (7385) من حديث ابن عباس، ومسلم في (الصحيح) كتاب (المسافرين) رقم (199).
(4)
الاعتقاد للبيهقي ص (17 - 18).
4 -
القابض الباسط:
قال تعالى: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (1). ومعناه: هو الذي يوسع الرزق، ويقتره، ويبسطه بجوده ورحمته، ويقبضه بحكمته (2).
5 -
الخافض الرافع:
قال تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (3). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض أو القبض، يرفع ويخفض (4)» .
ومعنى الخافض: هو الذي يخفض من يشاء بانتقامه، والرافع: هو الذي يرفع من يشاء بإنعامه (5).
6 -
القيوم:
قال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (6).
(1) سورة البقرة الآية 245
(2)
الاعتقاد، ص (16).
(3)
سورة يوسف الآية 76
(4)
أخرجه البخاري في (الصحيح)(13/ 403) رقم (7419) من حديث أبي هريرة، ومسلم في (الصحيح) كتاب (الزكاة) ص (37).
(5)
الاعتقاد. ص (16).
(6)
سورة البقرة الآية 255
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تهجده إذا قام من الليل: «اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن (1)» . . . " الحديث.
وفي رواية: «اللهم ربنا لك الحمد أنت قيام السماوات والأرض. . . . (2)» 7 - الهادي:
قال تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} (3). وقال تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (4)، «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يفتتح صلاته بـ"اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك
(1) صحيح البخاري (3/ 3) رقم (120) من حديث ابن عباس.
(2)
أخرجه البخاري في (الصحيح)(13/ 423) رقم (7442) من حديث ابن عباس وقال مجاهد: القيوم القائم على كل شيء، وأخرجه مسلم في (الصحيح) باب (المسافرين) ص (199)، والترمذي في (الجامع) باب (الدعوات) ص (29)، وأخرجه النسائي في (السنن) باب (قيام الليل) ص (9)، وابن ماجه في باب (الإقامة)(180)، ومالك في (الموطأ) باب (مس القرآن) ص (34)، وأحمد في (المسند)(1/ 298).
(3)
سورة مريم الآية 76
(4)
سورة الحج الآية 54
إنك على صراط مستقيم (1)».
8 -
القريب:
قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} (2). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (3)» .
ومعناه: أنه قريب بعلمه من خلقه قريب ممن يدعوه بإجابته (4).
وأيضا فإن من صفاته سبحانه وتعالى التي تعمق التوكل في نفوس المؤمنين:
أ- صفة الحياة:
قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} (5). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه: «اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون (6)» .
(1) جامع الترمذي (5/ 484) رقم (3420).
(2)
سورة البقرة الآية 186
(3)
أخرجه مسلم في (الصحيح)(1/ 350) رقم (482)، والنسائي في (السنن) باب (المواقيت) ص (35)، والترمذي في (الجامع) باب (الدعوات) ص 118) رقم (2/ 421).
(4)
الاعتقاد ص (20).
(5)
سورة الفرقان الآية 58
(6)
صحيح مسلم (4/ 2086) رقم (2717).
ب- صفة العلم:
قال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} (1). وورد في قصة الخضر مع موسى عليه السلام وفيها: «. . . وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر عليه السلام: ما نقص علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر (2)» .
جـ - صفة القدرة:
قال تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} (3). وقال جابر: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك (4)» . الحديث.
د- الإرادة:
(1) سورة البقرة الآية 255
(2)
صحيح البخاري (8/ 409)، صحيح مسلم (4/ 1847) رقم (2380).
(3)
سورة القيامة الآية 4
(4)
صحيح البخاري (11/ 182) رقم (1382)
(5)
سورة المائدة الآية 6