الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحتويات
الافتتاحية
من ضوابط الإعلام في الإسلام لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ 7
الفتاوى
من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ 23
من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مفتي عام المملكة العربية السعودية سابقا "رحمه الله 35
من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
مفتي عام المملكة العربية السعودية 55
من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 87
البحوث
شبهات حول الإسلام لمعالي الدكتور / محمد بن سعد الشويعر 107
قصة إبراهيم عليه السلام الواردة في سورة الأنعام وما فيها من مباحث النبوة للدكتورة سارة بنت فراج بن علي العقلاء 155
حجية خبر الآحاد في العقيدة والرد على من أنكر ذلك للدكتور / عبد الله بن سليمان الغفيلي 232
علم الكلام والتأويل وأثرهما على العقيدة الإسلامية للدكتور: إبراهيم بن محمد البريكان 278
تحلية المصاحف وكتب العلم وآلاتها للدكتور / صالح بن محمد بن رشيد 312
المزاح في السنة للدكتور / محمد بن عبد الله ولد كريم 343
صفحة فارغة
من ضوابط الإعلام في الإسلام
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على دربه واقتفى أثره واهتدى بسنته إلى يوم الدين، جعلنا الله منهم ونظمنا في سلكهم وسائر إخواننا المسلمين. أما بعد:
فإن من المعلوم بل من المتقرر عند كل مسلم ومسلمة أن دين الإسلام هو الدين الحق الذي أكمله الله وأتمه ورضيه لنا دينا يقول الله سبحانه وتعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1) فدين رضيه الله لنا واجب علينا أن نرضى به ونفرح بمنة الله علينا أن هدانا له.
وهذا الدين كما أخبر الله دين كامل ودين شامل نظم أمور الدين والدنيا للفرد المسلم وللجماعة المسلمة ولعموم الخلق فكل شأن من شئون الحياة نجد أن هذا الدين العظيم قد جاء بما يكفل للبشرية على وجه العموم وللمسلمين بوجه الخصوص السعادة إذا
(1) سورة المائدة الآية 3
امتثلته، ومن ذلك ما نحن بصدد الحديث عنه في فاتحة هذا العدد المبارك من هذه المجلة القيمة مجلة البحوث الإسلامية وهو موضوع الإعلام ونظام الإسلام في الإعلام، وقبل الشروع في المقصود الأساسي لهذه الكلمة أحب أن أنبه إلى أمر مهم وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم نبه أهل الإيمان وحثهم على التكامل فيما بينهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا (1)» وشبك بين أصابعه. متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهذا أصل عظيم يبين لنا ما يجب أن يكون عليه أهل الإيمان، فأهل الإيمان يحب بعضهم بعضا، وأهل الإيمان ينصر بعضهم بعضا، وأهل الإيمان يكمل بعضهم بعضا، هم متعاونون فيما بينهم على البر والتقوى امتثالا لأمر المولى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (2)
ومن هنا نعلم أن نصرة هذا الدين لا تقف على فرد بعينه ولا جهة بخصوصها بل المؤمنون جميعهم مطالبون بنصرة هذا الدين، الجميع مطالب بالتعاون والتكامل لنشر هذا الدين بين العالمين والدفاع عنه، وكل منا على ثغر فليحذر أن يؤتى الإسلام من قبله.
ومن الثغور المهمة للإسلام وبلاد الإسلام ثغر الإعلام الذي
(1) صحيح البخاري الصلاة (481)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2585)، سنن الترمذي البر والصلة (1928)، سنن النسائي الزكاة (2560)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 405).
(2)
سورة المائدة الآية 2
ازدادت أهميته في هذا العصر؛ لتطور وسائل الاتصال والإعلام وتقدمها، والإسلام قد اهتم بالإعلام منذ بزوغ هذا الدين العظيم، فالله سبحانه وتعالى يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالبلاغ، فيقول:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (1) فامتثل أمر ربه وبلغ ما أرسل به، عن عائشة رضي الله عنها قالت «من حدثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل الله عليه فقد كذب (2)» الحديث أخرجه البخاري. ويقول سبحانه {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (3)
فأمره الله سبحانه بإبلاغ الرسالة وأمره بإعلانها والصدع بها، والنبي صلى الله عليه وسلم امتثل الأمر واستخدم كل وسيلة إعلامية متاحة في وقتها لإبلاغ رسالة ربه عز وجل فجمع عشيرته الأقربين وناداهم وقررهم على تصديقهم له ثم بلغهم رسالة ربه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أنزل الله عز وجل {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (4) «أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليها ثم نادى: "يا صباحاه" فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه
(1) سورة المائدة الآية 67
(2)
صحيح البخاري تفسير القرآن (4612)، صحيح مسلم الإيمان (177)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3068).
(3)
سورة الحجر الآية 94
(4)
سورة الشعراء الآية 214
وبين رجل يبعث رسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟ قالوا: نعم، قال:(فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)(1)» الحديث أخرجه البخاري، ومسلم، وأحمد، وغيرهما واللفظ لأحمد.
آذاه قومه ولم يقبلوا دعوته وحاربوه فانتقل إلى وسيلة أخرى وهي الموسم حين يجتمع الناس والقبائل يقوم بإبلاغ ما عنده ويطلب منهم النصر، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الحاج في منازلهم في الموسم وبمجنة وعكاظ وبمنازلهم بمنى من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي عز وجل وله الجنة (2)» الحديث أخرجه الإمام أحمد رحمه الله.
وسافر إلى الطائف ليبلغ رسالة ربه فردوه وأغروا سفهاءهم، وصبر وصابر، ولما أظهر الله الإسلام وأعز جنده استعمل وسائل أخرى لإيصال الرسالة وإبلاغها للعالمين فأرسل الرسل إلى كسرى، وقيصر، ومقوقس مصر، ونجاشي الحبشة يخبرهم بحاله وحال دعوته ويدعوهم للإسلام فمنهم من أجاب وآمن، ومنهم من أعرض، ومنهم من عاند وتكبر
(1) صحيح البخاري تفسير القرآن (4770)، صحيح مسلم الإيمان (208)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 307).
(2)
سنن الترمذي فضائل القرآن (2925)، سنن أبو داود السنة (4734)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 340)، سنن الدارمي فضائل القرآن (3354).
وكان ربما يستعمل الشعر كوسيلة لإيهان عدوه وإضعافهم، فكان يقول لحسان بن ثابت رضي الله عنه:«يا حسان اهج المشركين فإن جبريل معك أو إن روح القدس معك (1)» أخرجه أحمد وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة. إذن النبي صلى الله عليه وسلم سلك الوسائل الإعلامية المتاحة في عصره في كل حالة بحسبها لإيصال رسالته التي يجب عليه إعلانها وإعلامها للعالمين تلكم الرسالة هي رسالة التوحيد، هي الحق المبين، هي الصدق الذي لا مرية فيه.
فدين الإسلام كله رسالة إعلامية كبرى {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (2) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم «بلغوا عني ولو آية (3)» أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
وفي حديث تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر (4)» . أخرجه الإمام أحمد رحمه الله. وسلفنا الصالح قد بذلوا الكثير في هذا المجال حسب ما هو متاح لهم فكتبوا وكاتبوا وعلموا
(1) صحيح البخاري الأدب (6153)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2486)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 301).
(2)
سورة إبراهيم الآية 52
(3)
صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3461)، سنن الترمذي العلم (2669)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 159)، سنن الدارمي المقدمة (542).
(4)
مسند أحمد بن حنبل (4/ 103).
وتعلموا وسافروا واتجروا واستخدموا الشعر لإيصال هذه الرسالة؛ رسالة العقيدة والعمل رسالة الأخلاق الكريمة ولنقل الأخبار في الممالك الإسلامية وغيرها، وحسبهم شاهدا على عملهم أن وصلتنا هذه الرسالة صافية كاملة، ووصلتنا أخبارهم بأسانيدها مما يدل على عظيم عنايتهم بهذا الجانب.
ونحن في العصور المتأخرة قد تطورت وسائل الإعلام والاتصال عندنا تطورا عظيما فكان منها المسموع والمقروء ومنها المرئي وهناك وسائل الاتصال السريعة عبر الشبكة العالمية للمعلومات وعبر الرسائل الإلكترونية وغيرها كثير، والواجب على أهل الإسلام في هذا العصر الاستفادة من هذه الوسائل التي هيأها الله سبحانه لنا، وواجب علينا أن نصوغ خطابا إعلاميا متميزا خطابا إعلاميا يتخذ من نصوص الكتاب والسنة منهجا مستقيما للسير عليه وتقويمه وتصحيح مساره، فإعلامنا الإسلامي يجب أن يكون متميزا، ولا يصح أبدا أن يكون إعلاما نمطيا نتبع فيه الأمم الأخرى في طريقة تعاطيهم مع الإعلام؛ لأننا أمة أراد الله لها أن تكون أمة قيادة وشهادة على العالمين فنحن أمة متبوعة لا تابعة قائدة لا منقادة يقول الله عز وجل:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (1)
(1) سورة الحج الآية 78
ويقول سبحانة: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (1) إذن فإعلامنا الإسلامي يجب أن يكون متميزا بانتسابه لهذا الدين القويم الذي عظمه الله وأخبر أنه لا يقبل من أحد دينا سواه. {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (2) فيكون إعلامنا الإسلامي على كافة مستوياته أفرادا وجماعات، شعوبا ودولا، إعلاما منضبطا بضوابط هذا الدين فيما يخص هذا المجال.
(1) سورة البقرة الآية 143
(2)
سورة آل عمران الآية 85
وهذه جملة ضوابط أذكر بها إخواني العاملين في وسائل الإعلام من أفراد ومسئولين فما كان منها موجودا في إعلامنا عززناه وثبتنا عليه وما كان منها غير موجود حرصنا على الأخذ به لتصحيح عملنا وليوافق مرضاة ربنا عز وجل.
فأول ذلك: أنه يجب على الإعلامي المسلم أن يستشعر عظيم الأمانة الملقاة على عاتقه وأنه على ثغر عظيم فليخلص لله قصده وليجتهد في موافقة مرضاته.
وثانيا: الصدق، فإنه واجب على كل مسلم، ويزيد الأمر في حق الإعلامي؛ لأن كلامه يصل إلى شريحة كبيرة ويتأثر به أناس كثيرون والله تعالى يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (1)
(1) سورة التوبة الآية 119
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا (1)» . الحديث. متفق عليه وهذا لفظ مسلم.
ولتحذروا إخواني الإعلاميون من الكذب أشد الحذر تحت أي ذريعة سواء بذريعة الفوز بالسبق الإعلامي كما يقال أو لغيره من الذرائع فالمؤمن لا يكذب يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب (2)» أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا (3)» متفق عليه وهذا لفظ مسلم.
ولا يعفيك أخي الإعلامي المسلم أن تنقل كلام الغير بلا تحر لصحة الخبر. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس مطية القوم زعموا (4)» . ثالثا: أخي الإعلامي المسلم احرص على التثبت من الأخبار فليس
(1) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2607)، سنن الترمذي البر والصلة (1971)، سنن أبو داود الأدب (4989)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 432).
(2)
مسند أحمد بن حنبل (5/ 252).
(3)
صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2607)، سنن الترمذي البر والصلة (1971)، سنن أبو داود الأدب (4989)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 432).
(4)
سنن أبو داود الأدب (4972)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 401).
كل ما يقال حق ولا كل ما ينشر صدق، والله تعالى يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (1)
رابعا: أخي الإعلامي عليك بالتأني في التعاطي مع الأمور العظام مما تتعلق به مصلحة عظمى للأمة، فليس كل ما يعلم في هذا الباب يقال ولو كان حقا وصدقا يقول الله تعالى:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (2) فالطريق الشرعي عند ورود الأمور العامة سواء كان الأمر يتعلق بأمن أو خوف أن يرد إلى أهل الحل والعقد من الأمراء والعلماء، فما رأوا المصلحة في نشره وإذاعته نشر، وما رأوا المصلحة في عدم نشره لا ينشر حفاظا على دين الناس ودنياهم.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت (3)» والذي يقدر الخير من عدمه في الأمور العظام هم أولو الأمر فالواجب الرجوع إليهم فيها.
خامسا: الإعلامي المسلم لا تقتصر مهمته على نقل الخبر من هنا وهناك ولا تقف مسئوليته عند تحليل الأخبار، كلا بل رسالة
(1) سورة الحجرات الآية 6
(2)
سورة النساء الآية 83
(3)
صحيح البخاري اللباس (5863)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2066)، سنن الترمذي الأدب (2809)، سنن النسائي الجنائز (1939)، سنن ابن ماجه الكفارات (2115)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 287).
الإعلامي المسلم تذهب إلى ما هو أبعد من هذا بكثير، فالإعلامي المسلم يحمل أعظم رسالة إعلامية يحملها إعلامي في هذه الدنيا إنها رسالة الإسلام التي يجب على كل مسلم السعي في إبلاغها كل حسب قدرته واستطاعته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«بلغوا عني ولو آية (1)» . أخرجه البخاري.
ونشر الإعلامي المسلم لعلم العلماء الراسخين في العلم وبثه في الناس ليعرفهم ما يجب عليهم من حق الله تعالى وما لا يجوز لهم فعله ويرسم لهم المنهج الصحيح في كل وقت بحسبه، كل هذا واجب على الإعلامي المسلم وهي رسالة سامية لا يمكن لغير الإعلامي المسلم أن يصل لدرجتها ولا يدانيها مهما كانت رسالته الإعلامية.
سادسا: الإعلام الإسلامي يجب أن يبث صورة مشرقة وصحيحة للدين الذي ينتسب إليه فواجب عليه أن يكون خاليا من المنكرات العقدية والعملية والأخلاقية، ويكون قدوة لغيره في نشر الخيرات؛ لأن الله تعالى يقول:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2) ويقول الله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (3)
(1) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3461)، سنن الترمذي العلم (2669)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 159)، سنن الدارمي المقدمة (542).
(2)
سورة النور الآية 19
(3)
سورة المائدة الآية 2
سابعا: في حال الفتن والمحن واشتداد الأمور واضطرابها يكون للإعلام وقع كبير ودور عظيم في تسيير الأحداث، وهذا أمر معلوم في عصرنا هذا الذي بات الإعلام في حال المدلهمات وعظائم الأمور يؤثر تأثيرا بالغا في نفوس الناس بإثارتها أو تثبيطها بتخويفها أو تأمينها؛ لذا كان الواجب الحذر في التعاطي مع الأحداث الجسيمة فلا تنقل ما يثبط المسلمين ويفت في عضدهم ولا ما يثيرهم ويرجف بهم، فإن هذا محرم وقد كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أناس يستغلون الأحداث بمثل هذه الأمور ففضح الله أمرهم وتوعدهم، ويقول الله تعالى {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} (1){فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (2) وقال أيضا {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} (3){مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} (4)
إذن فما هو موقف الإعلام الإسلامي من الأحداث الجسام التي تؤثر في الأمة؛ إن موقفه موقف المؤمن الثابت، فالواجب أن
(1) سورة التوبة الآية 81
(2)
سورة التوبة الآية 82
(3)
سورة الأحزاب الآية 60
(4)
سورة الأحزاب الآية 61
يوجه الإعلام لتقوية الإيمان في نفوس المؤمنين وتعزيز تعلقهم بربهم وتوكلهم عليه.
يقول الله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (1){فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (2){إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (3)
هذه بعض الضوابط التي رأينا أهميتها لكل إعلامي مسلم حتى يكون عمله سائرا وفق شرع الله مقربا لمرضاته نافعا لعباده، ويكون العامل في هذا الميدان إذا صلحت نيته متعبدا لله بهذا العمل فيكون في عبادة يؤجر عليها.
وإنا إذ نوجه هذه الكلمة للإعلامي المسلم فإنا نعني به كل من اشتغل في هذا الباب من كاتب ومحرر، ومن معد للمواد الإعلامية، ومن مشرف على المواقع الإلكترونية، ومن مشارك فيها، ومن مسئول عن وسائل الإعلام المختلفة فكل من له صلة ومشاركة وتعاط مع الإعلام بكافة وسائله فإنه معني بهذه الكلمة.
ولجميع هؤلاء نقول لئن احتفل غيركم وفرحوا وتفاخروا بسرعة نقل الأخبار صادقا وكاذبا صحيحا وسقيما، ولئن تبجحوا بنشر
(1) سورة آل عمران الآية 173
(2)
سورة آل عمران الآية 174
(3)
سورة آل عمران الآية 175
الفساد في الأرض بصنوفه، فإنه حقيق بكم أيها الإعلاميون المسلمون أن ترفعوا رءوسكم بهذا الدين القويم الذي يبني إعلاما صادقا مخلصا مقررا للحق داحضا للباطل ناشرا للفضيلة، محاربا للرذيلة، يستمد تعاليمه وضوابطه من الوحي الصادق، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا وإني لأسأل الله العلي القدير الكريم الجواد أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، ويجعلنا وإخواننا المسلمين جميعا أنصارا للحق أعوانا في العمل به وأن يعز دينه ويعلي كلمته ويكبت أعداء الدين ويذلهم ويظهر الهدى ودين الحق الذي بعث به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على الدين كله ولو كره المشركون، وأن يعز الإسلام والمسلمين وينصر من نصر هذا الدين في كل مكان، كما أسأله سبحانه أن يولي على المسلمين خيارهم ويجعل ولايتهم فيمن خافه واتقاه واتبع هداه، ويلهم من ولي من أمر المسلمين شيئا العمل بكتاب الله وسنة نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم وتحكيم شريعته وأن يحفظ ولي أمرنا بحفظه ويكلأه برعايته ويلبسه ثوب الصحة والسلامة والعافية، وأن يوفق ولي عهده ويسدده في أقواله وأفعاله ويوفق النائب الثاني ويجعلهم جميعا أعوانا على الخير أنصارا للحق، وأن يصلح لهم البطانة ويرزقهم الثبات على الحق وينير لهم البصر والبصيرة ويريهم الحق حقا ويرزقهم اتباعه،
والباطل باطلا ويرزقهم اجتنابه، ويصلح لنا ولهم وسائر المسلمين العقب والعاقبة وأن يوزعنا شكر نعمته وحسن عبادته.
وصلى الله عليه وسلم وبارك على نبينا محمد أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين، كما أسأله سبحانه أن يحشرنا معهم وينظمنا في سلكهم إنه سبحانه جواد كريم بر رءوف رحيم.