الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انكسرت (1).
فهذه الأخبار والوقائع وغيرها مما لم أذكره تبين لنا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يكتفون بخبر الواحد في أمور دينهم سواء ما كان منها اعتقادية أو عملية.
وعلى هذا فالقول بأن أحاديث الآحاد لا تثبت بها عقيدة قول مبتدع محدث لا أصل له في الدين ولم يقل به واحد من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم ولم ينقل عن أحد منهم بل ولا خطر لهم على بال ولو وجد دليل قطعي يدل على أن الآحاد لا تثبت بها عقيدة لعلمت الصحابة وصرحوا به، وكذلك من بعدهم من السلف الصالح ثم إن هذا القول المبتدع يتضمن عقيدة تستلزم رد مئات الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. فالذين لا يأخذون بخبر الواحد في العقيدة يلزمهم أن يردوا كثيرا من العقائد التي ثبتت بأحاديث الآحاد.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أخبار الآحاد (8/ 134).
المبحث الثالث: عمل السلف بخبر الواحد والأخذ به في العقيدة
ذهب الجماهير من سلف الأمة من الصحابة والتابعين والفقهاء
والمتكلمين إلى القول بالتعبد والعمل بخبر الواحد.
وقد حكى القاضي أبو يعلى إجماع الصحابة رضي الله عنهم على العمل بخبر الواحد (1).
يقو الشافعي - رحمه الله تعالى -: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد (2).
ويقول الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله تعالى -: " أجمع أهل العلم من أهل الفقه والأثر في جميع الأمصار - فيما علمت - على قبول خبر الواحد العدل وإيجاب العمل به إذا ثبت ولم ينسخه غيره من أثر أو إجماع، على هذا جميع الفقهاء، في كل عصر، من لدن الصحابة إلى يومنا هذا "(3).
ويقول - رحمه الله تعالى -: أيضا " ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه، إلا ما جاء منصوصا في كتاب الله، أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أجمعت عليه الأمة، وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يناظر فيه "(4).
(1) انظر العدة (3/ 865).
(2)
الرسالة ص (197).
(3)
التمهيد لابن عبد البر (1/ 2).
(4)
جامع بيان العلم وفضله (2/ 96).
ويقول الخطيب البغدادي: " وعلى العمل بخبر الواحد كان كافة التابعين ومن بعدهم من الفقهاء الخالفين في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا، ولم يبلغنا عن أحد منهم إنكار لذلك ولا اعترض عليه فثبت أن دين جميعهم وجوبه، إذا لو كان فيهم من كان لا يرى العمل به لنقل إلينا الخبر عنه بمذهبه فيه والله أعلم "(1).
وجاء في شرح الكوكب المنير: " يعمل بآحاد الأحاديث في أصول الديانات، وحكى ذلك ابن عبد البر إجماعا "(2).
ويقول ابن حزم: " قال أبو سليمان والحسين بن علي الكرابيسي والحارث بن أسد المحاسبي وغيرهم: إن خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب العلم والعمل معا وبهذا نقول "(3).
(1) الكفاية في علم الرواية ص (31).
(2)
شرح الكوكب المنير (2/ 352)، وانظر: لوامع الأنوار البهية (1/ 19).
(3)
الإحكام في أصول الأحكام (1/ 115، 116).
وقال أبو المظفر السمعاني: " إن الخبر إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه الثقات والأئمة، وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقته الأئمة بالقبول، فإنه يوجب العلم فيما سبيل العلم، هذا قول عامة أهل الحديث، والمتقنين من القائلين على السنة ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " مذهب أصحابنا أن أخبار الآحاد المتلقاة بالقبول تصلح لإثبات أصول الديانات ". ثم نقل عن القاضي أبي يعلى: ما يؤيد كلامه (1).
ويقول العلامة صديق حسن خان رحمه الله: " والضرب الآخر من السنة خبر الآحاد، ورواية الثقات الأثبات بالسند المتصل والصحيح والحسن، فهذا يوجب العمل عند جماعة من علماء الأمة
(1) المسودة ص (248).
وسلفها الذين هم القدوة في الدين والحجة والأسوة في الشرع المبين ومنهم من قال يوجب العلم والعمل جميعا وهو الحق وعلى درج سلف الأمة وأئمتها " (1).
فأهل السنة والجماعة كما يرون الأخذ بأحاديث الآحاد الصحيحة في الأحكام الفقهية فإنهم يرون الأخذ بها كذلك في العقائد، لأنها تفيد العلم، وعلى فرض أنها لم تفد العلم القاطع فهي تفيد - على الأقل - الظن الغالب وما كان كذلك فإنه يؤخذ به في أحكام الشريعة.
يقول ابن القيم رحمه الله: " إن هذه الأخبار لو لم تفد اليقين، فإن الظن الغالب حاصل منها، ولا يمتنع إثبات الأسماء والصفات بها، كما لا يمتنع إثبات الأحكام الطلبية بها. . . ولم تزل الصحابة والتابعون وتابعيهم وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام، ولم ينقل عن أحد منهم البتة أنه جوز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الأخبار عن الله وأسمائه وصفاته. . . . "(2).
فمن أفاده الدليل العلم القاطع وجب عليه الأخذ به وتيقن دلالته، ومن أفاده الظن الغالب لم يجز له أن يترك هذا الظن الغالب لعجزه
(1) الدين الخالص (3/ 284).
(2)
مختصر الصواعق (2/ 412).
عن تمام اليقين (1).
فالواجب الأخذ بكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أي مجال، واعتقاد موجبه، والعمل به، وذلك لأن أخبار الآحاد الصحيحة قد مضى اتفاق الأئمة على نقلها، وروايتها، وتخريجها في الصحاح والمسانيد، وتدوينها في الدواوين، وحكم الحفاظ المتقنين عليها بالصحة، وعلى رواتها بالإتقان والعدالة، فطرحها مخالف للإجماع، خارج عن أهل الاتفاق، فلا يلتفت إليه، ولا يعرج عليه (2).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: " وأئمة أهل السنة والحديث - من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم - يثبتون الصفات الخبرية، لكن منهم من يقول: لا نثبت إلا ما في القرآن والسنة المتواترة، وما لم يقم دليل قاطع على إثباته ونفيه، كما يقوله ابن عقيل وغيره أحيانا، ومنهم من يقول: بل نثبتها بالأخبار الصحيحة مطلقا، ومنهم من يقول: يعطى كل دليل حقه، فما كان قاطعا في الإثبات قطعنا بموجبه، وما كان راجحا - لا قاطعا - قلنا بموجبه، فلا نقطع في النفي والإثبات إلا بدليل يوجب القطع، وإذا قام دليل يرجح أحد الجانبين بينا رجحان أحد الجانبين، وهذا
(1) انظر: درء التعارض (1/ 53).
(2)
تحريم النظر في كتب أهل الكلام ص (38، 39).