الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجاهلية على ذلك فيهم بقايا من دين إبراهيم، مثل: تعظيم البيت والطواف به"
فهذه لمحة موجزة عن أحوال العرب قبل الإسلام، وعباداتهم التي أشركوا فيها، وما كانوا عليه من بقايا دين إبراهيم عليه السلام التي حرّفوها وابتدعوا فيها.
المطلب الثاني: ابتداء عبادة الأصنام عند العرب:
إن أعظم مكايد الشيطان ما نصبه للناس من الأنصاب والأزلام، والأنصاب هي: كل ما نُصب مما يُعْبَدُ من دون الله من حجر أو شجر أو وثن؟ وقد أمر الله بإخلاص الدين له ونهى عن الشرك، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
أما ابتداء عبادة الأصنام عند العرب فقد تقدم أن العرب كانوا
على دين إبراهيم فلما طال الأمد وبعدوا عن زمن النبوة كثر فيهم الجهل، واتبعوا كل ناعق، فظهر فيهم عمرو بن لحي الخزاعي، ودعا إلى عبادة الأصنام.
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار، فكان أول من سيّب السوائب» (1) وفي لفظ «وغيَّر دين إبراهيم» ، وفي لفظ عند ابن إسحاق:«فكان أول من غير دين إبراهيم ونصب الأوثان» (2).
أما تفصيل كيفية بداية عبادة الأصنام عند العرب فهو ما ذكره المؤرخون: أنه لما كثر أولاد إسماعيل بمكة حتى ملؤوها، ونفوا من كان فيها من العماليق، فضاقت عليهم فوقعت بينهم الحروب والعداوات وأخرج بعضهم بعضاً، فساحوا في البلاد لالتماس المعاش، فكان أحدهم إذا أراد أن يظعن من مكة احتمل حجرًا من حجارة الحرم تعظيمًا للحرم، فحيث ما حلوا وضعه وطافوا به كطوافهم بالكعبة صبابة بها وحبًّا، وهم مع ذلك على بقايا دين أبيهم
(1) البخاري، كتاب المناقب، باب قصة خزاعة رقم (3333)، ومسلم (7371)، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب النار يدخلها الجبارون رقم (7371).
(2)
السيرة لابن هشام (1/ 76).
إسماعيل تعظيمًا للكعبة والاعتمار والصدقة.
وذكر أهل السير أن غُبشان من خزاعة وليت البيت دون بني بكر، واستمروا على ولاية البيت نحوًا من ثلاثمائة سنة، وقيل خمسمائة سنة، وكانوا مشؤومين في ولايتهم، وذلك لأن زمانهم كان أول عبادة الأوثان بالحجاز، وذلك بسبب رئيسهم عمرو بن لحي فإنه أول من دعاهم إلى ذلك.
وكان غنيًّا تاجرًا، وقوله وفعله فيهم: كالشرع المتّبع لشرفه فيهم، ومحلته عندهم، وكرمه عليهم.
وقد تابعوه على ابتداعه وإتيانه بالشرك وتبديله ما بعث الله به إبراهيم الخليل وغيّر شعائر الحج ومعالم الدين (1)(2)
قال عدد من المؤرخين ومنهم هشام بن محمد الكلبي: "وكان أول من غير دين إسماعيل عليه السلام فنصب الأوثان وسيّب السائبة ووصل الوصيلة وبحّر البحيرة وحمى الحامية عمرو بن ربيعة وهو لحيّ. . "(3) وذكروا سبب ذلك وهو أنه مرض مرضًا شديدًا فقيل له إن بالبلقاء من الشام حِمّة إن أتيتها برأت.
(1) السيرة لابن كثير (1/ 68)، وانظر: أخبار مكة للفاكهي (5/ 158 – 162).
(2)
السيرة لابن كثير (1/ 68)، وانظر: أخبار مكة للفاكهي (5/ 158 – 162). ') ">
(3)
كتاب الأصنام، ص (24). ') ">
ثم إن عمرو بن لحي ذهب إلى البلقاء (1) فأتى تلك العين الحارة هناك يستشفي بها المرضى، فأتاها فاستحم بها، ووجد أهلها يعبدون الأصنام، فقال: ما هذه؟ فقالوا: نستقي بها المطر، ونستنصر بها على العدو. فسألهم أن يعطوه منها، ففعلوا، فقدم بها إلى مكة ونصبها حول الكعبة، ومن ذلك الحين فشت فيهم عبادة الأصنام، وتجاوزتهم إلى غيرهم من العرب.
والمقصود أنه فشا فيهم هذا الشرك والتعلق بغير الله حتى صار الأكثر منهم على الشرك فجعلوا عباداتهم لهذه الآلهة التي اتخذوها، وتقربهم إليها مع ما يتقربون به إلى الله، وصرفوا العبادات لها من الذبح والنذر والدعاء والتعظيم والتقرب بالسجود والركوع والحلف بها وغير ذلك، كل هذا مع إقرارهم بالخالق الرازق المحيي المميت النافع الضار (2)، فأقروا بالربوبية وأشركوا في الألوهية بشبهة أنهم ليس لهم أهلية تامة أن يعبدوا الله وحده بلا واسطة وقد حكى الله عنهم ذلك، قال تعالى:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} . فهم اتخذوا من دون الله أولياء يتولونهم بعباداتهم ودعائهم معتذرين عن
(1) البلقاء: هي إقليم في أرض الشام في الأردن، وتشمل عمّان وعدة مدن أخرى، انظر: معجم البلدان (1/ 204).
(2)
العقائد السلفية، لأحمد بن حجر آل بو طامي، ص (14 – 15). ') ">
أنفسهم بقولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} . أي: لترفع حوائجنا إلى الله وتشفع لنا عنده وإلا فنحن نعلم أنها لا تخلق ولا ترزق ولا تملك من الأمر شيئًا أو اتخذوا هذه المعبودات من دون الله بشبهة أنها سوف تشفع لهم عند الله وتنقذهم من المهالك ومن العقوبة. فالمشركون تركوا ما أمر الله به من الإخلاص، وتجرؤوا على هذه الشركيات والخرافات، وقاسوا بعقولهم الفاسدة الرب على المخلوقين من الملوك الذين لا يتوصل إليهم إلا بالشفعاء والوجهاء وهذا القياس من أفسد الأقيسة؛ إذ هو يتضمن التسوية بين الخالق والمخلوق (1)، واستمر العرب على ذلك إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أمره الله بدعوتهم إلى إخلاص العبادة له والإيمان به وبرسوله وكتابه.
وأما قبل العرب فأصل حدوث الشرك كان في قوم نوح كما ذكر المفسرون والأئمة، ومنهم ابن جرير وابن كثير وغيرهم، كما سيأتي ذكر ذلك.
قال ابن كثير: "وقد أضلوا كثيرًا بين الأصنام التي اتخذوها أضلوا بها كثيرًا فإنه قد استمرت عبادتها في القرون إلى زماننا هذا
(1) انظر: تفسير السعدي، ص 685، وانظر إغاثة اللهفان لابن القيم (2/ 206 – 221). ') ">
في العرب والعجم وسائر صنوف بني آدم " (1)
قال القرطبي في سياق استدلاله لقاعدة سد الذرائع عند قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} بعد إيراده لأحاديث منع اتخاذ القبور مساجد، قال:" قال علماؤنا: ففعل ذلك أوائلهم ليتأسوا برؤية تلك الصور، ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم ويعبدون الله عز وجل عند قبورهم، فمضت لهم بذلك أزمان، ثم إنهم خلف من بعدهم خلوف جهلوا أغراضهم، ووسوس لهم الشيطان أن آباءكم وأجدادكم كانوا يعبدون هذه الصور فعبدوها، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك وشدد النكير والوعيد على من فعل ذلك، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك. . "(2)
قال ابن حجر: "وقال بعض الشرّاح: محصّل ما قيل في هذه الأصنام قولان: أحدهما: أنها كانت في قوم نوح، والثاني: أنها كانت أسماء رجال صالحين. . إلخ القصة، قلت: بل مرجع ذلك إلى قول واحد، وقصة الصالحين كانت مبتدأ عبادة قوم نوح هذه الأصنام، ثم
(1) تفسير ابن كثير (8/ 263). ') ">
(2)
الجامع لأحكام القرآن: (2/ 40 – 41). ') ">