الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطلب في ذكر أخبار وأشعار في الجاهلية تدل على إقرارهم بالربوبية:
قد جاءت كتب السيرة النبوية بذكر أخبار المشركين وقصصهم وشعرهم ونثرهم وخطبهم.
ومن ذلك خطب قسّ بن ساعدة؛ ومنها قوله في إحدى تلك الخطب: " يا أيها الناس: اجتمعوا واستمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات: فات، وكل ما هو آتٍ آتٍ، إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، مهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تمور، وبحار لا تغور [وفي رواية] ليل داج، وسماء ذات أبراج، وبحر عجاج، نجوم تزهر، وجبال مرسية وأنهار مجرية، وأقسم قسمًا حقًّا، لئن كان في الأمر رضى ليكون بعده سخط إن لله لدينًا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه، ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا؟ أم تركوا فناموا ".
وأنشد:
لما رأيت مواردًا
…
للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها
…
يمضي الأصاغر والأكابر
لا مَنْ مضى يأتي إلي
…
ك ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محا
…
لة حيث صار القوم صائر (1)(2)
(1) انظر أخباره وخطبه في البداية والنهاية لابن كثير (2/ 250 – 258).
(2)
انظر أخباره وخطبه في البداية والنهاية لابن كثير (2/ 250 – 258). ') ">
وقال النابغة الذبياني:
حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبة
…
وليس وراءَ اللهِ للمرءِ مذهبُ (1)
وقال حاتم الطائي:
كلوا الآن من رزق الإله وأيسروا
…
فإن على الرحمن رزقكم غدا (2)
وقال أيضًا:
ولكنما يُبْغَى به الله وحده
…
فأعط فقد أربحت في البيعة الكسبا (3)
وقال أيضًا:
أما والذي لا يعلم الغيب غيره
…
ويحيي العظام البيض وهي رميم (4)
وقال أيضًا:
سقى اللهُ ربُّ الناس سحًّا ودِيْمةً
…
جنوب السراة من مآبٍ إلى زُعَرْ (5)
وقال عنترة بن شداد:
يا عبل أين من المنية مهربي
…
إن كان ربي في السماء قضاها (6)
(1) ديوان النابغة ص6. ') ">
(2)
ديوان حاتم ص17. ') ">
(3)
ديوان حاتم ص5. ') ">
(4)
ديوان حاتم ص60. ') ">
(5)
ديوان حاتم ص32. ') ">
(6)
ديوان عنترة ص225. ') ">
وقول لبيد بن ربيعة:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
…
وكل نعيم لا محالة زائلُ
أرى الناسَ لا يدرون ما قَدْرُ أمرِهم
…
بلى كلُّ ذي رأي إلى الله واسلُ (1)
ويقول لبيد أيضًا:
إن تقوى ربنا خير نَفَل
…
وبإذن الله ريثي وعجل
أحمدُ اللهَ فلا ند له
…
بيديه الخير ما شاء فعل (2)
ويقول لبيد أيضًا:
فاقنع بما قسم المليك فإنما
…
قسمَ الخلائقَ بيننا علاّمُها (3)
وشعر زيد بن عمرو بن نُفيل، وقد كان على التوحيد وفارق قومه (4)
وفي سيرة ابن هشام أنه لما قدم أبرهة ليهدم الكعبة قام عبد المطلب ومعه نفر من قريش فأخذ بحلقة باب الكعبة وجعلوا يدعون الله ويستنصرونه وقال عبد المطلب:
لَاهُمَّ إن العبد يمنع رَحْله فامنع حِلالك
…
لا يغلبنَّ صليبهم ومحالهم غَدْوًا مِحالك (5)
(1) خزانة الأدب للبغدادي (1/ 243)، الشعر والشعراء لابن قتيبة (1/ 54). ') ">
(2)
جمهرة أشعار العرب ص17، الأغاني (15/ 361). ') ">
(3)
جمهرة أشعار العرب ص137. ') ">
(4)
انظر: السيرة لابن هشام (1/ 226). ') ">
(5)
السيرة لابن هشام (1/ 51). ') ">
وقال كلمته المشهورة: " أنا رب الإبل، وإن للبيت ربًّا سيمنعه ".
ولهم في ذلك قصائد مشهورة مبثوثة في كتب السير.
وقال نُفَيل بن حبيب: لما انتقم الله من أبرهة وجنده:
أين المفر والإله الطالب
…
والأشرم المغلوب ليس الغالب (1)
وقال طالب بن أبي طالب بن عبد المطلب:
فلولا دفاع الله لا شيء غيره
…
لأصبحتمو لا تمنعون لكم سربًا (2)
وقال رجل لما جاء بإبله إلى صنم اسمه (سعد) طلبًا للبركة فنفرت إبله:
أتينا إلى سعد ليجمع شملنا
…
فشتتنا سعد فلا نحن من سعد
وما سعد إلا صخرة في تَنُوفةٍ
…
من الأرض لا تدعو لغيٍّ ولا رُشْد (3)
وأخذ حجرًا ورماه. وقال: لا بارك الله فيك (4) وذكر ابن هشام خطبة وفد تميم على الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلموا وأولها: (الحمد لله الذي له علينا الفضل والمن، وهو أهله الذي جعلنا ملوكًا ووهب لنا أموالاً عظامًا نفعل فيها المعروف. وجعلنا أعزّ أهل المشرق، وأكثره
(1) السيرة لابن هشام (1/ 53). ') ">
(2)
السيرة لابن هشام (1/ 59). ') ">
(3)
السيرة لابن هشام (181/). ') ">
(4)
السيرة لابن هشام (1/ 81)، والروض الأنف (1/ 168). ') ">
عددًا وأيسره عدة) إلى آخر الخطبة
وأما قول بعض المتأخرين المنافحين عن الشرك: " إن المشركين كانوا يقولون ذلك من باب الكذب والنفاق وهروبًا من الحجة وأن قلوبهم تأبى ذلك وتنكره "(1) فهذا قول باطل ومخالف لواقع المشركين، وتنقضه الأدلة السابقة.
ثم إن الله سبحانه وتعالى لما ذكر جوابهم واعترافهم بالربوبية لم يُكذّبهم في دعواهم، ولو كانوا كاذبين أخبر يكذّبهم، كما أخبر تعالى بكذب المنافقين:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} .
(1) قال ذلك عدد من المجادلين عن الشرك مثل (محمد علوي مالكي في كتابه مفاهيم يجب أن تصحح ص 26، وعيسى الحميري، كما في كتابه تصحيح المفاهيم العقدية في الصفات الإلهية ص 287. ومن العجب أن يذكر قوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)، ثم يقول ص 289:" نزلت في المشركين بالله ربوبية وألوهية وإن اعترفوا بوجود الخالق للسماوات والأرض "، وهذا إقرار منه بصدق اعترافهم بوجود الخالق وهذا هو الإقرار بالربوبية وهذا من التناقض، والله المستعان.
وكما في قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} . ثم إن هذا تكرر منهم في مواضع كثيرة متفرقة، ولا يمكن أن يحكي عنهم الكذب الذي يكذبون دون أن يبينه. وقد تقدم من كلام الله جل وعلا ومن كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومن كلام أهل العلم وأئمة المفسرين ما يبطل هذه الشبهة.