الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمر الله به، لما وراء ذلك من مصالح خاصة في مثل هذا الزمان الذي ضعف فيه الوازع الديني، وكثر الفسّاق بأعمالهم المشينة.
فالمرأة تؤجر – إن شاء الله – بنيتها الصادقة في ذلك، ويعظم الأجر كلما أرادت بحسن العمل وجه الله سبحانه، والقدوة الصالحة، في رغبتها المساهمة في عدم إثارة العواطف، لتضرب النموذج الحسن بعزمها وثباتها، ومن تَرَكَ شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه.
- وفي
سورة الأحزاب
جاءت آيات الحجاب بالعزيمة، فكان من غيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونساء المؤمنين أن كان يسأل الله أن ينزل في الحجاب حكم من الله، فأنزل الله سبحانه آية الحجاب من سورة الأحزاب، التي قال فيها ابن كثير رحمه الله، عندما مر بالآية 53 من سورة الأحزاب: هذه آية الحجاب وفيها أحكام شرعية، وهي مما وافق تنزيلها قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كما ثبت ذلك في الصحيحين عنه أنه قال: «وافقت ربي عز وجل في ثلاث: قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله، {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، وقلت: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهنّ البرّ والفاجر فلو حجبتهنّ، فأنزل الله آية الحجاب، وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما تمالأن عليه في الغيرة،
{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} ، فنزلت».
وكان نزول آية الحجاب في صبيحة عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، بزينب بنت جحش، التي تولى الله عز وجل بنفسه تزويجها للنبي صلى الله عليه وسلم:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} ، وكان ذلك في ذي القعدة السنة الخامسة من الهجرة.
ثم ذكر قصة القوم الذين دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للطعام فتثاقلوا في بيته عليه الصلاة والسلام، بعد تناولهم له يتحدثون، فآذى عملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، فنزلت آية الحجاب:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} .
- وسورة الأحزاب فيها أحكام وآداب متعددة للمرأة والرجل، على حد سواء وطهارة للقلوب، عن الميل للشهوات وحفظ للنساء، وصيانة للأعراض، وبعد عن مواطن الشبهات.
فما أطلق فهو للجميع وما انفردت به المرأة: كالحجاب والاحتشام، والبعد عن مسارب الريبة فهو من خصائصهنّ، وتأديب للرجال وهو بارز في هذه السورة.
- والخطاب جاء موجهًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يبلغ أمرًا جازمًا وعامًّا للنساء، يقول جل وعلا:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} .
فسارعت نساء الصحابة في مساء يومهنّ بالتنفيذ، وفي هذا رد على أصحاب الشبهات من حيث قولهم: بأن الحجاب خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، لكنّهم غفلوا أو تغافلوا عن تكملة الآية، وماذا تعنيه واو العطف، في اللغة العربية .. التي تفيد التتابع في الحكم: لبنات الرسول، ونساء المؤمنين.
إذ أمر نبيه: أن يأمر كلاًّ من نسائه وبناته، ونساء المؤمنين، فالأمر للجميع بهذا الحكم، فاستجابت نساء المؤمنين بالتنفيذ، بعد تبليغهن من الرجال عن الحكم .. فصلين الفجر في مسجد رسول الله، منفّذات للحكم مع سرعة الاستجابة، لا يعرفهن أحد كما قالت عائشة رضي الله عنها، ولم يوجد في الآية أو غيرها صارف، والجلباب – كما مرّ-: هو ما تضعه المرأة على رأسها من كساء وغيره ليستر شعرها، والإدناء كما قال اللغويون: لا يتم إلا من جره إلى الأمام، فإذا جُرّ من الأمام ستر الوجه والنحر؛ لأن هذا الموضع هو مجمع المحاسن من المرأة
قال ابن كثير رحمه الله – في تفسيره: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} ، والخمر: جمع خمار وهو ما يخمر به الرأس، وهي التي تسميها الناس المقانع، قال سعيد بن جبير:{وَلْيَضْرِبْنَ} : وليشددن {بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} : يعني على النحر والصدر فلا يرى منه شيء، والجيب الفتحة في الثوب بالمقدمة، ولا ينستر الجيب إلا بعد ستر الوجه.
- قالت عائشة رضي الله عنها: إني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشد تصديقًا لكتاب الله، ولا إيمانًا بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} : فانقلب رجالهن إليهنّ، يتلون ما أنزل الله فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته، وعلى كل ذي قرابته فما منهن، امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل فاعتجرت به، تصديقًا وإيمانًا بما أنزل الله، من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان (1)(2) ولا يوجد دليل على أن الوجه ليس من الرأس، قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، قال ابن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن، من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينًا واحدة، وبهذا الرأي أخذ ابن سيرين، وعبيدة السلماني (3)
(1) تفسير ابن كثير مرجع سابق (3/ 284).
(2)
تفسير ابن كثير مرجع سابق (3/ 284). ') ">
(3)
حراسة الحجاب لسماحته الطبعة الأولى دار ابن الأثير 1416 هـ، (ص 31، 32)، وسوف نورد حديثه كاملًا في هذا البحث بترجيحاته رحمه الله.
ويقول ابن الجوزي في تفسيره قال الإمام أحمد: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الزينة الظاهرة: الثياب، وكل شيء منها عورة حتى الظفر، ويفيد هذا تحريم النظر إلى شيء من الأجنبيات لغير عذر، فإن كان لعذر، مثل أن يريد أن يتزوجها، أو يشهد عليها فإنه ينظر في الحالين إلى وجهها خاصة، فأما النظر إليها لغير ذلك لا لشهوة ولا لغيرها، وسواء في ذلك الوجه والكفان وغيرهما من البدن، وعلق في الحاشية الناشر: زهير شاويش بقوه: وقال غيره: الوجه والكفان ليسا بعورة، فيجوز للمرأة أن تظهرهما، وهذا مقيد بما إذا لم يكن على الوجه والكفين شيء من الزينة، أما ما يصنعه النساء في زماننا من الأصباغ، على وجوههن وأكفهن بقصد التجميل، ويظهرن به أمام الرجال في الطرقات، فلا شك في تحريمه، عند جميع الأئمة، وعند من يجيز كشف الوجه واليدين، فإن معناه: إذا أمنت الفتنة (1)
وقد جاء في حديث أم سليم، وكان عندها يتيمة فرآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«أنتِ هيه فقد كبرتِ، لا كبر سنّكِ أو قرنكِ، فرجعت إلى أم سليم تبكي، فأخبرتها بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت أم سليم مستعجلة تلوث خمارها» (2)، وجاء في المعنى إذا لاثت المرأة خمارها: إذا شدته
(1) زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي نشر المكتب الإسلامي بيروت عام 1404 هـ الجزء (6/ 31، 32). ') ">
(2)
صحيح مسلم البر والصلة والآداب (4712).
على وجهها وفي هذا دلالة على أنها غطت وجهها ونحرها، في مخالفة لما عليه النساء في الجاهلية، هذا من جانب: وإن من فطرة الله التي فطر المسلمات عليها، أنها إذا فاجأها رجل أو رجال تسعى جاهدة لتغطية وجهها، بأي شيء حولها فإن لم تجد سترته بيديها وإن كان حولها جدار استترت به واحتجبت.
وما سرّ السماح للخاطب: أن ينظر إلى وجه مخطوبته ويديها، إلاّ لأنها: عنوان عن المرأة: صحة وجمالاً لما للنظرة من إحساس عميق، يتحول إلى القلب: رغبة أو نفورًا، حتى إن كثيرًا من العلماء: لا يجيزون للخاطب إذا نظر إلى امرأة فلم تعجبه وصرف النظر عنها أن يخبر برأيه، وماذا رأى وسبب العزوف، حتى لا يؤثر ذلك بانصراف الناس عنها، ولأن نظرته أمانة، يجب المحافظة عليها، كما أكد الله سبحانه في آخر سورة الأحزاب.
- وفي رأي ابن كثير رحمه الله في السؤال من وراء حجاب، في قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} ، قال: أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن، كذلك لا تنظروا إليهنّ بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهنّ، فلا ينظر إليهن ولا