المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أسنان الذهب للنساء والرجال) - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٨٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ أسنان الذهب للنساء والرجال)

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله مفتي عام المملكة العربية السعودية

- ‌حكم صرف الزكاة لبناء المساجد

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخمفتي عام المملكة العربية السعودية

- ‌من فتاوىاللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌من الفتوى رقم 893

- ‌من الفتوى رقم 949

- ‌البحوث

- ‌المبحث الأولأحوال العرب الدينية قبل البعثة وبداية ظهور الشرك

- ‌المطلب الأول: العرب كانوا على شريعة إبراهيم عليه السلام قبل ظهور عمرو بن لحي الخزاعي

- ‌المطلب الثاني: ابتداء عبادة الأصنام عند العرب:

- ‌المطلب الثالث: مظاهر الشرك عند العرب قبل البعثة

- ‌أولاً: عبادة الأصنام:

- ‌ثانيًا: عبادة الملائكة والجن:

- ‌ثالثًا: عبادة الكواكب والشمس والقمر:

- ‌رابعًا: عبادة النار:

- ‌خامسًا: عبادة الشجر:

- ‌سادسًا: من العرب من كان على دين اليهود والنصارى:

- ‌المبحث الثانيدلالات الآيات القرآنية في بيان معنى إيمان المشركين وشركهم في الآية

- ‌المطلب الثاني: المشركون يدعون الله في الشدة ويشركون به في الرخاء:

- ‌المطلب الرابع: المشركون يؤمنون ويقرون بأن الله هو رب العالمين ومع ذلك يتخذون الأنداد:

- ‌المطلب السابع: المشركون يحتجون بقضاء الله وقدره على شركهم وأفعالهم القبيحة:

- ‌المبحث الثالثدلالات الأحاديث في بيان حال المشركين وإقرارهم بالربوبية

- ‌مطلب في ذكر أخبار وأشعار في الجاهلية تدل على إقرارهم بالربوبية:

- ‌المبحث الرابعذكر كلام المفسرين وأهل العلم في بيان معنى إيمان المشركينوشركهم في قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}

- ‌المبحث الخامستقريرات أئمة الإسلام والسنة في بيان إقرار المشركين بالربوبية وشركهم في الألوهية

- ‌المطلب الثاني: تقريرات علماء السنة في بيان خطأ المتكلمين في هذه المسألة، وأسباب خفاء ذلك عليهم:

- ‌المبحث السادسعدم الاغترار بالكثرة وعدم الزهد في القلة

- ‌الخاتمة

- ‌القنوط من رحمة اللهأسبابه – مظاهره – علاجه في ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأول: تعريف القنوط

- ‌المطلب الأول: تعريف القنوط في اللغة:

- ‌المطلب الثاني: المراد بالقنوط من رحمة الله:

- ‌المطلب الثالث: الفرق بين اليأس والقنوط:

- ‌المبحث الثانيالتحذير من القنوط من رحمة الله في القرآن الكريم والسنة النبوية

- ‌المطلب الأول: التحذير من القنوط من رحمة الله في القرآن الكريم:

- ‌المطلب الثاني: التحذير من القنوط في السنة النبوية:

- ‌المبحث الثالثوسطية أهل السنة والجماعة في باب الخوف والرجاء

- ‌المبحث الرابع: أسباب القنوط من رحمة الله تعالى

- ‌المبحث الخامسمظاهر القنوط من رحمة الله سبحانه وتعالى

- ‌المبحث السادس: علاج القنوط من رحمة الله سبحانه وتعالى

- ‌الخاتمة

- ‌الوسائل الواقية من الوقوع في الفاحشة في ضوء سورة النور

- ‌مُقَدِّمة

- ‌التمهيد:

- ‌ اسم السورة وعدد آياتها

- ‌ نوع السورة ومناسبتها لما قبلها:

- ‌ مقصد السورة وأبرز موضوعاتها:

- ‌الوسيلة الأولى: تطهير الزناة والزواني بعقوبة حد الزنى:

- ‌الوسيلة الثانية: التطهر باجتناب نكاح الزواني وإنكاح الزناة:

- ‌الوسيلة الثالثة: تطهير الألسنة عن رمي المؤمنين بفاحشة الزنى:

- ‌الوسيلة الرابعة: تطهير لسان الزوج عن رمي زوجته بالزنى من غير بينة:

- ‌الوسيلة الخامسة: تطهير النفوس عن ظن السوء بالمؤمنين بفعل الفاحشة:

- ‌الوسيلة السادسة: تطهير الإرادة عن محبة إشاعة الفاحشة في المؤمنين:

- ‌الوسيلة السابعة: تطهير النفوس من الوساوس والخطرات التي توقع في الفاحشة:

- ‌الوسيلة الثامنة: مشروعية الاستئذان عند إرادة دخول البيوت:

- ‌الوسيلة التاسعة: وجوب غض البصر عن النظر المحرم:

- ‌الوسيلة العاشرة: وجوب حفظ الفروج عن المحرم:

- ‌الوسيلة الحادية عشرة: تحريم إبداء المرأة زينتها للأجانب:

- ‌الوسيلة الثانية عشرة: منع ما يحرك الرجل ويثيره:

- ‌الوسيلة الثالثة عشرة: الحض على النكاح:

- ‌الوسيلة الرابعة عشرة: الأمر بالاستعفاف لمن لا يجد النكاح:

- ‌الوسيلة الخامسة عشرة: النهي عن البغاء:

- ‌الخاتمة

- ‌مكانة المرأة في الإسلام

- ‌من أساليب الحملات ضد المرأة:

- ‌النصوص الشرعية في الحجاب:

- ‌سورة النور:

- ‌ سورة الأحزاب

- ‌الاحتشام تقتضيه الفطرة:

- ‌حجاب المرأة في وجهها:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ أسنان الذهب للنساء والرجال)

من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية رحمه الله

(1020 تلبيس أسنان الرجال بالذهب للتجميل)

وأما "المسألة الثالثة" وهي سؤالكم عن أسنان الذهب للرجال؟

فجوابها: أن الذهب حرام على الرجال إلا ما استثني، وقد استثنى العلماء من هذا رباط الأسنان بالذهب. وأنف الذهب، ونحو ذلك بما تدعو إليه الضرورة، بخلاف ما يقصد به المباهاة والفخر والزينة ونحوها كتلبيس الأسنان بالذهب للتجميل، وقد روى أبو داود وغيره:«أن عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفًا من فضة فأنتن، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفًا من ذهب» (1) وروي عن موسى بن طلحة وأبي رافع وثابت البناني وغيرهم أنهم شدوا أسنانهم بالذهب.

(ص – ف 1286 في 8 – 10 – 1379هـ)

(1) سنن النسائي الزينة (5161)، سنن أبو داود الخاتم (4232).

ص: 43

(1021 –‌

‌ أسنان الذهب للنساء والرجال)

لا أعرف وجهًا لجواز أسنان الذهب للرجال والنساء، أو يقلع أسنانه ويبدلها. هذا لا يجوز فيما نعرف. والنساء أخف. (تقرير).

ص: 43

(1022 - النظارة، والساعة، والسوار المذهبة والمفضضة والسترة والبنطلون)

بسم الله الرحمن الرحيم

السؤال الأول: هل يجوز للرجال والنساء لبس النظارة والخاتم والسوار والسلسلة والساعة أو غيرها من الذهب أو الفضة أو النحاس أو من الحديد أو غيره، أم لا؟.

السؤال الثاني: هل يجوز لإنسان أن يعتقد أو يصدق أو يتشاءم أو يتوهم أن يصيبه ضرر كمرض أو غيره من الأعداد أو من السنين أو من الشهور أو من الأيام أو من الأوقات أو من قراءة سورة أو آية أو من قراءة ورد أو من قراءة فائدة أو من دخول بيت أو من لبس ثوب أو من غيره، أم لا؟.

السؤال الثالث: ما هي أسماء الكتب الشرعية الدينية الإسلامية الصحيحة المعتمدة النافعة المفيدة السهلة التي يجوز اقتناؤها والعمل بها في العقائد والعبادات والمعاملات وغيرها؟ (1) فأجاب سماحة المفتي وفقه الله بما نصه: الحمد لله. النظارة تارة تكون مفضضة، وتارة تكون مذهبة، وتارة تكون مجردة من ذلك، وتارة تكون مذهبة

(1) هذه "الفتوى اللاذقية" وهي جواب عن ثلاث مسائل تقدمت الثانية في توحيد الإلهية، وهذه المسألة الأولى ويأتي الجواب عن السؤال الثالث آخر الكتاب. موجهة إلى حضرة صاحب السماحة الشيخ محمد بن إبراهيم من ع. إ. ل. طبعت عام 1375 هـ في مطابع الرياض.

ص: 44

مفضضة. فالجميع جائز الاستعمال للرجال والنساء، عدا المذهبة كثيرًا فإنها ممنوعة للرجال فقط محرمة. والدليل ما رواه أحمد في مسنده والنسائي والترمذي وصححه عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها» (1) وعن معاوية رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الذهب إلا مقطعًا» (2) إسناده جيد. رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وعن علي رضي الله عنه قال:«نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب وعن لباس القسي والمعصفر» (3) رواه مسلم.

والدليل على إباحة المفضضة ما رواه أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبًا» (4) وفي رواية: «كيف شئتم» (5) وقال الشيخ تقي الدين: لم يدل الدليل على تحريم لبس الفضة فليس فيها نص في التحريم؛ بخلاف الذهب والحرير (6)

وأما الخاتم ذهبًا كان أو فضة أو حديدا أو نحاسًا أو رصاصًا فلا يحرم مطلقًا عدا خاتم الذهب فتحريمه على الرجال ظاهر، وقد حكي الإجماع على ذلك. وأدلة تحريم خاتم الذهب على الرجال معروفة كما تقدم.

أما "خاتم الحديد، والصفر، والنحاس" فقد صرح بعض العلماء

(1) سنن الترمذي اللِّبَاسِ (1720)، سنن النسائي الزِّينَةِ (5148)، مسند أحمد (4/ 392).

(2)

سنن النسائي الزينة (5150)، سنن أبو داود المناسك (1794)، مسند أحمد مسند الشاميين (16391).

(3)

صحيح مسلم اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ (2078)، سنن الترمذي الصَّلَاةِ (264)، سنن النسائي التَّطْبِيقِ (1042)، سنن أبي داود اللِّبَاسِ (4044)، سنن ابن ماجه اللِّبَاسِ (3602)، مسند أحمد (1/ 92)، موطأ مالك النِّداءِ لِلصّلاةِ (177).

(4)

سنن أبي داود ما جاء في الذهب للنساء (4236)، مسند أحمد باقي مسند المكثرين (8211).

(5)

سنن أبي داود الأدب (4928)

(6)

انظر (جـ 25)(ص 63 – 65)، من مجموع فتاوي ابن تيمية.

ص: 45

بكراهيته، وقد سأل الأثرم أحمد عن خاتم الحديد ما ترى فيه فذكر حديث عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«هذه حلية أهل النار» (1). وابن مسعود رضي الله عنه قال: لبسة أهل النار. وابن عمر رضي الله عنهما قال: ما طهرت كف فيها خاتم حديد. وقال بعض العلماء بإباحة خاتم الحديد، بدليل ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل:«التمس ولو خاتمًا من حديد» (2) وهذا أصح من الأحاديث المتقدمة الدالة على الكراهة.

وأما "الساعة" فحكمها حكم النظارة، وتقدم الكلام عليها فارجع إليه وأما "السوار" فإما أن يكون من ذهب أو غيره، وعلى كل حال هو مباح للنساء مطلقًا. وأما الرجال فغير مباح لهم مطلقًا، فما كان من ذهب فمنعه لعلتين: إحداهما كونه ذهبًا، والثانية ما فيه من التشبه بالنساء. وإن كان من غير ذهب فعلة المنع فيه التشبه بالنساء.

وقد صرح العلماء بأنه يحرم تشبه رجل بأنثى في لباس وغيره وبالعكس. والمرجع فيما هو من خصائص الرجال والنساء في اللباس إلى عرف البلد، وذكره في التلخيص؛ لحديث «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال» (3) رواه البخاري. «ولعن أيضًا الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل» (4) إسناده صحيح رواه أحمد وأبو داود.

وأما " لبس السلسلة " التي يلبسها أهل التأنث، فإن كانت ذهبًا أو

(1) مسند أحمد (2/ 163).

(2)

صحيح البخاري النكاح (5135)، صحيح مسلم النكاح (1425)، سنن الترمذي النكاح (1114)، سنن النسائي النكاح (3359)، سنن أبو داود النكاح (2111)، سنن ابن ماجه النكاح (1889)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 336)، موطأ مالك النكاح (1118)، سنن الدارمي النكاح (2201).

(3)

صحيح البخاري اللباس (5886)، سنن الترمذي الأدب (2784)، سنن أبو داود الأدب (4930)، سنن ابن ماجه النكاح (1904)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 227)، سنن الدارمي الاستئذان (2649).

(4)

سنن أبو داود اللباس (4098)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 325).

ص: 46

فضة فقد تقدم الكلام على حكم لبس الرجل الذهب والفضة، وإن كانت غير ذلك ولبسها تأنيثًا وتشبها بالنساء فحرمته أيضًا بعلة التأنيث؛ إذا التخنث ومشابهة النساء في أزيائهن وحركاتهن حرام، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخنثين من الرجال والمترجلات من النساء» (1). وفي رواية: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال» (2) رواه البخاري. واللعن يدل على أنه من الكبائر. والحكمة في النهي إخراج الشيء عن صفته التي وضعه عليها أحكم الحكماء. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال هذا؟ فقيل يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى البقيع فقيل يا رسول الله ألا تقتله؟ فقال: «إني نهيت عن قتل المصلين» (3) قال العلماء: المخنث من يشبه النساء في حركاته وكلماته. وقال المنذري: المخنث بفتح النون وكسرها من فيه انخناث وهو التكسر والتثني كما يفعله النساء، لا الذي يفعل الفاحشة الكبرى. وقال في "الفتح" قال الطبري: لا يجوز للرجال التشبه بالنساء وبالعكس. قلت: وكذا في الكلام والمشي. فأما هيئة اللباس فمختلف باختلاف عادة كل بلد فرب قوم لا يفترق زي نسائهم عن رجالهم في اللبس؛ لكن يمتاز النساء بالاحتجاب

(1) صحيح البخاري الْحُدُودِ (6834)، سنن الترمذي الْأَدَبِ (2785)، سنن أبي داود الْأَدَبِ (4930)، سنن ابن ماجه النِّكَاحِ (1904)، مسند أحمد (1/ 365)، سنن الدارمي الِاسْتِئْذَانِ (2649).

(2)

صحيح البخاري اللباس (5886)، سنن الترمذي الأدب (2784)، سنن أبو داود الأدب (4930)، سنن ابن ماجه النكاح (1904)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 227)، سنن الدارمي الاستئذان (2649).

(3)

سنن أبو داود الأدب (4928).

ص: 47

والاستتار. وأما ذم التشبه بالكلام والمشي فمختص بمن يتعمد ذلك. وأما من كان ذلك من أصل خلقته فإنما يؤمر بتكلف تركه والإدمان على ذلك بالتدرج. فإن لم يفعل وتمادى دخل في الذم ولا سيما إن بدا منه ما يدل على الرضا به. وأخذه واضح من لفظ "المتشبهين" أهـ.

وعلل بعض العلماء تحريم لبس الحرير على الرجال لما يورثه بملامسته للبدن من الأنوثة والتخنث وضد الشهامة والرجولة؛ فإن لبسه يكسب القلب صفة من صفات الإناث؛ ولهذا لا تجد من يلبسه في الأكثر إلا ويظهر على شمائله من التخنث والتأنث والرخاوة ما لا يخفى حتى ولو كان من أشهم الناس وأكبرهم فحولية ورجولة فلا بد أن ينقصه الحرير منها وإن لم يذهبها مرة. ولهذا كان أصح القولين أنه يحرم على الولي إلباسه الصبي لما ينشأ عليه من صفات أهل التأنث، فلبس الحرير يليق بالنساء، فإن من طبعهن اللين والنعومة والتحلي. قال الله سبحانه:{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} ويروى: تمعددوا، واخشوشنوا. لأن الرجال من طبعهم الخشونة والشهامة والرجولية، وهذا الذي ينبغي ويليق به ويتناسب مع أخلاقه. وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عن كثير من الإرفاه ويأمرنا أن نحتفي أحيانًا» (1) رواه أبو داود.

(1) سنن النسائي الزينة (5058)، سنن أبو داود الترجل (4160)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 22).

ص: 48

وفيما تقدم أعظم دليل على تحريم التخنث، وأنه من كبير الذنوب، وفيها أعظم تنفير منه ومن وسائله وأسبابه، وذلك لعظم ضرره؛ إذ هو يفقد الإنسان نفسه ومعنويته وأخلاقه، فهو من أعظم الأمراض، فلعظم ضرره صرحت الأحاديث بلعن المخنثين والأمر بنفيهم وإبعادهم، تفاديًا من سريان مرضهم. إذ هم خطر على المجتمع الإنساني.

وأما "البرنيطة" فلا يجوز لبسها لأنها من ألبسة الكفار وزيهم الخاص، ففي لبسها تشبه بهم والتشبه بالكفار محرم، والأدلة على ذلك كثيرة منها ما رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ومن تشبه بقوم فهو منهم» (1) قال الإمام أحمد: إسناده جيد. قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: فأقل أحوال هذا الحديث أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبهين بهم، كما قال سبحانه وتعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ولا تشبهوا بالمجوس» (2) رواه مسلم.

وحديث «خالف هدينا هدي المشركين» . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللحد لنا والشق لغيرنا» (3) رواه أهل السنن، وروى البخاري في صحيحه أن عمر كتب

(1) مسند أحمد بن حنبل (2/ 92).

(2)

صحيح مسلم الطهارة (260)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 366).

(3)

سنن الترمذي الجنائز (1045)، سنن النسائي الجنائز (2009)، سنن أبو داود الجنائز (3208)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1554).

ص: 49

إلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس: «إياكم وزي أهل الشرك» . ويروى أن حذيفة بن اليمان رضي لله عنهما دعي إلى وليمة فرأى شيئًا من زي العجم فخرج وقال: من تشبه بقوم فهو منهم رواه الخلال. وروى الإمام أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده» (1). وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من تشبه بغيرنا» (2) رواه الترمذي.

قال الشيخ تقي الدين: وهذا وإن كان فيه ضعف فهو يصلح للاعتضاد، وبكل حال فهو يقتضي تحريم التشبه بهم لعلة كونه تشبهًا، والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه وهو نادر ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذًا عن ذلك الغير. فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضًا ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه ففي كون هذا تشبهًا نظر، لكي ينهى عنه لئلا يكون ذريعة إلى التشبه، ولما فيه من المخالفة، مع أن قوله:«غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود» (3) دليل على أن التشبه بهم يحصل بغير قصد منا ولا فعل؛ بل بمجرد ترك تغيير ما خلق فينا، وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية.

قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله: وأمر بمخالفتهم في

(1) مسند أحمد ومن مسند بني هاشم (1/ 264)

(2)

سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2695).

(3)

صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3462)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2103)، سنن الترمذي اللباس (1752)، سنن النسائي الزينة (5071)، سنن أبو داود الترجل (4203)، سنن ابن ماجه اللباس (3621)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 309).

ص: 50

الهدي الظاهر لأمور منها: أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبًا وتشاكلاً بين المتشابهين يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال وهذا أمر محسوس، فإن اللابس لثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم ومنها: أن المخالفة في الهدي الظاهر تورث مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال والانعطاف إلى الهوى، وكلَّما كان القلب أتم حياة كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطنًا وظاهرًا أتم، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد. ومنها: أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توج الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز ظاهرًا بين المهديين والمغضوب عليهم. إلى غير ذلك من الأسباب الحكمية.

هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحًا محضًا لو تجرد عن مشابهتهم. فأما ما كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع ضلالهم ومعاصيهم. فهذا أصل ينبغي التفطن له. أهـ.

وهذه "المسألة": أي مسألة تحريم تشبه المسلم بالكافر أدلتها ظاهرة جلية، وقد صنفت المصنفات الكثيرة في خصوص هذه المسألة وفروعها وأدلتها، وذكر الأسباب والعلل التي منع من أجلها التشبه بهم؛ ولا شك أن الدين الإسلامي هو الدين الكامل التام الذي جاء بأحسن الأخلاق وأرقى النظم والتعليمات، فلم تعد حاجة معه

ص: 51

إلى غيره. فما قرع الأسماع من لدن ذرأ الله البشر دين أكمل منه ولا أتم فكل ما دعا إليه من أخلاق ومعاملات فهي النهاية في الحسن والكمال والعدل {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} .

ولتمامه وكماله وملاءمته لكل زمان ومكان وعدم حاجة البشر معه إلى غيره نسخت شريعته سائر الشرائع، فهو الدين الباقي الخالد إلى أوان خراب هذا العالم وانتهاء أمده وقيام الساعة.

إن الأمة التي اعتنقته وعملت بجميع تعاليمه وطبقته تطبيقًا تامًا في أقوالها وأفعالها واعتقاداتها سعدت أكمل سعادة، ورقت أعلى رتبة في المجد، ووصلت إلى جميع ما تصبو إليه، وانتصرت انتصارًا باهرًا بلغ حدود المعجزات: أقر التاريخ أنهم مع قلة عددهم وعدتهم ملكوا الدنيا في ربع قرن مع كثرة عدوهم ووفرة ما لديه من عدد وعدة وهذا مصداق قوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} .

وبالاطلاع على التاريخ نجد أنه بحسب تمسك الأمة بالدين الإسلامي وتطبيقه يكون انتصارها، وبحسب إعراضها وتساهلها بالدين يكون ضعفها وانهيارها. فانظر حالة المسلمين في زمن الخلافة والدولة الأموية والعباسية وزمن نور الدين الشهيد وصلاح الدين الأيوبي، ثم حالة المسلمين بعد ذلك حين ما تساهلوا بالدين

ص: 52

وضعف تمسكهم به إلى ما وصلوا إليه من ذل واستعباد {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} .

وهذا مصداق قوله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} وورد في بعض الآثار: «إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني» . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله: أدخل الله عليهم ذلا لا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم» (1) أخرجه الحاكم والطبراني والبيهقي بإسناد حسن.

واعلم أن التشبه بالكفار يكون بمجرد عمل ما يعملون، قصد المشابهة، أولا. قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله: وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها معللا ذلك النهي " بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار"(2) ومعلوم أن المؤمن لا يقصد السجود

(1) سنن أبو داود البيوع (3462)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 84).

(2)

أخرج الإمام مالك في الموطأ والنسائي عن عبد الله الصنابحي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها، ونهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات " وأخرجه البخاري ومسلم بمعناه.

ص: 53

إلا الله، وأكثر الناس لا يعلمون أن طلوعها وغروبها بين قرني شيطان ولا أن الكفار يسجدون لها، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في ذلك حسمًا لمادة المشابهة من كل طريق.

ولنذكر بعض أمور ارتكبها بعض المسلمين واستحسنوها واعتادوها وهي من زي الكفار وعاداتهم:

فمن ذلك: حلق اللحى، وإعفاء الشارب. ولا شك في قبح ذلك وتحريمه، وإنما يستحسنه منكوس القلب، فاسد الفطرة، قليل المبالاة بأوامر الدين ونواهيه، وهذا من تسويل الشيطان وتحسينه القبيح {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} . والأدلة كما قلنا قد صرحت بتحريم ذلك بعلة أنه تشبه باليهود والمجوس، فمن فعل ذلك فقد اختار زي اليهود والمجوس على زي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم. وقد ذكر ابن حزم:

أن إعفاء اللحى وقص الشارب فرض، فعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا:«خالفوا المشركين، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب» (1) متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى، ولا تشبهوا بالمجوس» (2)، وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لم

(1) صحيح البخاري اللباس (5892)، صحيح مسلم الطهارة (259)، سنن الترمذي الأدب (2764)، سنن النسائي الطهارة (12)، سنن أبو داود الترجل (4199)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 118).

(2)

صحيح البخاري اللباس (5893)، صحيح مسلم الطهارة (259)، سنن الترمذي الأدب (2763)، سنن النسائي الطهارة (15)، سنن أبو داود الترجل (4199)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 16)، موطأ مالك الجامع (1764).

ص: 54

يأخذ من شاربه فليس منا» (1) رواه ابن ماجه.

ومن ذلك أيضًا حلق بعض الرأس وترك بعضه، وما يفعله بعض السفلة مما يسمونه "التواليت" فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عن القزع، وقال احلقه كله أو دعه كله» (2) رواه أبو داود. وقال في "شرح الإقناع": فيدخل في القزع حلق مواضع من جوانب الرأس، وأن يحلق وسطه ويترك جوانبه كما تفعله شمامسة النصارى، وحلق جوانبه وترك وسطه كما يفعله كثير من السفلة، وأن يحلق مقدمه ويترك مؤخره. وسئل أحمد عن حلق القفا. فقال: هو من فعل المجوس، ومن تشبه بقوم فهو منهم، وقال: لا بأس أن يحلق في الحجامة.

ومن ذلك استعمال الآلات التي تحمل الصليب لما فيه من التشبه بالنصارى، وكذلك الملابس التي رقم عليها الصليب فقد صرحت الأحاديث بالنهي عن ذلك، فروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يترك شيئًا في بيته فيه تصليب إلا قضبه» (3) قوله "قضبه" القضب القطع والتصليب ما كان على صورة الصليب، قال في الإنصاف بعد ذكر أنه يكره: ويحتمل تحريمه، وهو ظاهر نقل صالح. قلت: وهو الصواب. أهـ.

ومن ذلك شد الوسط بما يشبه الزنار أو ما يشبه شد الزنار، لما فيه من التشبه بأهل الكتاب. و"الزنار" خيط غليظ تشده النصارى

(1) سنن الترمذي الأدب (2761)، سنن النسائي الزينة (5047).

(2)

صحيح البخاري اللِّبَاسِ (5921)، صحيح مسلم اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ (2120)، سنن النسائي الزِّينَةِ (5050)، سنن أبي داود التَّرَجُّلِ (4194)، سنن ابن ماجه اللِّبَاسِ (3637، 3638)، مسند أحمد (2/ 154).

(3)

صحيح الخاري اللباس (5952)، سنن أبي داود اللِّبَاسِ (4151)، مسند أحمد (6/ 252).

ص: 55

على أوساطهم.

ومن ذلك اعتياد تعطيل وتغيير الزي في أعيادهم أو زياراتهم أو زيارة محل أعيادهم، والحال أنك تجد أكثر الناس في أيام أعياد الكفار يفعلون كل ما يفعله الكفار. وقد صرحت الأدلة بالنهي عن ذلك وتحريمه: قال الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} .

قال بعض المفسرين: أي أعياد الكفار. قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه الذي رواه أبو داود: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا لا. قال فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟» (1) وقال بعض السلف: من ذبح بطيخة يوم عيد الكفار فكأنما ذبح خنزيرًا. وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: أما إذا فعل المسلمون معهم في أعيادهم مثل صبغ البيض وتحمير دوابهم بمغرة وتوسيع النفقات فهذا أظهر من أن يحتاج إلى سؤال، فقد نص طائفة من العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك على كفر من فعل ذلك.

وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه قال: لا تعلموا رطانة العجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم. قال الشيخ: وهذا من باب التنبيه على المنع من أن يفعل كفعلهم. قال: وكذلك لا ندعهم يشاركوننا في عيدنا. يعني لاختصاص كل قوم بعيدهم.

(1) سنن أبو داود الأيمان والنذور (3313).

ص: 56

ومن المؤسف حقًا ما نراه من بعض الشباب من إقبالهم على مطالعة كتبهم ومجلاتهم، بل شوقهم إلى ذلك ولهفهم إليها بغاية التعطش، ولا شك أن هذه بادرة شر، وعنوان نحس، مؤذن بعاقبة سيئة وخيمة جديرة بوجوب الاهتمام بها، وحسمها قبل استفحالها. ولو فكر المسؤولون في عظم ضررها وخطرها على المجتمع وما تعمل في كيانه من تفكيك عراه وإشاعة الرعب فيه لتحتم منعها سياسة. وكم في هذه المجلات من دس على الأمة، وتحبيذ الانقلابات الضارة باسم يقظة الشعوب وحريتها. وهذا عدا ما فيها وما اشتملت عليه من إلحاد وزندقة وتشكيك في الدين، وما في بعضها من صور خليعة.

الشيء الذي أعتقد ويعتقد كل عاقل أنه لا يعود على الأمة منه إلا الشر، وقد جاء في الحديث «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى مع عمر بن الخطاب ورقة من التوراة فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم» (1) وذكر بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} الآية. أن رجلا من قريش كان يأتي بأخبار فارس والروم ويقرؤها على الناس، ويقول هذا خير

(1) وقال: **أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني**.

ص: 57

مما جاء به محمد. وقد صرح العلماء بوجوب إحراق كتب الزندقة والمبتدعة والملاحدة، فكيف بهذه الكتب التي كلها إلحاد وزندقة وتشكيك في الدين، فما رأيك في حالة هذا الشباب الأعزل الذي لم يتدرع بالسلاح، ولم يستعد للنضال، بل ذهنه فارغ وقلبه مقبل عليها غاية الإقبال، لا شك أنها ستكون سببًا لهلاكه وزيغه.

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى

فصادف قلبًا خاليًا فتمكنا

ولا شك أن من أقبل على تلك الترهات في صغره ومبدأ عمره وصارت هي ديدنه وهجيراه وسميره وألفتها نفسه وشغف بها قلبه أنه يصعب إزاحته عنها وإخراجها من قلبه. ولقد لاحظ الشارع صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: «اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم» (1) فالواجب أن يحمى هذا الشباب كما يحمى المريض، ويحجر عليه في أفهامهم وعقولهم، فكما أنه يحجز على الإنسان إذا فسد تصرفه في ماله فالحجر عليه إذا فسد تصرفه في دينه أولى. لأن الدين لا عوض له.

وأما لبس "السترة" والبنطلون، فإن كان ذلك من لباس الكفار وزيهم الخاص فهو ممنوع بعلة التشبه بهم، وقد تقدم الكلام على ذلك. وإن لم يكن من زيهم الخاص فلا بأس بذلك إذ الأصل في اللباس الإباحة، إلا ما ورد الدليل بالنهي عنه.

(1) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي عن سمرة رضي الله عنه.

ص: 58