الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوسائل الواقية من الوقوع في الفاحشة في ضوء سورة النور
لفضيلة الدكتور يوسف بن عبد العزيز الشبل (1)(2)
مُقَدِّمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أشرف عمل يقوم به المرء ما كان في خدمة القرآن الكريم، تعلُّما وتعليمًا، وتدبرًا وفهمًا، وبحثًا في علومه، واستنباطًا لأحكامه واستخراجًا لحكمه وأسراره، فهو بحر لا يدرك غوره، ولا تنفد درره، ولا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي معارفه.
وكلما تدبره المسلم وأمعن النظر فيه زاده ذلك إيمانًا ويقينًا، وسموًّا في أدبه وأخلاقه، وشوقًا ومحبة في قلبه، وفتح عليه من المعارف العلوم، والحكم والأحكام الشيء العظيم، ولا عجب، فهو منار الهداية والإصلاح، ومعين الآداب والأخلاق.
(1) الأستاذ المشارك بكلية أصول الدين – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
(2)
الأستاذ المشارك بكلية أصول الدين – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ') ">
ولقد اختصت سورة النور من بين سوره بمزيد من الآداب والأخلاق فرقت بالمسلم إلى كل فضيلة، وصانته من كل فاحشة ورزيلة.
ولما حرم الله عز وجل الزنى في قوله: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا} حرم كل وسيلة تفضي إليه، وأوصد كل منفذ يؤدي إليه، وقد عنيت سورة النور – وهي سورة الآداب الاجتماعية – بحفظ الجماعة المسلمة من نشوء أي رذيلة، وصونها من كل الفساد والانحلال، بل أرشدت إلى الوسائل التي تقي كلَّ مسلم ومسلمة من الوقوع في فاحشة الزنى.
ولأهمية هذا الأمر وخطورته في إغراق الأمة الإسلامية في شهواتها وانحلال أخلاقها، كان لزاما عليَّ أن أسهم في دفع هذا الشر وصون الأمة من هذه المخاطر ببيان ما أمر الله به من الحياء والعفاف، وما حذَّر من كل وسيلة تفضي إلى الفاحشة، فتوجهتُ مستعينًا بالله جل جلاله ببحث هذا الموضوع وتتبع ما ورد في سورة النور من الوسائل الواقية من الوقوع في الفاحشة فاستخرجت منها خمس عشرة وسيلة، ذكرت في النصف الأول من السورة.
أسباب اختيار الموضوع:
1 – تعلقه بكتاب الله عز وجل وتفسيره، وكفى به شرفًا وعلمًا.
2 – أن الكتابة في التفسير الموضوعي سواء كان ذلك من خلال موضوع في القرآن، أو من خلال موضوع في سورة معينة مما برز مؤخرًا خدمة لكتاب الله وإبرازًا لهداياته وكشفًا لأسراره، وقد جاءت هذه الدراسة في بيان الوسائل الواقية من الوقوع في الفاحشة في ضوء سورة النور.
3 – أن سورة النور تناولت جوانب مهمة في حياة المسلم حيث اشتملت على تعاليم وآداب تدعو إلى العفاف والطهر والحياء، وعلى ضمانات وتدابير تقي المسلم من كل رذيلة وفساد وانحلال، ولا جرم أننا بأمس الحاجة إلى معرفتها ودراستها والاستنارة بهداياتها وتوجيهاتها.
4 – أن فاحشة الزنى من أعظم الفواحش وأقبحها وأشدها خطرًا وضررًا على الأمة الإسلامية، ولما حرم الله الزنى حرم كل وسيلة تفضي إليه، فجاءت هذه الدراسة مستقصية مواطن كل وسيلة توقع في فاحشة الزنى، راصدة ما أورده الله تعالى في هذه السورة الجليلة، ثم دراستها دراسة تفسيرية، وتجلية ما فيها من هدايات وتوجيهات ربانية، وإبراز ما حوته من أوجه بلاغية وأسرار بديعية.
هذا وقد نالت سورة النور اهتمامًا كبيرًا من قبل أهل التفسير
قديمًا وحديثًا، فعنوا بتفسيرها وتجلية ما فيها من أحكام وآداب وتوجيهات وهدايات، دراسة عامة ضمن تفاسيرهم، ودراسة خاصة، مما يصعب حصرها وتعدادها في هذا المقام.
إلا أن هذه الدراسة قد جاءت لإبراز جانب من جوانبها لم يسبق البحث فيه فيما أعلم مع كون الحاجة إليه ماسة.
لهذا الأمر ولرغبتي في خدمة كتاب الله تعالى عمدت بعد استخارة واستشارة إلى الشروع في دراسة هذا الموضوع وجمع شتاته، إسهامًا في إبراز الهدايات القرآنية في مجال الأخلاق والفضائل، فاستعنت بالله فنظمت خطته في مقدمة وتمهيد وخمسة عشر مبحثًا (شملت خمس عشرة وسيلة)، وخاتمة.
المقدمة: وفيها أهمية البحث وسبب الكتابة فيه، والدراسات السابقة، وخطته، والمنهج المتبع.
التمهيد: وفيه تعريف بالسورة ويشمل:
(1)
اسم السورة وعدد آياتها.
(2)
نوع السورة ومناسبتها لما قبلها.
(3)
محور السورة وأبرز موضوعاتها.
الوسيلة الأولى: تطهير الزناة والزواني بعقوبة حد الزنى.
الوسيلة الثانية: التطهر باجتناب نكاح الزواني وإنكاح الزناة.
الوسيلة الثالثة: تطهير الألسنة عن رمي المؤمنين بفاحشة الزنى.
الوسيلة الرابعة: تطهير لسان الزوج عن رمي زوجته بالزنى من غير بينة.
الوسيلة الخامسة: تطهير النفوس عن ظن السوء بالمؤمنين بفعل الفاحشة.
الوسيلة السادسة: تطهير الإرادة عن محبة إشاعة الفاحشة في المؤمنين.
الوسيلة السابعة: تطهير النفوس من الوساوس والخطرات التي توقع في الفاحشة.
الوسيلة الثامنة: مشروعية الاستئذان عند إرادة دخول البيوت.
الوسيلة التاسعة: وجوب غض البصر عن النظر المحرم.
الوسيلة العاشرة: وجوب حفظ الفرج عن المحرم.
الوسيلة الحادية عشرة: تحريم إبداء المرأة زينتها للأجانب.
الوسيلة الثانية عشرة: منع ما يحرك الرجل ويثيره.
الوسيلة الثالثة عشرة: الحض على النكاح.
الوسيلة الرابعة عشرة: الأمر بالاستعفاف لمن لا يجد النكاح.
الوسيلة الخامسة عشرة: النهي عن البغاء.
الخاتمة، وفيها أهم نتائج البحث.
هذا وقد كان منهجي في دراسة هذا الموضوع على النحو التالي:
أولاً: أورد في كل مبحث الآية أو الآيات الدالة على الوسيلة
الواقية من الوقوع في الفاحشة، موضحًا وجه الدلالة من الآية، مؤيدًا ذلك بكلام المفسرين مع إبراز ما فيها من أسرار بلاغية ونكات بديعية.
ثانيًا: عزوت الآيات إلى سورها بذكر اسم السورة ورقم الآية.
ثالثًا: خرجت الأحاديث والآثار من مصادرها مع الحكم عليها.
رابعًا: عرفت بالأعلام غير المشهورين تعريفًا مختصرًا، يفي بالمقصود.
خامسًا: وثقت أقوال أهل العلم من مصادرها.
سادسًا: وضعت في آخر البحث فهرسًا للمصادر والمراجع، وآخر للموضوعات.
آمل أن أكون قد وفقت في الإسهام في خدمة كتاب الله، وفي إبراز شيء من هداياته، وأن أكون جمعت فيه ما تفرق وقربت منه ما بعد، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين