الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن خلال هذا التفصيل التشريعي تبين لنا مدى حرص الشريعة الإسلامية على سد الطرق المفضية إلى الفاحشة من النظر المحرم أو الخلوة المحرمة، وأنَّ على المرأة أن تحفظ نفسها من أن تقع أو توقع غيرها في الفاحشة وذلك بألاّ تبدي زينتها للأجانب فتخرج سافرة كاشفة عن محاسنها لتؤجج الشهوة وتثير الفتنة في كل إنسان حتى ينقلب المجتمع نارًا مصطلية متأججًا بالفجور والدعارة.
فلذلك كان من أقوى الوسائل الواقية من الوقوع في الفاحشة هو ارتداء الخمار الذي أمر به عز وجل وأن تضرب به على رأسها ووجهها ساترة لمحاسنها فإن ذلك من أقوى أسباب السلامة من الوقوع في الفاحشة والبعد عن الفساد والانحلال والفجور وهو أطهر للقلب وأبعد عن الريبة وأسلم من الشر، ومتى حافظت المؤمنة على حجابها والتزمت به كان ذلك سببًا واقيًا في صيانة المجتمعات المسلمة من المفاسد والفتن.
الوسيلة الثانية عشرة: منع ما يحرك الرجل ويثيره:
قال تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} ، لما نهى الله جل جلاله المؤمنات عن إبداء الزينة وأمر بضرب الخُمُر على الجيوب وألا يبرزن أمام الأجانب بزينتهن نهاهن عن إبداء ما تحت
الخُمُر مما يحرك أعصاب الرجال ويهيج شهواتهم ويلفت الأنظار عن طريق السمع أو الخيال، ويجعل من يسمع ذلك يسيء الظن بأنها من أهل الفسوق والفساد، وهذا كله يدعو إلى الفتنة والإغراء، وهو وسيلة إلى الوقوع في الفاحشة، فالآية تنهى عن كل ما من شأنه أن يثير المشاعر والغرائز، ويؤجج الفتن ويحرك الشهوات، وهو يعتبر نوعًا من التبرج وإبداء الزينة، مثل الضرب بالأرجل المشتملة على الخلاخل، وتحريك الأيدي بالأساور، والقرع بالحذاء لإحداث خشخشة، ولذلك قال بعض أهل العلم: سماع صوت ذي الزينة أشد تحريكًا للشهوة من إبدائها (1)(2) ويدخل في هذا الأمر الخضوع بالقول والتكسر والتميع بالصوت والضحك الناعم؛ لأنه إذا منعت من أن تضرب برجلها على الأرض حتى لا يسمع صوت الحلي ونحوه فتتحرك الشهوة في قلوب بعض الرجال فإن المنع عن الخضوع بالقول والتميع في الكلام أشد وأبلغ وقد قال تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا} .
ومن هذا النوع التطيب ووضع الروائح النفاذة مما يثير الحواس؛ ففي الحديث: «والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس
(1) انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/ 40).
(2)
انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/ 40). ') ">
فهي كذا وكذا، يعني زانية» (1).
وأيضًا مما يلحق بهذا التثني والتمايل في المشية للفت الأنظار، وارتداء العباءات المزركشة أو الرقيقة والضيقة فتظهر مفاتن المرأة وتجسد أعضاء جسمها مما يبهر العيون ويلفت الأنظار ويوقع في الفتنة والفساد (2)
وقد أخذ أهل العلم من هذه الآية قاعدة من قواعد الشريعة وهي قاعدة سد الذرائع، قال ابن سعدي:(ويؤخذ من هذا ونحوه، قاعدة سد الوسائل، وأن الأمر إذا كان مباحًا، ولكنه يفضي إلى محرم، أو يخاف من وقوعه، فإنه يمنع منه، فالضرب بالرجل في الأرض، الأصل أنه مباح، ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة، منع منه) اهـ (3)
(1) رواه أبو داود في سننه (3/ 79)، برقم (4173)، والترمذي في جامعه (ص 629) برقم (2786)، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي في سننه (7/ 153)، برقم (5126)، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 363)، برقم (2237).
(2)
انظر: التحرير والتنوير (18/ 213)، كتاب من أخلاق القرآن وبلاغته في سورة النور (ص 73). ') ">
(3)
تيسير الكريم الرحمن (ص 566)، وابن سعدي: عبد الرحمن بن ناصر السعدي من علماء القصيم، برع في فنون شتى، وألف مؤلفات عديدة، توفي سنة (1376 هـ)، انظر: مشاهير علماء نجد للشيخ عبد الرحمن آل الشيخ (ص 292)، معجم المفسرين عادل نويهض (1/ 279).