الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رحمة أرحم الراحمين
3.
لخطورة القنوط من رحمة الله سبحانه وتعالى، وما يترتب عليه من مفاسد عظيمة جعله النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر، بل جعله قرينًا للشرك بالله كما في حديث ابن عباس [ت 68 هـ] رضي الله عنهما «أن رجلاً قال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» (1).
(1) أورده الهيثمي في: كشف الأستار عن زوائد البزار 1/ 71 ح 106، ومجمع الزوائد 1/ 137 ح 391 وقال: رواه البزار، والطبراني، ورجاله موثقون، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1/ 79.
المبحث الثالث
وسطية أهل السنة والجماعة في باب الخوف والرجاء
تميّز منهج أهل السنة والجماعة بالوسطية والاعتدال في عقيدتهم بل وسائر أمورهم، بعيدًا عن جانبي الإفراط والتفريط، والغلو والتقصير، ومما تتضح به وسطيتهم هذا الباب من أبواب الاعتقاد، ولذا نبّهوا عليه كثيرًا في مصنفاتهم الاعتقادية، وأوضحوا الواجب على العبد فيه، واتفقوا على أن العبد يجب عليه أن يجمع بينهما في حياته، وأن فَقْدَ واحد منهما انحراف عن المنهج الحق،
وبعد عن الصراط المستقيم، بل الجمع بينهما مما دل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة (1) (2) قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:" ينبغي أن يكون سائرًا إلى الله بين الخوف والرجاء فأيهما غلب هلك صاحبه "(3) وقد بيّن الشيخ صالح الفوزان وفقه الله وسطية أهل السنة والجماعة في هذا الباب فقال: " عقيدة أهل السنة والجماعة، الوسط بين الأمن من مكر الله، والإياس من رحمته، فهم يرجون رحمة الله، ولا يأمنون من مكر الله، ولا من العذاب والفتنة، لكن لا يقنطون من رحمة الله، فيجمعون بين الخوف والرجاء، وهو ما كان عليه الأنبياء، قال سبحانه:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} فهؤلاء هم الأنبياء، فخوفهم من الله لم يحملهم على القنوط من رحمة الله، قال سبحانه:{إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} ، وقال سبحانه:{وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ} ، وأيضًا: رجاؤهم من الله لم يحملهم على الأمن من مكر الله، قال سبحانه:
(1) ينظر: حاشية ابن قاسم على كتاب التوحيد ص 255.
(2)
ينظر: حاشية ابن قاسم على كتاب التوحيد ص 255. ') ">
(3)
ينظر: الفتاوى الكبرى 2/ 275. ') ">
{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} فإبراهيم أبو الأنبياء يقول: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} فإبراهيم ما أمن على نفسه، ولكنه خاف الفتنة؛ لأنه بشر. فلا يأمن الإنسان على نفسه ويقول: أنا رجل صالح، بل يخاف على نفسه، مع عدم القنوط من رحمة الله، قال تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ، فالواجب على الإنسان: أن يفعل أسباب الرحمة، وهي التوبة وإسلام الوجه لله – سبحانه -، عند ذلك يحصل على رحمة الله، فرحمة الله قريب من المحسنين، والإحسان سبب الرحمة، هذا مذهب أهل السنة والجماعة، وهو بين مذهب المرجئة الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، فإذا كان الإنسان مؤمنًا بقلبه فلا تضره المعصية، فهؤلاء أمنوا مكر الله، ويقولون: الأعمال لا تدخل في حقيقة الإيمان، فيدخل الجنة وإن لم يعمل شيئا عندهم، وهذا مذهب أفسد الدنيا، تحلل الناس من الدين بسببه، وقالوا: ما دام أننا ندخل الجنة، فلا حاجة إلى الأعمال، فيفعلون ما يشاؤون، وبين الوعيدية الخوارج الذين يكفرون بالكبائر
التي دون الشرك، ويرون إنفاذ الوعيد الذي ذكره الله على من عصاه، فإن الله توعد العصاة، لكن قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فهم تحت المشيئة، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، وهو الوسط، والقول الحق مع أهل السنة والجماعة الذين توسطوا بين الأمن والرجاء، والخوف والقنوط، ولهذا يقولون: الخوف والرجاء بالنسبة للإنسان كجناحي الطائر، ولا بد من سلامة الجناحين، فكذلك الخوف والرجاء لو اختل أحدهما سقط، فلا بد من التعادل كما يتعادل جناحا الطائر " (1) وقال – أيضًا – مبينًا أهميتهما ووجوب اقتران المحبة معهما " من أصول العقيدة الإسلامية: الخوف والرجاء، وهما من أعظم أصول العقيدة، والخوف والرجاء لا بد من الجمع بينهما، لا يكفي الاقتصار على واحد منهما فقط، كما قال – تعالى – في وصف أنبيائه:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} رغبًا: هذا هو الرجاء، ورهبًا: هذا هو الخوف، وقال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}
(1) التعليقات المختصرة على متن العقيدة الطحاوية ص 130 – 131. ') ">