المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وعدو الله له أعوان من شياطين الجن والإنس فشياطين الجن: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٨٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ أسنان الذهب للنساء والرجال)

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله مفتي عام المملكة العربية السعودية

- ‌حكم صرف الزكاة لبناء المساجد

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخمفتي عام المملكة العربية السعودية

- ‌من فتاوىاللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌من الفتوى رقم 893

- ‌من الفتوى رقم 949

- ‌البحوث

- ‌المبحث الأولأحوال العرب الدينية قبل البعثة وبداية ظهور الشرك

- ‌المطلب الأول: العرب كانوا على شريعة إبراهيم عليه السلام قبل ظهور عمرو بن لحي الخزاعي

- ‌المطلب الثاني: ابتداء عبادة الأصنام عند العرب:

- ‌المطلب الثالث: مظاهر الشرك عند العرب قبل البعثة

- ‌أولاً: عبادة الأصنام:

- ‌ثانيًا: عبادة الملائكة والجن:

- ‌ثالثًا: عبادة الكواكب والشمس والقمر:

- ‌رابعًا: عبادة النار:

- ‌خامسًا: عبادة الشجر:

- ‌سادسًا: من العرب من كان على دين اليهود والنصارى:

- ‌المبحث الثانيدلالات الآيات القرآنية في بيان معنى إيمان المشركين وشركهم في الآية

- ‌المطلب الثاني: المشركون يدعون الله في الشدة ويشركون به في الرخاء:

- ‌المطلب الرابع: المشركون يؤمنون ويقرون بأن الله هو رب العالمين ومع ذلك يتخذون الأنداد:

- ‌المطلب السابع: المشركون يحتجون بقضاء الله وقدره على شركهم وأفعالهم القبيحة:

- ‌المبحث الثالثدلالات الأحاديث في بيان حال المشركين وإقرارهم بالربوبية

- ‌مطلب في ذكر أخبار وأشعار في الجاهلية تدل على إقرارهم بالربوبية:

- ‌المبحث الرابعذكر كلام المفسرين وأهل العلم في بيان معنى إيمان المشركينوشركهم في قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}

- ‌المبحث الخامستقريرات أئمة الإسلام والسنة في بيان إقرار المشركين بالربوبية وشركهم في الألوهية

- ‌المطلب الثاني: تقريرات علماء السنة في بيان خطأ المتكلمين في هذه المسألة، وأسباب خفاء ذلك عليهم:

- ‌المبحث السادسعدم الاغترار بالكثرة وعدم الزهد في القلة

- ‌الخاتمة

- ‌القنوط من رحمة اللهأسبابه – مظاهره – علاجه في ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأول: تعريف القنوط

- ‌المطلب الأول: تعريف القنوط في اللغة:

- ‌المطلب الثاني: المراد بالقنوط من رحمة الله:

- ‌المطلب الثالث: الفرق بين اليأس والقنوط:

- ‌المبحث الثانيالتحذير من القنوط من رحمة الله في القرآن الكريم والسنة النبوية

- ‌المطلب الأول: التحذير من القنوط من رحمة الله في القرآن الكريم:

- ‌المطلب الثاني: التحذير من القنوط في السنة النبوية:

- ‌المبحث الثالثوسطية أهل السنة والجماعة في باب الخوف والرجاء

- ‌المبحث الرابع: أسباب القنوط من رحمة الله تعالى

- ‌المبحث الخامسمظاهر القنوط من رحمة الله سبحانه وتعالى

- ‌المبحث السادس: علاج القنوط من رحمة الله سبحانه وتعالى

- ‌الخاتمة

- ‌الوسائل الواقية من الوقوع في الفاحشة في ضوء سورة النور

- ‌مُقَدِّمة

- ‌التمهيد:

- ‌ اسم السورة وعدد آياتها

- ‌ نوع السورة ومناسبتها لما قبلها:

- ‌ مقصد السورة وأبرز موضوعاتها:

- ‌الوسيلة الأولى: تطهير الزناة والزواني بعقوبة حد الزنى:

- ‌الوسيلة الثانية: التطهر باجتناب نكاح الزواني وإنكاح الزناة:

- ‌الوسيلة الثالثة: تطهير الألسنة عن رمي المؤمنين بفاحشة الزنى:

- ‌الوسيلة الرابعة: تطهير لسان الزوج عن رمي زوجته بالزنى من غير بينة:

- ‌الوسيلة الخامسة: تطهير النفوس عن ظن السوء بالمؤمنين بفعل الفاحشة:

- ‌الوسيلة السادسة: تطهير الإرادة عن محبة إشاعة الفاحشة في المؤمنين:

- ‌الوسيلة السابعة: تطهير النفوس من الوساوس والخطرات التي توقع في الفاحشة:

- ‌الوسيلة الثامنة: مشروعية الاستئذان عند إرادة دخول البيوت:

- ‌الوسيلة التاسعة: وجوب غض البصر عن النظر المحرم:

- ‌الوسيلة العاشرة: وجوب حفظ الفروج عن المحرم:

- ‌الوسيلة الحادية عشرة: تحريم إبداء المرأة زينتها للأجانب:

- ‌الوسيلة الثانية عشرة: منع ما يحرك الرجل ويثيره:

- ‌الوسيلة الثالثة عشرة: الحض على النكاح:

- ‌الوسيلة الرابعة عشرة: الأمر بالاستعفاف لمن لا يجد النكاح:

- ‌الوسيلة الخامسة عشرة: النهي عن البغاء:

- ‌الخاتمة

- ‌مكانة المرأة في الإسلام

- ‌من أساليب الحملات ضد المرأة:

- ‌النصوص الشرعية في الحجاب:

- ‌سورة النور:

- ‌ سورة الأحزاب

- ‌الاحتشام تقتضيه الفطرة:

- ‌حجاب المرأة في وجهها:

- ‌حديث شريف

الفصل: وعدو الله له أعوان من شياطين الجن والإنس فشياطين الجن:

وعدو الله له أعوان من شياطين الجن والإنس فشياطين الجن: السلاح الذي يطردهم: ذكر الله والصلاة، لكن شياطين الإنس يلحّون ويلبّسون الأمور، و {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} ، فكان السلاح ضدهم: العلم وقوة الإيمان، وإشعارهم أن قول الله، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، أقوى وأمكن من حججهم وتعليل الشّبهات، ومحاولة فرضها، رغم تصادمها بشرع الله، وفهم العلماء المحققين، وتنقل أمامهم الآراء المدعومة بالرأي المقنع: عقليًّا ونقليًّا، ودرء المفاسد، عندما يفسد الزمان، ويبرز أثر الفسّاق، مقدم على جلب المصالح إن افترض وجود مصالح، ويكون الحوار معهم بالرفق، والدليل القاطع والمجادلة بالتي هي أحسن.

وعن حجاب المرأة فإن أرسخ أدلته جاءت في سورتي: النور والأحزاب، وما بيّنه المفسرون والعلماء، بما رسمتا من آداب تسدّ الثغرات، التي يحاول أصحاب الغايات الدخول معها، ويحسن بالمرأة المسلمة أن تتفهم الدلالة، وتسير وفق مقتضى مفهومها: نصًّا ومعنى ودلالة لغوية.

ص: 331

‌سورة النور:

نزلت في المدينة المنورة مقترنة بحكاية الإفك التي رُميت به عائشة

ص: 331

رضي الله عنها، من منافقي المدينة ومن يشاكلهم، إضرارًا ببيت النبوة الطاهر ممن في قلوبهم مرض.

1 -

يقول عز وجل في أولها: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} وبعدها الآيات، فهذه تدل على حرمة إيذاء المرأة في شرفها وطهارتها، ولو بالكلام والغمز لما يلحق المسلمة من الإيذاء، في نفسها وسمعة لذويها، فكان فيها احتراز متين.

2 -

ولعظم الأمور كانت الشهادة فيها بأربعة، وكل فرد منهم يُسأل لوحده، فإن اختلفت الشهادة بواحد منهم ردت الشهادة، وجلدوا عقابًا لهم، ثم بعد ذلك ترد شهادتهم أبدًا إلا بتجديد توبة صادقة، مع عقاب آخر وهو اعتبارهم فاسقين، إن لم يتوبوا، والفسوق: هو الخروج من الملة، والعاصي من جاوز حدود الشرع (1)(2)

وفي الغالب مع الجرأة في هذا الزمان، لا يُرمى إلا المرأة المتبرجة التي لم تتقيد بالحجاب الشرعي، ولكي تبتعد عن ذلك، وتصون شرفها فإن الحل في الحجاب الساتر المحتشم، وعدم الإذن بدخول بيتها إلا بحضور محرم.

(1) المعجم في اللغة من إخراج مجمع اللغة العربية طبع على نفقة قطر، 2/ 688).

(2)

المعجم في اللغة من إخراج مجمع اللغة العربية طبع على نفقة قطر، 2/ 688). ') ">

ص: 332

2 -

وتأتي آية أخرى فيها تأديب ومحافظة على حرمات البيوت، التي هي موطن الاستقرار للمرأة بموجب أمر الله سبحانه، تبدأ بخطاب الفئة المؤمنة، يقول ابن مسعود رضي الله عنه، إذا مررت في القرآن: بـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فأرعها سمعك، فما بعدها إمّا خير تؤمر به، أو شرّ تنهى عنه.

في هذه الآية يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} .

فالبيوت لها حرمات لأنها موطن الستر، والله سبحانه يضع لعباده أدبًا في الاستئذان، وأدبًا في البيوت وحرمتها، والبيت ستر المرأة وسبب النزول، أن امرأة من الأنصار جاءت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني في بيتي أكون على حال، لا أحب أن يراني عليها أحد، فلا يزال يدخل علي رجل من أهلي (1) قلت لابن عباس: أأستأذن على أمي وأختي، ونحن في بيت واحد؟ قال: أيسرك أن ترى منهم عورة، قلت: لا. قال: فاستأذن (2) وقد تساهل الناس في الاستئذان

(1) ينظر تفسير السيوطي الدر المنثور، (ج5: ص38). ') ">

(2)

تفسير ابن الجوزي، زاد المسير (6/ 26). ') ">

ص: 333

الذي فهمه سلف هذه الأمة.

وهذا من آداب الإسلام واحتجاب المرأة والاهتمام بسترها وعفتها، وعدم التجرؤ في انتهاك حرمات البيوت، التي هي موطن الحشمة والتستر للمرأة.

ولا تحصل الجرأة بدخول البيوت، التي فيها نساء متحجّبات وبدون إذن، أو بيوت مظنة للنساء يسكنّ فيها، ولو لم يكن فيها أحد، إلا من ذوي المآرب الدنيئة، أو ممن لا يتأدب بآداب القرآن التي جعلها الله حجابًا تستر المرأة، وخلوة لا تُحِبُّ أن تُرى وهي في موطن راحتها، فجعل الله من العفة والمهابة، سياجًا يحمي المرأة المسلمة من الفضوليين، هو الاستئذان فإن كان الوقت مناسبًا .. وإلا فالرجوع خير، وأطهر للقلوب، وأمكن للستر والوقار، وأبعد عن الريبة، ومظنة السوء.

وفي هذا حصانة عن آثار الخلوة، التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:«ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما» (1).

إذ في عدم الجرأة بدخول مثل هذه البيوت، إلا باستئذان وتأدب، فإن استأذن ولم يُجب لا بالدخول ولا بالرجوع، فعليه أن يرجع، لأن سكوت من في البيت معناه عدم الرضا .. فالرجوع أولى.

(1) الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 9).

ص: 334

وفي هذا حسم لدابر الآثار المترتبة على مداخل الشر، إذ مع ترك الحجاب: يحصل الحديث والتقرب، شيئًا فشيئًا وينتزع الحياء، وتكون الغلبة للشيطان، بالإغواء والشاعر قد فتح هذا الباب بقوله:

نظرة فابتسامة

فموعد فلقاء

فتعاليم شرع الله حامية للمرأة، وآداب دين الله الحق، صائنة لها عن الفضوليين الذين يريدون بها شرًّا، ومداخل الشر وتزيين الشيطان لا يتم إلا بسبب التبذل، وخلع شعار الاحتشام والوقار، المتمثل في الحجاب الشرعي، الذي فرضه الله سبحانه العالم بخلقه، وما يصلح أحوال الناس، وبما تصلح مجتمعاتهم به.

3 – وتأتي آية أخرى في سورة النور، لتؤكد آدابًا إذا طُبّقت باعدت عن الريبة، وترفع من مكانة المجتمع الحريص عليها، يقول سبحانه:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} .

ففي هاتين الآيتين ينظم الله سبحانه، من الآداب ما يرفع مكانة المرأة المسلمة ويبعد عنها نوازع النفس، ووساوس الشيطان، بتحريك مكامن العفة، والاحتشام والحياء لدى المرأة، وبتحريك مؤثرات الغيرة عند الرجل وذلك في:

ص: 335

أ- غض النظر عن نساء الآخرين، لأن «النظرة سهم مسموم من سهام إبليس» (1) سواء من الرجل أو من المرأة، فغض النظر واجب منهما لأنه من وسائل الفتنة وتعلق القلب، حيت تتحرك الأحاسيس الغرائزية، وقد يترتب ما لا تحمد عقباه من الفتن، وفي حديث ابن مسعود:«ما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع» (2).

ويترتب على غض البصر: الأدب الرفيع في المجتمع، ولذة الإيمان وحلاوته للمرأة والرجل سويًّا كما جاء في الحديث:«ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة ثم يغض بصره إلا أحدث الله عبادة يجد حلاوتها في قلبه» (3).

ب – حفظ الفرج الذي أمر الله به عباده: المؤمنين والمؤمنات، وما ذلك إلا أن جوارح الإنسان عليها حظّها من الزنا، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه، كما في الحديث

وما ذلك إلا أن النظر، هو البريد للمحذور، ومدخل لوساوس الشيطان، فإن حفظه الإنسان سلم، وإلا أوقع صاحبه في المحظور منه، وقد «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا: عن إتباع النظرة النظرة، وقال له:

(1) رواه الطبراني والحاكم من حديث حذيفة: الترغيب (3/ 5).

(2)

رواه أحمد والطبراني من حديث أبي أمامه رضي الله عنه.

(3)

رواه البيهقي: الترغيب (3/ 8).

ص: 336

فإن عليك الثانية ولك الأولى،» (1) وأمر بصرف النظر وجاء هذا الحديث بعدّة روايات لأهميته.

وهذا مما يجب أن يتأدب به المسلمون: ذكورًا وإناثًا، حتى يحرصوا على السيطرة على حواسهم، ليسلموا من الفتنة والشر.

ج- إن طهارة الأعمال وزكوّها ونقاوتها، ثمرة من عمل: غض البصر، وحفظ الفرج تقود إلى جميع الخصال الحميدة، التي يصلح بها الفرد والجماعة في المجتمع الإسلامي، إذ يروى عن نبي الله داود عليه السلام: أنه كان يدعو ربه بهذا الدعاء: (اللهم لا تجعل لي أهل سوء فأكون رجل سوء).

ونرى لقمان الحكيم يؤدّب ابنه فيما رُوي عنه أنه قال: (يا بني أول ما تتخذه في الدنيا امرأة صالحة، وصاحبًا صالحًا، تستريح إلى المرأة الصالحة إذا دخلت، وتستريح إلى الصاحب الصالح إذا خرجت إليه، واعلم أنك يوم تكسب واحدًا منهما، فقد كسبت حسنة).

والمرأة لا تكون صالحة إلا بحرصها على مزايا الإسلام: فهمًا وعملاً، وتتأدب بما تأدبت به نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما حرصت عليه نساء الرعيل الأول من هذه الأمة.

ومن تلك الخصال الالتزام بالحجاب الشرعي، الذي أمر الله به

(1) مسلم الآداب (2159)، الترمذي الأدب (2776)، أبو داود النكاح (2148)، أحمد (4/ 361)، الدارمي الاستئذان (2643).

ص: 337

في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وسُمي حجابًا لأنه يستر، جاء في تاج العروس: حجبه يحجبه ستره، وتحجّب: إذا اكتنّ من وراء الحجاب، وامرأة محجوبة ومحجّبة: للمبالغة، د سُتِرت بستر، وضُرب الحجاب على النساء (1)

د - عدّدتْ آيات من سورة النور من هم المحارم الذين تكشف المرأة وجهها لهم، وتبدي زينتها، لأنهم يغارون عليها، ولأن الفتنة تنتفي عنهم: قرابة نسب أو ملك يمين، أو أطفالاً لهم يظهروا على عورات النساء، لأنهم لم يبلغوا الحلم.

فكل ما جاء في الآية الكريمة لا ضرر منهم على المرأة، ولا فتنة عليها عندما تبدي زينتها، من لباس وغيره أمامهم مع الأدب والاحتشام.

هـ - وبيّن عز وجل أن إبداء الزينة، أمام غير هؤلاء بنهي المرأة عنها، لأنها لا تأمن من الفتنة في نفسها، أو أن يفتتن بها الآخر، وأعطي هذا الحكم: الصوت لما تتحلى به من خلخال وغيره، لأن صوته: إعلام أمام الأجانب عما تتمتع به المرأة، من زينة تهفو مع صوته بوادر لمن في قلبه مرض، وهذا من باب الحيطة.

وهذه الآداب تسدّ المنافذ وتريح ذوي الغيرة من المحارم، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد حدّد نوعًا يرسّخ حجاب المرأة المسلمة بما رواه

(1) معجم تاج العروس للزبيدي، (1/ 202، 203)، الطبعة الأولى المطبعة الخيرية بالجمالية بمصر 1306 هـ. ') ">

ص: 338

عمرو بن العاص، من قطع لعادات الجاهلية، نسبه للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«نهانا أن نستأذن على النساء، إلا بإذن أزواجهن» (1).

وما ذلك إلا حذرًا من انفتاح أبواب الشكوك، مع تحرك الغيرة التي بها تذهب السعادة الزوجية، وتتقوض دعائم بيوت العشرة، والطمأنينة الأسرية، يقول سبحانه:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .

والسكن والمودة والرحمة بين الزوجين خصال حميدة، لا تتحقق بينهما، ولا يتهيأ الجو لتمامها، إلا بتعاون المرأة في تهيئة الجو الأسريّ المناسب لهذه الخصال، والابتعاد بحجاب الإيمان والحياء والدين، عن مثيرات الشكوك بحماية نفسها وفق شرع الله، وحرصًا على الأسباب التي في مقدمتها الستر والاحتشام بالحجاب، الذي أمر الله رسوله بإبلاغه لنساء المؤمنين:{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} وطبّقته نساء الأنصار في يوم نزول الآية: سمعًا وطاعة لأمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هذا في الصدر الأول، فالآن ألزم: لأن هذا الحجاب ساتر عن الفضوليين، وقاطع لأسباب الغيرة:(لا يعرفهن أحد).

(1) حديث رواه الإمام أحمد في مسنده (4/ 197)، وينظر أول الترغيب والترهيب (3/ 5، 10).

ص: 339

وأن أجمل جمال المرأة في وجهها، فهو قمة الزينة التي منعت الآية الكريمة إبداءها، إلا لذوي المحارم الأقربين، وهم حماة المرأة وأصحاب الغيرة على المحارم.

والفطرة التي فطر الله المرأة عليها: حب التستر والتجمل بالزينة المصطنعة، وأهم ذلك جمال الوجه الذي تدرك المرأة أنه المرغوب عند الرجال، ألا ترى أن من لم تُعطَ في وجهها مسحة من جمال، تتحسّر في نفسها خوفًا من العنوسة؟ وذلك: حسب ما يدور في مجتمع النساء .. وتتأذى من نظر الرجال إليها.

لذلك وجب ستره إلا عن المحارم، الذين مرّ ذكرهم في الآية الكريمة، ولراغب الزواج أو عند الشهادة، والحاجة القصوى في العلاج.

وقصة زواج جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما في خطبته للزواج من امرأة ثيّب، إذ كان يختبئ بين النخيل لينظر إليها، دليل على حرص نساء الأنصار على التستر وتغطية الوجه كاملاً .. والوضع الطبيعي: أن الإنسان: ذكرًا أو أنثى لا يُعرف من هو إلا بالنظر إلى الوجه، ولأنه لا يعرف إلا بقسماته المميزة .. ومتى غُطي ضاعت تلك الملامح، فالاختفاء لا يتم إلا بطمس الوجه، فهو موطن الجمال والجاذبية وخاصة للنساء، وستره فطرة فطر الله النساء خاصة عليها، وأن نزعه كان قبل الإسلام، ولعلّه مقترن بفتنة بني إسرائيل كما جاء في الحديث، والمرأة قديمًا وحديثًا عندما تفاجأ في طريقها

ص: 340

برجال تسرع لتغطي وجهها.

فهذه مثلاً المتجردة زوجة النعمان بن المنذر، يقول عنها الشاعر الجاهلي النابغة الذبياني:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه

فتناولته واتقتنا باليد (1)

والنصيف: الخمار أو العمامة، وكل ما يغطي به الرأس والوجه، والمرأة الناصف: بين الحدثة والمسنة، أو التي بلغت خمسًا وأربعين سنة ونحوها، ونصّف الجارية تنصيفًا: خمّرها (2)

قوله في عجز البيت: يدل على أنها سترت وجهها باليد، لتتقي نظراتهم إلى وجهها، وهو أحسن محاسن المرأة وزينتها، كما هو معروف.

و– واختلف العلماء في الزينة قال ابن الجوزي في تفسيره: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} أي لا يظهر منها لغير محرم، وزينتهن على ضربين: خفية: كالسوارين والقرطين، والدملج والقلائد ونحو ذلك، وظاهرة: وهي المشار إليها بقوله {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} وقال إنها سبعة: ذكرها باختصار:

1 -

الثياب. 2 – الكف والخاتم والوجه. 3 – والكحل.

(1) ينظر ديوان النابغة: قافية الدال. ') ">

(2)

القاموس المحيط للفيروز أبادي، (3/ 200)، الطبعة الأولى بالحسينية المصرية عام 1330 هـ، حرف النون. ') ">

ص: 341

4 – والقُلبان وهما: السواران الخاتم والخضاب.

5 – الكحل والخاتم والخضاب. 6 – الخاتم والسوار.

ثم قال: والقول بأنها الثياب أشبه، وقد نص عليه أحمد فقال: الزينة الظاهرة الثياب، وكل شيء منها عورة حتى الظفر.

ويفيد هذا تحريم النظر إلى شيء من الأجنبيات لغير عذر: كأن يريد أن يتزوجها، أو يشهد عليها، فإنه ينظر في الحالين إلى وجهها خاصة ومع محرم لها، فأما النظر إليها لغير عذر فلا يجوز لا لشهوة، ولا لغيرها وسواء في ذلك الوجه والكفان وغيرهما من البدن.

فإن قيل: فَلِمَ لا تبطل الصلاة بكشف وجهها، فالجواب: أن في تغطيته مشقة فعفي عنها (1)

ز – وأمر الله بغض البصر، وقرن ذلك بحفظ الفرج، فقد أدّب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمته رجالاً ونساء، بمراعاة هذين الأمرين، فلا ينظر كلّ من الرجل أو المرأة إلى ما حرم الله، بل يغمضون أبصارهم ويصرفونها .. اتقاء للإثم الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن نظر الفجأة؟ فأمرني أن أصرف نظري» (2).

(1) زاد المسير لابن الجوزي تفسير سورة النور الطبعة الثالثة المكتب الإسلامي بيروت، 1404 هـ _ 1984 م، الجزء (6/ 31، 32).

(2)

رواه مسلم في صحيحه من حديث يونس بن عبيد.

ص: 342

وقال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: «لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليس لك الآخرة» (1).

«ومنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصحابة من الجلوس في الطرقات، فلما قالوا يا رسول الله ما لنا بدّ منها، وذكروا الأسباب لذلك.

فقال: إلاّ بحقها – لما أبوا – فأخبرهم أن من حق الطريق: غض البصر، وكف الأذى» (2) وغض البصر فيه إشارة لتحريم النظر للنساء العابرات للطريق.

وروى الإمام أحمد حديثًا بسنده إلى أم سلمة ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«إذا كان لإحداكنّ مكاتب – أي مملوك وكاتب على العتق -، وكان له ما يؤدي فلتحتجب منه» (3) والمراد به الحجاب الشرعي أما حكاية الخثعمية التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفه الفضل بن العباس، وكان وسيمًا قد بلغ مبلغ الرجال، وهو ينظر إليها ووُصِفتْ بأنها سفعاء الخدين، ورسول الله يصرف نظر الفضل عنها.

فقيل: هذا لا يدل على أن كشف الوجه جائز، وانكشاف الوجه منها علّل: بأنه قد يكون سقط خمارها بريح أو بزحام عند ناقة رسول الله، وهي تسأل أو لأنها محرمة وللمحرمة أن تكشف

(1) رواه الترمذي من حديث شريك.

(2)

رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري.

(3)

رواه أبو داود عن مسدّد عن سفيان به.

ص: 343

وجهها، لأن إحرامها في وجهها مع أن عائشة رضي الله عنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع، وقد فرض الحجاب، تقول:«كنا نكشف وجوهنا، فإذا حاذانا الرجال سدلنا الخمار على الوجوه، وإذا تجاوزونا كشفنا .. » (1) و (نا) الجمع تعني نفسها ومن معها من النساء في حجة الوداع.

أو أنها لما تتبلّغ بفرض الحجاب إلا بعد هذه الحادثة لأنها، قادمة من البادية.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: ولما كانت النظرة، داعية إلى فساد القلب، كما قال بعض السلف: النظر سهم سمّ إلى القلب .. ولذلك أمر الله بحفظ الفروج، كما أمر بحفظ الأبصار، التي هي بواعث إلى ذلك، وحفظ الفرج تارة يكون بمنعه من الزنا، كما في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} .

وتارة يكون بحفظه من النظر إليه كما في الحديث: «احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك» (2) وتارة بحفظه عن المحارم، كما تقدم في حديث علي رضي الله عنه بصرفه.

{ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} : أي أطهر لقلوبهم وأتقى لدينهم، لما قيل: من حفظ بصره أورثه الله نورًا في بصيرته، وجاء في الحديث عن النبي

(1) سنن أبو داود المناسك (1833)، سنن ابن ماجه المناسك (2935)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 30).

(2)

رواه الإمام أحمد في مسنده عن معاوية بن حيدة، (5: 3، 4)، ط الأولى 1409 هـ.

ص: 344

صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة، ثم يغض بصره إلا أخلف الله له عبادة يجد حلاوتها» (1).

ح – وفي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} قال ابن كثير: لأنه سبحانه: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} ، وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُتِبَ على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة: فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، وزنا الأذنين الاستماع، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين الخطأ، والنّفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» (2).

وإذا كان كثير من السلف يقولون: إنهم ينهون أن يُحِدّ الرجل نظره إلى الأمرد، وقد شدد كثير من أئمة الصوفية في ذلك، وحرّمه طائفة من أهل العلم، لما فيه من الافتتان وشدّد آخرون في ذلك كثيرًا جدًّا، آخذين ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: «كلّ عين باكية يوم القيامة، إلا عينًا غضّتْ عن محارم الله، وعينًا سهرت في سبيل الله، وعينًا يخرج

(1) رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي أمامة الطبعة الأولى (5/ 264).

(2)

قال ابن كثير على الآية (وليضربن بخمرهن على جيوبهن): كانت المرأة في الجاهلية تمر بين الرجال مُسفحة بصدرها، لا يواريه شيء وربما أظهرت عنقها، وذوائب شعرها، وأقرطة آذانها فأمر الله المؤمنات أن يستترن في هيئاتهنّ وأحوالهن.

ص: 345

منها مثل رأس الذباب من خشية الله عز وجل» (1).

والتّحرج في هذه الأمور يشمل الذكر والأنثى، في حفظ البصر والفروج وتقوى الله في ذلك، حيث ختمت الآية الأولى: بتزكية القلوب إذا غضوا أبصارهم، وحفظوا فروجهم لأن الله سبحانه: عليم وخبير بما يصنعون.

حتى القواعد من النساء اللواتي لا مآرب لهن في النكاح، وهن العجائز فقد خفف الله عنهن بقوله:{فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} ، قال ابن الجوزي: المراد بالثياب هنا: الجلباب والرداء والقناع، الذي فوق الخمار لا جميع الثياب، من غير أن يُرِدن بوضع الجلباب أن تُرى زينتهنّ، والتبرج إظهار المرأة محاسنها

وأقوال العلماء كثيرة، ومبسوط أغلبها في كتب التفسير، ولذا فإن دور المرأة يأتي: بأن تكون معينة باتباع أمر الله، ومستجيبة لهدي النبي الكريم، بالمحافظة على الحجاب الكامل والاحتشام والتستر حتى لا تقع في الإثم، أو تعين بتبرجها، وعدم التقيد بالحجاب الذي

(1) تفسير ابن كثير مطبعة البابي الحلبي بمصر (3/ 382).

ص: 346