الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تبعهم من بعدهم على ذلك"
المطلب الثالث: مظاهر الشرك عند العرب قبل البعثة
تعددت مظاهر الشرك عند العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثرهم كانوا يدينون بعبادة الأصنام وتلاعب بهم الشيطان، وتفرقوا في ظلمات الشرك على أنواع متعددة:
أولاً: عبادة الأصنام:
وأصلها عبادة الأنبياء والصالحين والمُعَظّمين تقدم ذكر كيفية عبادة الأصنام عند العرب، وكانت بداية عبادة الأصنام في الأرض قد وقعت في قوم نوح عليه السلام، فكانوا يغلون في الصالحين منهم كود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، فلما ماتوا وسوس لهم الشيطان وتدرّج بهم حتى عبدوهم، ثم انتقلت هذه العبادات الشركية إلى العرب بعد ذلك. فصار (ود) لقبيلة كلب، و (سواع) لقبيلة هذيل، و (يغوث) لقبيلة غطيف، و (يعوق) لقبيلة همدان، و (نسر) لقبيلة آل ذي الكلاع.
قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن ابن جُريج قال: قال عطاء عن ابن عباس: "صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعدُ. أما وَدّ فكانت لكلب بدُومَة الجَنْدل. وأما
سُواع فكانت لهذيل. وأما يَغُوث فكانت لمراد، ثم لبني غُطَيف بالجُرْف عند سبأ. وأما يعوق فكانت لهمْدان. وأما نَسْر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع
…
" (1)
وقال ابن جرير: " وكان من خبرهم - فيما بلغنا -: ما حدثنا به ابن حُميد حدثنا مهران عن سفيان عن موسى عن محمد بن قيس: أن يَغوثَ ويَعوق ونَسرا كانوا قومًا صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صوّرناهم كان أشوقَ لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوّروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون؛ دَبَّ إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يُسقون المطر، فعبدوهم "(2)، ثم أورد ابن جرير أثر عكْرمة أنه قال:" كان بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون، كلهم على الإسلام "، وأورد ابن جرير أثرًا عن قتادة في هذه الآية أنه قال: " كانت آلهة يعبدها قوم نوح، ثم عبدتها العرب بعد ذلك، فكان وَدٌّ لكَلْب بِدَوْمَة الجَنْدَل، وكان سُواع لهُذَيل. وكان يَغوث لبَني غُطَيف من مُراد بالجرف، وكان يَعوق لهَمْدَان. وكان نَسر لذي الكُلاع من
(1) أخرجه البخاري، في كتاب التفسير في تفسير سورة نوح (8/ 667) رقم (4920).
(2)
تفسير ابن جرير (29/ 99).
حمْير
…
وعن ابن عباس قال: " هذه أصنام كانت تُعبد في زمان نوح "(1)
قال ابن جرير: {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} ، يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل نوح: وقد ضل بعبادة هذه الأصنام التي أحدثت على صور هؤلاء النفر المسمين في هذا الموضع كثيرٌ من الناس فنُسب الضلال إذا ضلَّ بها عابدوها إلى أنها المُضِلّة " (2)
وقال هشام بن محمد بن السائب الكلبي: قال: (وكان لأهل كل دارٍ من مكة صنَمٌ يعبُدونه، فإذا أراد أحدُهم السَّفَرَ كان آخر ما يَصنعُ في منزله أن يتمسح به، وإذا قَدِمَ من سفره كان أوّلَ ما يصنعُ إذا دخلَ منزله أن يتمسَّحَ به أيضًا، فلما بعث الله نبيه وأتاهم بتوحيد الله وعبادته وحده لا شريك له قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} يعنون الأصنام (3)
(1) أخرجه ابن جرير في تفسيره (29/ 99)، وقد أورد الفاكهي في كتابه أخبار مكة بعض هذه الآثار (5/ 161 – 165).
(2)
تفسير ابن جرير (29/ 100). ') ">
(3)
كتاب الأصنام للكلبي، ص (48 – 49). ') ">
وكذا قال محمد بن إسحاق في السيرة (1)
وأما عبادة الحجارة فأصلها مما سبق ذكره من التعلق بالحرم ثم الغلو في آثاره: قال الكلبي: " واستهترت العربُ في عبادة الأصنام، فمنهم من اتخذ بيتًا، ومنهم من اتخذ صنمًا، ومن لم يقدر عليه ولا على بناء بيتٍ نصبَ حجرًا أمامَ الحَرم وأمامَ غيره مما استحسَن، ثم طاف به كطوافه بالبيت، وسموْها الأنصاب. وإذا كانت تماثيل دَعَوْها الأصنام والأوثان، وسَمَّوا طوافهم الدوار، فكان الرجل إذا سافر فنزلَ منزلاً أخذ أربعة أحجار فنظر إلى أحسنها فاتخذه ربًّا، وجعل ثلاثَ أثافيَّ لقِدْرِه وإذا ارتحل تركه، وإذا نزل منزلاً آخر فعل مثل ذلك.
فكانوا ينْحَرُون ويذبَحون عند كلها، ويتقربون إليها، وهم عارفون بفضل الكعبة عليها، يَحُجُّونها ويعتمرون إليها.
وكان الذي يفعلون ذلك في أسفارهم إنما هو للاقتداء منهم بما يفعلون عندها ولصبَابَة بها
…
) (2)
(وكانت للعرب حجارةٌ غير منصوبة يطوفون بها ويَعْتِرون (3)
(1) السيرة لابن هشام (1/ 83). ') ">
(2)
كتاب الأصنام، للكلبي، ص 48 – 49. ') ">
(3)
في القاموس المحيط مادة (عتر) ص (559)، العَتْر: الذبح، وبالكسر: الصنم يُعْثر له وكل ما ذبح، وشاة كانوا يذبحونها لآلهتهم كالعشيرة.