الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2.
قول الجمهور في معنى القنوط هو: الإياس من رحمة الله (1)
3.
القنوط هو: اليأس من فضل الله (2)
4.
القنوط هو: استبعاد فرج الله، واليأس منه (3)
5.
القنوط هو: استبعاد الرحمة، واستبعاد حصول المطلوب
وجميع هذه المعاني متقاربة، ولعل القول بأن المراد بالقنوط من رحمة الله سبحانه وتعالى هو: الإياس من رحمته يشمل هذه المعاني كلها، إذ التارك لفرائض الله في السر إنما قاده إلى ذلك الإياس من رحمة الله، كما أن استبعاد الفرج واستبعاد حصول المطلوب واليأس من فضل الله هي من أنواع الإياس من رحمته سبحانه وتعالى.
(1) ينظر: الجامع لأحكام القرآن 14/ 34، فتح القدير 4/ 225. ') ">
(2)
ينظر: زاد المسير 6/ 303. ') ">
(3)
ينظر: فتح المجيد 2/ 598. ') ">
المطلب الثالث: الفرق بين اليأس والقنوط:
اختلف العلماء في الفرق بين اليأس والقنوط على أقوال منها:
1.
أن ظاهر القرآن يدل على أن اليأس أشدّ من القنوط، حيث حكم على أهل اليأس بالكفر فقال تعالى:
{إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} ، وحكم على أهل القنوط بالضلال (1) (2) كما قال تعالى:{وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ} ، ومعلوم أن كل كفر ضلال، وليس كل ضلال كفرًا فقد قال الله تعالى على لسان موسى عليه السلام:{قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} ، كما قال الله تعالى:{فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ} ، وقال عز وجل لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم:{وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى} وليس الضلال في هذه الآيات بمعنى الكفر.
2.
أنه لا فرق بينهما، ووصفُ أهل اليأس بالكفر وأهل القنوط بالضلال لا يدل على الفرق، فالضَّلالُ والكفرُ يجتمعان، ويقال: هو ضالٌّ، ويقال: هو كافر فهما وصفان مترادفان؛ فالكفر يسمَّى ضلالاً؛ كما قال الله تعالى:
(1) ينظر: تيسير العزيز الحميد ص 510.
(2)
ينظر: تيسير العزيز الحميد ص 510. ') ">
{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} (1)
3.
الفرق بينهما باعتبار بعض الصفات لا باعتبار أصل المعنى، وإلا فإن القنوط من الرحمة واليأس من الروح بمعنى واحد، لكن يختلفان من حيث ما يتناوله هذا ويتناوله هذا، فالقنوط من رحمة الله عام؛ لأن الرحمة أعم من الروح، والرحمة تشمل جلب النعم ودفع النقم، وروح الله – جل وعلا – يطلق في الغالب في الخلاص من المصائب، فقوله:(القنوط من رحمة الله) في أثر ابن مسعود رضي الله عنه: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ» (2) هذا أعم؛ ولهذا قدمه فيكون ما بعده من عطف الخاص على العام، أو أن يكون هناك ترادف في أصل المعنى، واختلاف في الصفات، أو بعض ما يتعلق باللفظ (3)
4.
اليأس: انقطاع الطمع من الشيء، والقنوط: أخص منه، فهو أشد
(1) ينظر: المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان 1/ 151. ') ">
(2)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 10/ 459، والطبراني في الكبير 9/ 171، وقال: الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 137: إسناده صحيح.
(3)
ينظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص 375. ') ">
اليأس (1) ويدل عليه قوله تعالى: {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} (2)
5.
اليأس: أن يستبعد زوال المكروه، والقنوط: أن يستبعد رحمة الله سبحانه وتعالى ويستبعد حصول المطلوب، وسبب التفريق لئلا يحصل تكرار في أثر ابن مسعود رضي الله عنه السابق حيث فرّق بين اليأس والقنوط (3).
6.
اليأس: عدم أمل وقوع شيء من أنواع الرحمة له، والقنوط: هو ذاك مع انضمام حالة هي أشد منه في التصميم على عدم الوقوع (4).
7.
اليأس هو: انعدام الأمل في القلب، ومتى ما وصل ذلك إلى درجة شديدة بنحو ينعكس على مظهر الإنسان أصبح قنوطًا، وعلى هذا فاليأس صفة للقلب وهو: أن يقطع رجاءه من الخير وهي المؤثرة، وما يظهر على الصورة من التضاؤل والانكسار هو القنوط (5).
(1) ينظر: الفروق اللغوية 1/ 436. ') ">
(2)
ينظر: روح المعاني 9/ 116. ') ">
(3)
ينظر: القول المفيد 2/ 687. ') ">
(4)
ينظر: روح المعاني 9/ 116. ') ">
(5)
ينظر: المصدر السابق 25/ 4. ') ">
والراجح – والله أعلم – وجود الفرق بين اليأس والقنوط حال اجتماعهما في اللفظ كقوله تعالى: {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} . قال ابن جرير [ت 310 هـ] في معنى الآية: " إن ناله ضر في نفسه من سقم، أو جهد في معيشته، أو احتباس من رزقه فيئوس قنوط، يقول: فإنه ذو يأس من روح الله وفرجه، قنوط من رحمته، ومن أن يكشف ذلك الشر النازل به عنه "(1) وكما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما «أن رجلا قال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» (2) وقول ابن مسعود رضي الله عنه السابق: (أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ)، قال الشيخ ابن عثيمين [ت 1421 هـ]:" المراد باليأس هنا أن يستبعد رحمة الله ويستبعد حصول المطلوب، والمراد باليأس هنا أن يستبعد الإنسان زوال المكروه، وإنما قلنا ذلك؛ لئلا يحصل تكرار في كلام ابن مسعود ". فدل ذلك على الفرق بينهما حال اجتماعهما في اللفظ، وأما إذا افترقا في اللفظ فالظاهر – والله أعلم – أنهما بمعنى واحد.
(1) جامع البيان 25/ 2. ') ">
(2)
صحيح البخاري استتابة امرتدين والمعاندين وقتالهم (6920)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3021)، سنن النسائي تحريم الدم (4011)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 201)، سنن الدارمي الديات (2360).
وأما القول بأن اليأس أشد من القنوط لكون ظاهر القرآن حكم على أهل اليأس بالكفر فقال تعالى: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} ، بينما حكم على أهل القنوط بالضلال قال تعالى:{وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ} فلا يلزم منه أن يكون اليأس أشد، إذ ربما يكون الحكم بالضلال زائدًا على الحكم بالكفر فيجتمع فيه وصفان شنيعان لقبح الفعل وشدته كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} وقال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} فحكم هنا على من دعا غير الله بالكفر، وحكم عليه في موضع آخر بالضلال فقال تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} ، ومما يشعر بأن القنوط أشد من اليأس الفرق اللغوي، حيث جعل القنوط أشد أنواع اليأس.