الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
ذكر كلام المفسرين وأهل العلم في بيان معنى إيمان المشركين
وشركهم في قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}
وتحته مطلبان:
المطلب الأول: تقريرات علماء الصحابة والتابعين في المراد بإيمان المشركين وشركهم في قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} .
المطلب الثاني: تقريرات علماء التفسير بالمأثور في المراد بإيمان المشركين وشركهم في قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} .
المشركون من العرب يؤمنون بأن الله هو خالقهم ورازقهم، ومع ذلك يشركون معه آلهة أخرى، بما اتخذوه من الشفعاء وما عبدوا من الأصنام، لذلك يقولون في تلبيتهم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك، فيوحدونه بالتلبية ويدخلون معه آلهتهم ويجعلون ملك الآلهة بيده وهذا من تناقضهم وجهلهم، يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} .
أي: ما يوحدونني لمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكًا من خلقي (1)
ومن خلال ما سبق يتضح أن الآية الكريمة تفيد أنه قد يجتمع في العبد الإيمان بربوبية الله والتصديق بها مع الشرك المخرج من الملة، وهذا الإيمان لا ينفع وحده، فهؤلاء المشركون قد تركوا ما أمر الله به من إخلاص العبادة والتوحيد وتجرؤوا على أعظم المحرمات وهو الشرك، فنقضوا إيمانهم بالربوبية بما قاموا به من صرف العبادة لغيره، هذا ما قرره علماء التفسير من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإليك نبذة من أقوالهم وهي في المطلبين التاليين:
(1) كتاب الأصنام، للكلبي ص 54.
المطلب الأول: تقريرات علماء الصحابة والتابعين في المراد بإيمان المشركين وشركهم في قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} .
أولاً: جاء عن حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ} الآية. قال: " من إيمانهم إذا قيل لهم: مَنْ خلق السماء؟ ومَنْ خلق الأرض؟ ومَنْ خلق الجبالَ؟ قالوا: الله، وهم مشركون "
وجاء عنه أيضًا في قوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}
" يعني النصارى، يقول: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}. {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}. ولئن سألتهم: من يرزقكم من السماء والأرض؟ ليقولنَّ: الله. وهم مع ذلك يشركون به، ويَعبدون غيرَه، ويَسْجُدُون للأنداد دونه "
ثانيًا: قرر علماء التابعين وأتباعهم في تفسير هذه الآية أن إيمان المشركين أن الله هو الخالق الرازق، ومع ذلك هم مشركون في عبادته، وإليك بعض أقوالهم:
أولاً: قول عكرمة في قوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ} قال: " تسألهم من خلقهم، ومن خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله. فذلك إيمانهم بالله، وهم يعبدون غيره "
وقال: " يعلمون أنه ربهم، وأنه خلقهم، وهم مشركون به "
وقال: " هو قول الله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} . فإذا سئلوا عن الله وعن صفته، وصفوه بغير صفته،
وجعلوا له ولدًا، وأشركوا به ".
وقال: " ليس أحدٌ إلا وهو يعلم أن الله خلقه، وخلق السماوات والأرض، فهذا إيمانهم، ويكفرون بما سوى ذلك "
ثانيًا: قول مجاهد: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} فإيمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا، فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره ".
وقال: " يقولون: الله ربنا، وهو يرزقنا. وهم يشركون به بعدُ "
وقال: " ليس أحدٌ إلا وهو يعلم أن الله خلقه، وخلق السماوات والأرض، فهذا إيمانهم، ويكفرون بما سوى ذلك "
ثالثًا: قال قتادة في تفسير الآية: " في إيمانهم أنك لا تسأل أحدًا منهم إلا أنبأك أن الله ربه؛ وهو في ذلك مشركٌ في عبادته "
وقال: " لا تسألُ أحدًا من المشركين: من ربك؟ إلا قال: ربيَ الله. وهو يُشرِكُ في ذلك "
رابعًا: قال عطاء في تفسير هذه الآية: " يعلمون أن الله ربهم، وهم
يشركون به بعدُ ".
وقال: " يعلمون أن الله خالقهم ورازقهم، وهم يُشركون به "
خامسًا: قال عامر: " يعلمون أنه ربهم، وأنه خلقهم، وهم مشركون به "
سادسًا: قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسير هذه الآية: " ليس أحدٌ يَعبُدُ مع الله غيرَه إلا وهو مؤمنٌ بالله، ويعرفُ أن الله ربه، وأن الله خالقه ورازقه، وهو يُشركُ به، ألا تَرَى كيف قال إبراهيم: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ}. قد عرَف أنهم يَعبُدُونَ ربَّ العالمين مع ما يَعْبُدُون. قال: فليس أحدٌ يُشرِكُ به إلا وهو مؤمنٌ به، ألا ترى كيف كانت العربُ تُلبِّي تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك؟ المشركون كانوا يقولون هذا "
سابعًا: قال النضر بن عربي: قوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ، قال فمِنْ إيمانهم أن يُقال لهم: من ربكم؟ فيقولون: الله، ومن يدبر السماوات والأرض؟ فيقولون: الله، ومن يرسل عليهم
المطر؟ فيقولون: الله، ومن ينبت الأرض؟ فيقولون: الله، ثم هم بعد ذلك مشركون، فيقولون: إن لله ولدًا، ويقولون: ثالث ثلاثة.
المطلب الثاني: تقريرات علماء التفسير بالمأثور في المراد بإيمان المشركين وشركهم في قول الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} .
1 -
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: " يقول تعالى ذكره: وما يُقِرُّ أكثرُ هؤلاء - الذين وصَف عز وجل صفتَهم بقوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} - بالله أنه خالقُه ورازقُه وخالقُ كلِّ شيء، إلا وهم به مشركون في عبادتهم الأوثانَ والأصنامَ، واتِّخاذِهم من دونه أربابًا، وزعمهم أن له ولدًا، تعالى الله عما يقولون "(1)(2)
2 -
قال ابن أبي زمنين رحمه الله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} قال: " في إيمانهم أنك لا تسأل أحدًا منهم إلا أنبأك أن الله ربه؛ وهو في ذلك مشركٌ في عبادته "(3)
3 -
وقال القرطبي رحمه الله: " قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}
(1) تفسير ابن جرير الطبري، (13/ 77 - 79).
(2)
تفسير ابن جرير الطبري، (13/ 77 - 79). ') ">
(3)
تفسير القرآن العزيز، لابن أبي زَمَنين:(2/ 341). ') ">
نزلت في قوم أقروا بالله خالقهم وخالق الأشياء كلها، وهم يعبدون الأوثان؛ قاله الحسن، ومجاهد وعامر الشعبي وأكثر المفسرين. وقال عكرمة هو قوله: ثم يصفونه بغير صفته ويجعلون له أندادًا، وعن الحسن أيضًا: أنهم أهل كتاب معهم شرك وإيمان، آمنوا بالله وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ فلا يصح إيمانهم. حكاه ابن الأنباري.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في تلبية مشركي العرب: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك. وعنه أيضًا أنهم النصارى. وعنه أيضًا أنهم المشبهة، آمنوا مجملاً وأشركوا مفصلاً. وقيل: نزلت في المنافقين؛ المعنى {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ} أي باللسان إلا وهو كافر بقلبه؛ ذكره الماوردي عن الحسن أيضًا. وقال عطاء: هذا في الدعاء؛ وذلك أن الكفار ينسون ربهم في الرخاء، فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء؛ بيانه:{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ} الآية. وقوله: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ} الآية. وفي آية أخرى: {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} .
وقيل: معناها أنهم يدعون الله ينجيهم من الهلكة، فإذا أنجاهم قال قائلهم: لولا فلان ما نجونا، ولولا الكلب لدخل علينا اللص، ونحو هذا؛ فيجعلون نعمة الله منسوبة إلى فلان، ووقايته منسوبة إلى الكلب.
قلت: وقد يقع في هذا القول والذي قبله كثير من عوام المسلمين؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقيل: نزلت هذه الآية في قصة الدخان؛ وذلك أن أهل مكة لما غشيهم الدخان في سني القحط قالوا: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} فذلك إيمانهم، وشركهم عودهم إلى الكفر بعد كشف العذاب؛ بيانه قوله:{إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} والعود لا يكون إلا بعد ابتداء؛ فيكون معنى {إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} أي إلا وهم عائدون إلى الشرك والله أعلم " (1) فقدم القرطبي القول المعروف عن السلف في إقرارهم بالربوبية وشركهم في العبادة.
4 -
قال جلال الدين المحلي رحمه الله في تفسير الجلالين: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ} حيث يقرون بأنه الخالق الرازق
(1) تفسير القرطبي (5/ 178 - 179). ') ">
{إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} به بعبادة الأصنام؛ ولذا كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك " (1)
5 -
قال الشوكاني رحمه الله: " {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ} أي ما يصدّق ويقرّ أكثر الناس بالله من كونه الخالق الرازق الخالق لهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}. {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ}، لكنهم كانوا يثبتون له شركاء فيعبدونهم ليقرّبوهم إلى الله: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ}، ومثل هؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله المعتقدون في الأموات بأنهم يقدرون على ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه كما يفعله كثير من عباد القبور "(2)
6 -
قال الألوسي رحمه الله في تفسير الآية: " {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ} في إقرارهم بوجوده تعالى وخالقيته
(1) تفسير الجلالين ص 212. ') ">
(2)
فتح القدير، للشوكاني (3/ 59). ') ">
{إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} به سبحانه، والجملة في موضع الحال من الأكثر أي ما يؤمن أكثرهم إلا في حال إشراكهم " (1)
ثم قال: " وقد يقال نظرًا إلى مفهوم الآية إنهم من يندرج فيهم كل من أقر بالله تعالى وخالقيته مثلاً، وكان مرتكبًا ما يُعَدّ شركًا كيفما كان ومن أولئك عبدة القبور الناذرون لها، المعتقدون للنفع والضر ممن الله تعالى أعلم بحاله فيها وهم اليوم أكثر من الدود "(2)
7 -
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " {وَكَأَيِّنْ} أي: وكم {مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا} دالة لهم على توحيد الله {وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}. ومع هذا إن وجد منهم بعض الإيمان فلا {يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} فهم وإن أقروا بربوبية الله تعالى، وأنه الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور، فإنهم يشركون في ألوهية الله وتوحيده، فهؤلاء الذين وصلوا إلى هذه الحال لم يبق عليهم إلا أن يحل بهم العذاب، ويفجأهم العقاب وهم آمنون "(3)
8 -
قال القاسمي: " {ومَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ} أي: الناس، أو أهل
(1) روح المعاني (13/ 84). ') ">
(2)
روح المعاني (13/ 84 - 85). ') ">
(3)
تفسير السعدي ص 406. ') ">
مكة، {بِاللَّهِ} أي في إقرارهم بوجوده وخالقيته {إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} أي: بعبادتهم لغيره، وباتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا، وبقولهم باتخاذه تعالى ولدًا. سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا " (1)
ثم قال رحمه الله: " وبما ذكر يُعْلمُ أن لفظ الآية يتناول كل ما يصدق عليه مسمى الإيمان مع وجود مسمى الشرك، فأهل الشرك الأكبر ما يؤمن أكثرهم بأن الله هو الخالق إلا وهو مشرك به، بما يتخذه من الشفعاء، وما يعبده من الأصنام. وكذا أهل الشرك الأصغر من المسلمين، كالرياء مثلاً ما يؤمن أحدهم بالله إلا وهو مشرك به، بذلك الشرك الخفيّ. وعلى هذا، فالشرك يجامع الإيمان، فإن الموصوف بهما مما تقدم، مؤمن فيما آمن به، ومشرك فيما أشرك به، والتسمية في الشريعة لله عز وجل ولرسوله، فلهما أن يوقعا أي اسم شاءا على أي مسمى شاءا. فكما أن الإيمان في اللغة التصديق، ثم أوقعه الله عز وجل في الشريعة على جميع الطاعات، واجتناب المعاصي، إذا قُصد بكل ذلك، من عمل أو تركٍ، وجهُ الله تعالى، كذلك الشرك نُقِلَ عَنْ شِرْكِ شيء مع آخر مطلقًا، إلى الشرك في عبادته تعالى، وفي خصائص ربوبيته "(2)
(1) تفسير القاسمي المسمى: محاسن التأويل (9/ 3604 - 3608). ') ">
(2)
المرجع السابق، (9/ 3608). ') ">
9 -
وقال الإمام الشنقيطي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ} صرح الله تعالى في هذه الآية الكريمة بأن الكفار يقرون بأنه جل وعلا هو ربهم الرازق المدبر للأمور المتصرف في ملكه بما يشاء.
وهو صريح في اعترافهم بربوبيته، ومع هذا أشركوا به جل وعلا.
والآيات الدالة على أن المشركين مقرون بربوبيته جل وعلا - ولم ينفعهم ذلك لإشراكهم معه في حقوقه جل وعلا - كثيرة كقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} . إلى غير ذلك من الآيات، ولذا قال تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} .
والآيات المذكورة صريحة في أن الاعتراف بربوبيته جل وعلا لا يكفي في الدخول في دين الإسلام إلا بتحقيق معنى لا إله إلا الله نفيًا وإثباتًا، وقد أوضحناه في سورة الفاتحة في الكلام على قوله تعالى:(إياك نعبد).
وأما تجاهل فرعون لعنه الله - لربوبيته جل وعلا في قوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} ، فإنه تجاهلُ عارفٍ؛ لأنه عبد
مربوب، كما دل عليه قوله تعالى:{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} ، وقوله:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}
ومن خلال ما سبق نصل إلى النتيجة أنه قد يجتمع في العبد إيمان ناقص وشرك، لكن هذا الإيمان بالربوبية وحده لا ينفع بل لا بد من الإيمان بالربوبية والألوهية وإفراد الله بالعبادة ولهذا صار وجود الشرك ينقض الإيمان والتصديق.