الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الله ثم الفرقة الأبدية بينهما إلا وقاية للمجتمع من كثرة القذف واسترخاص أعراض المسلمين وقطع الألسنة الخبيثة.
الوسيلة الخامسة: تطهير النفوس عن ظن السوء بالمؤمنين بفعل الفاحشة:
قال تعالى: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} . هذه الآية جاءت في سياق الآيات التي تحكي واقعة الإفك المبينة على سوء الظن والتسرع باتهام البريئين مما أرجفه أهل النفاق، وقد قررت الآيات إفك هذه الواقعة، وبراءة الصديقة عائشة رضي الله عنها زوج خير البرية وأزكاها صلى الله عليه وسلم، وطهارةَ بيت النبوة، وكذبَ القاذفين، وتعرضهم للعذاب الأليم، وقد سيقت هذه الآية بأسلوب العتاب من الله جل جلاله للمؤمنين والمؤمنات الذين ارتجفت أفئدتهم عند سماع خبر الإفك ولم يسارعوا من أول الأمر بتكذيبه وإبطاله، وكان الأجدر بهم أن يستفتوا أنفسهم وأن يسبق إلى خواطرهم الظن الحسن وألا يسارعوا إلى تهمة من عرفوا بالطهارة والعفاف، وأن الظن السيئ في المؤمنين واتهام البريئين سبب في إشاعة الفساد ونشر الرذيلة وشيوع الفاحشة (1)(2).
(1) انظر: جامع البيان لابن جرير (18/ 77).
(2)
انظر: جامع البيان لابن جرير (18/ 77). ') ">
و {وَلَوْلا} معناها هلَاّ، وهي حرف تحضيض، فإن وليها الفعل الماضي أفادت اللوم والتوبيخ (1).
وهو هنا {ظَنَّ} ، و {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} ظرف بمعنى وقت وهو متعلق بفعل الظن فقدم عليه، وذلك لقصد المبادرة إلى حسن الظن بمجرد السماع، وتأمل كيف التفت عن ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة، وعن المضمر إلى الظاهر، وذلك للمبالغة في التوبيخ والتشنيع، فمقتضى الظاهر أن يقال: ظننتم بأنفسكم خيرًا، كما أن التصريح بلفظ الإيمان يدل على أن الاشتراك في الإيمان يقتضي إحسان الظن والكف عن إساءته بإخوانه المؤمنين، وكل هذه الإشارات والإيحاءات قصد منها التحذير من الوقوع في هذا المنزلق الخطير، ومن ثم نشر الفاحشة بين المؤمنين (2).
والمراد بأنفسهم وجهان:
الأول: أنه على حقيقته ومعناه: هلا إذ سمع المؤمنون والمؤمنات هذه الفرية أن يقيسوا هذا الأمر على أنفسهم فإذا كان ذلك يبعد عليهم ولا يليق بهم حكموا بأنه في حق من هو خير منهم أبعد، فإذا تقرر هذا فألا يليق بأم المؤمنين الصديقة رضي الله عنها من باب أولى.
(1) انظر: التفسير الكبير (23/ 177)، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام (1/ 274). ') ">
(2)
انظر: الكشاف (3/ 218) التفسير الكبير، (23/ 177)، إرشاد العقل السليم (4/ 98). ') ">
الثاني: أي بإخوانهم وأهل دينهم، لأن المؤمنين كالجسد الواحد (1)، كقوله:{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ، وقوله:{وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} ، ثم إنه لم يُكتف بإنكار المنكر بالقلب، بل لا بد أن يكون لهم موقف للإنكار باللسان، فانتقل من لسان الحال إلى لسان المقال، {وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} ، والإفك: قلب الحقيقة وهو أسوأ الكذب وأقبحه (2)، ووصفه بالمبين لكونه بلغ الغاية في البيان والوضوح كأنه لقوة بيانه قد صار يبين غيره.
وخلاصة القول أن الآية أرشدت المؤمنين إلى تطهير النفوس من ظن السوء بإخوانهم بفعل الفاحشة وأن الواجب إحسان الظن بهم ودرء كل تهمة تسيء إليهم أو القدح في أعراضهم، وحذرت من خطورة الظن السيئ في أعراضهم المؤمنين واتهام البريئين الذين عرفوا بالطهارة من الفساد، وأن التساهل في هذا الأمر أو إلقاء التُّهم على الأعفاء دون يقين، وترك الخواطر تظن الظنون السيئة بدون دليل قاطع، كل ذلك يؤدي إلى نشر الرذيلة وإشاعة الفاحشة بين
(1) انظر: النكت والعيون للماوردي (4/ 80)، التفسير الكبير (23/ 177). ') ">
(2)
انظر: المفردات للراغب الأصفهاني ص (15). ') ">