الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: المشركون يدعون الله في الشدة ويشركون به في الرخاء:
بين الله تعالى بطلان الشرك، وتناقض المشركين بما يقع منهم في حال الشدة من إخلاص الدعاء لله تعالى وإخلاص الدين له عند ركوبهم البحر وتلاطم أمواجه واشتداد الكرب عليهم وخوفهم الهلاك، وحينئذٍ يتركون دعاء الأنداد والشركاء، ثم إذا نجاهم الله تعالى ورجعوا إلى البر عادوا إلى الشرك وعبادة الأنداد، قال تعالى:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} .
وهذا يدل على علمهم بأن آلهتهم لا تغني عنهم من الله شيئًا: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} ، ولكنهم قوم جاحدون لنعمة الله مستكبرون عن الانقياد لشرعه.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: " يخلصون الدعاء لله وحده لا شريك له، فلما زالت عنهم الشدة ونجاهم من أخلصوا له الدعاء إلى البر، أشركوا به من لا نجّاهم من شدة ولا أزال عنهم مشقة، فهلا أخلصوا لله الدعاء في حال الرخاء والشدة، واليسر والعسر، ليكونوا مؤمنين به حقًّا، مستحقين ثوابه، مندفعًا عنهم عقابه.
ولكن شركهم هذا بعد نعمتنا عليهم بالنجاة من البحر، ليكون عاقبته كفر ما آتيناهم، ومقابلة النعمة بالإساءة، وليكملوا تمتعهم في الدنيا الذي هو كتمتع الأنعام، ليس لهم همّ إلا بطونهم وفروجهم " (1)
ومثل هذه الآية قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} .
وغير ذلك من الآيات، وهي براهين قاطعة على إقرارهم بالربوبية ومعرفتهم بالله، ولكن هذه المعرفة والإقرار نقضوه بالشرك في عبادة الله تعالى.
(1) تفسير السعدي ص 635.
المطلب الثالث: المشركون يؤمنون ويقرون بأن الله هو منزل المطر ومحيي الأرض بعد موتها:
فهذا مما يستدل به على المشركين المكذبين بتوحيد العبادة ويلزمهم الإقرار بالألوهية، كما أثبتوا توحيد الربوبية، فلو سألتهم من خلق السماوات والأرض ومن نزل من السماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها ومن بيده تدبير جميع الأشياء ليقولن الله وحده ولاعترفوا بعجز الأوثان (1)(2)
وقال ابن جرير الطبري: " يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من خلق السماوات والأرض فسواهن، وسخَّر الشمس والقمر لعباده، يجريان دائبين لمصالح خلق الله؟ ليقولنّ الذي خلق ذلك وفَعَلَه: الله {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}، يقول جلّ ثناؤه: فأنّى يُصْرفون عمن صنع ذلك، فيعدلون عن إخلاص العبادة له "(3)
(1) انظر: تفسير السعدي ص 635.
(2)
انظر: تفسير السعدي ص 635. ') ">
(3)
تفسير ابن جرير (21/ 11). ') ">
وقال البغوي: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} ينكرون التوحيد مع إقرارهم أنه الخالق لهذه الأشياء " (1)
وقال ابن الجوزي: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} يعني كفار مكة، وكانوا يقرون بأنه الخالق والرازق، وإنما أمره أن يقول {الْحَمْدُ لِلَّهِ} على إقرارهم؛ لأن ذلك يلزمهم الحجة، فيوجب عليهم {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} توحيد الله مع إقرارهم بأنه الخالق، والمراد بالأكثر: الجميع " (2)
وقال القرطبي: {لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} أي فإذا أقررتم بذلك فلم تشركون به، وتنكرون الإعادة؟ " (3)
وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " يقول تعالى مقررًا أنه لا إله إلا هو، لأن المشركين الذين يعبدون معه غيره معترفون بأنه المستقل بخلق السماوات والأرض والشمس والقمر وتسخير الليل والنهار، وأنه الخالق الرازق لعباده، ومقدر آجالهم واختلافها واختلاف أرزاقهم، فإذا كان الأمر كذلك فلم يُعْبد غيره؟ ولم يُتَوكَّل على غيره؟ فكما أنه الواحد في ملكه؛ فليكن الواحد في عبادته. وكثيرًا ما يقرر
(1) تفسير البغوي (6/ 255). ') ">
(2)
زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (6/ 283). ') ">
(3)
الجامع لأحكام القرآن (13/ 361). ') ">