الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولى بالأعفَّاء وأقرب من الصلحاء
فعلى من كانت هذه حاله أن يستعفف وأن يضبط نفسه من الوقوع في الفاحشة وأن يراقب الله جل جلاله في أحواله ويحمل نفسه الأمارة بالسوء ويعزفها من الطموح إلى كل شهوة فلا يكون أسيرًا لشهوات نفسه ولذَّاتها، بل ينتظر الفرج إلى أن يرزقه الله جل جلاله.
الوسيلة الخامسة عشرة: النهي عن البغاء:
لما أمر الله عز وجل بالنكاح وحض عليه ورغب فيه، بل أمر كلَّ فردٍ من المؤمنين حرًا كان أو عبدًا، ذكرًا كان أو أنثى، وذلك ليتطهر المجتمع من كل رذيلة ويسلم من شيوع الفاحشة ويقضى على الفساد والانحلال والفجور، وليكون الزواج هو السبيل الطاهر الذي يقع فيه الاستغناء بالحلال عن الحرام، جاء النهي في هذه الآية عن البغاء لسد جميع السبل المفضية إلى الوقوع في الفاحشة، واجتثاثها من المجتمع المسلم، وذلك أن وجود البغاء وانتشار دور الدعارة
والفساد يدفع الكثيرين لممارسة الزنى وانتشار الفاحشة والعزوف عن الزواج الطاهر وتحقق العفاف المأمور به في أول الآية (1)(2)
والبغاء هو زنى المرأة بأجرة، مشتق من البغي بمعنى الطلب، وسمي بذلك ليفرق بينه وبين الزنى الذي يكون بسبب علاقة الشهوة ونحوها (3)
وقد جاءت الآية بأسلوب التنديد والتهديد لمن يكره أمة على الزنى ويمهِّد لها ارتكاب هذه الجريمة، إذ الأصل أن يحصنها سيدها ويمنعها من الفجور، لا أن يدعوها إلى عمل الفاحشة وهي تأبى ذلك وتريد العفاف والطهارة، فهذا منتهى الخسة والدناءة (4)
ووصف الإماء بالفتيات، إما لتكريمهن في مقابلة طلب العفة والطهارة، وإما لأن صدوره من الفتيات هو المتوقع دون العجائز (5)
وفائدة مجيء الشرط في قوله: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} ، زيادة التشنيع والتقبيح على السيد في ارتكاب هذه الجريمة وهي إلجاء أمته المتعففة على الفجور، ولذا قيل: إن الشرط خرج مخرج الغالب، أي
(1) انظر: التفسير الكبير (23/ 220)، فتح القدير (4/ 29).
(2)
انظر: التفسير الكبير (23/ 220)، فتح القدير (4/ 29). ') ">
(3)
انظر: لسان العرب (14/ 77)، سورة النور دراسة وتحليل، السامرائي (ص 369). ') ">
(4)
انظر: إرشاد العقل السليم (4/ 115)، روائع البيان (2/ 183). ') ">
(5)
انظر: البحر المحيط (6/ 452)، نظم الدرر (13/ 269). ') ">
أن إرادة التحصن هو الغالب عليهن، ولا يفهم منه عدم النهي عن الإكراه على البغاء إذا انتفت إرادتهن التحصن، وفائدة مجيء المصدر بصيغة التفعُّل وذكر الإرادة بيان أن ذلك لا يكون إلا عن عفة بالغة، ومما يزيد ذلك الفعل شناعة وقبحًا ذكر علة التزام هذا العار في قوله:{لِتَبْتَغُوا} ، أي: تطلبوا طلبًا حثيثًا، وبرغبة قوية بإكراههن على فعل الفاحشة والكسب الخبيث، ووصف الكسب بأنه {عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، إشارة إلى حقارته، فإن العرض متحقق فيه الزوال (1)
وقوله: {وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، يفيد أنه حكم متعلق بالمستقبل، لأنه مضارع في حيِّز الشرط، كما أن الجملة تفيد عذر المكرهات على البغاء والعفو عن إكراههن، كما أنها تفيد تعريض الذين يُكرِهون الإماء على البغاء بالوعيد
وفي تحريم البغاء يتضح لنا منهج القرآن الكريم في تطهير المجتمع المسلم من كل رذيلة، والمحافظة عليه من شيوع الفاحشة، وإغلاق السبل النتنة للتصريف الجنسي واجتثاثها من المجتمع المسلم، والقضاء على الفساد والانحلال والفجور بكل صوره، وأن الطريق السليم الطاهر هو الزواج ففيه يقع الاستغناء بالحلال عن
(1) انظر: نظم الدرر (13/ 269)، التحرير والتنوير (18/ 227)، روائع البيان (2/ 183). ') ">