الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دخلت عليه من التبعيضية، وذلك لأن الفرج لا يباح في حالة من الأحوال، وأما النظر فإنه يباح في بعض الأحوال لحاجة كما تقدم، فتبين مما تقدم أن الله عز وجل أمر بحفظ الفروج عن الحرام ومقدماته لأن حفظه والمحافظة عليه من أقوى أسباب السلامة من الوقوع في الفاحشة والبعد عن الفساد والانحلال والفجور، وأن التساهل فيه ذريعة إلى الوقوع في الفاحشة، وسبب الفساد والفجور، ومتى حافظ المسلم عليه والتزم به كان ذلك سببًا واقيًا في صيانة المجتمعات المسلمة من هذا الوباء الخطير.
الوسيلة الحادية عشرة: تحريم إبداء المرأة زينتها للأجانب:
قال تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} ، هذا الأمر خص النساء دون الرجال بعد أن كرر عليهن الأمر بغض البصر وحفظ الفرج، وهو النهي عن إبداء المرأة زينتها للرجال الأجانب، والمراد بالزينة: الزينة الخَلْقية والزينة المكتسبة، فالخلقية معظم جسد المرأة وخاصة
الوجه واليدين والساقين والشعر والنحر والصدر، والمكتسبة ما تتزين به المرأة عادة من الثياب والحلي والكحل والخضاب ونحوه (1)(2).
وقوله: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، أي: مما لا يمكن إخفاؤه كالرداء، أو ظهر من غير قصد منهنَّ، كأن ينكشف الثوب قليلاً بفعل الرياح.
قال ابن كثير في تفسير الآية: (أي: لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب، إلا ما لا يمكن إخفاؤه، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: كالرداء والثياب، يعني: على ما كان يتعاطاه نساء العرب، من المقنعة التي تجلل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه؛ لأن هذا لا يمكن إخفاؤه) اهـ (3)
هذا هو الصحيح من قولي أهل التفسير في المراد بالمستثنى من الآية (4) لأنه لا يكون معنى ظهر ما يظهره الإنسان ففرق بين أن يظهر
(1) انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/ 1368).
(2)
انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/ 1368). ') ">
(3)
تفسير القرآن العظيم (6/ 45)، وابن كثير: إسماعيل بن عمر الدمشقي، كان مفسرًا محدثًا مؤرخًا، توفي سنة (774هـ)، انظر: طبقات المفسرين للداودي (1/ 111)، البدر الطالع للشوكاني (1/ 153)، وابن مسعود: عبد الله بن غافل الهذلي رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام توفي سنة (32)، انظر: الاستيعاب (2/ 308)، الإصابة (2/ 360).
(4)
الرأي الثاني أن المراد به الوجه والكفان وهو مروي عن ابن عباس وأصحابه، انظر: جامع البيان (18/ 92)، معالم التنزيل (3/ 133)، الجامع لأحكام القرآن (12/ 152).
الشيء بنفسه وأن يظهره الإنسان بقصده، ولأن الآية تنهى عن إبداء الزينة التي هي سبب الفتنة والوقوع في الفاحشة فكيف يُرخص في إظهار أصل الزينة والجمال وهو الوجه والكفان ونحوهما، ورؤيتهما من أعظم أسباب الفتنة، فالتوسع في إظهار هذه الرخصة إلى حد إظهارها عمدًا مخالف لأدلة الشرع ومقاصده، قال تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} ، فأوجب عز وجل الحجاب وأمر به وبين العلة وهي أنه أطهر للقلب وأبعد عن الريبة وأسلم من الشر.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} ، وهو أمر عام لنساء المؤمنين بالحجاب والستر مع بيان الحكمة لذلك، وهو وجود أذية، إن لم يحتجبن؛ لأنه ربما ظن أنهن غير عفيفات فيتعرض لهن من في قلبه مرض فيؤذيهن، وربما استهين بهن وظن أنهن إماء، فتهاون بهن من يريد الشر. فالاحتجاب حاسم لمطامع الطامعين فيهن (1)
ولما نهى عن إبداء الزينة أرشد إلى كيفية إخفاء مواضع الزينة
(1) انظر: تيسير الكريم الرحمن (ص671)، تفسير سورة النور للمودودي (ص159). ') ">
فأمر بضرب الخُمُر على الجيوب فقال: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} ، وهو أن يسدلن جلابيبهن وأرديتهن على رؤوسهن ووجوههن وصدورهن، والجُيُوب جمع جيب بفتح الجيم وهو طوق القميص مما يلي الرقبة.
وأصل الضرب تمكين الوضع، أي: ليشددن وضع الخمر على الجيوب بحيث لا يظهر من الجسد شيء كضرب الخيمة في المكان، وهذا يفيد كمال الاستتار والاحتجاب.
والباء في قوله تعالى: {بِخُمُرِهِنَّ} ، للإلصاق، مبالغة في إحكام وضع الخمر على الجيوب زيادة على المبالغة المستفادة من فعل الضرب (1)
وإذا كانت المرأة المسلمة مأمورة أن تضرب بخمارها على جيبها لستر نحرها وصدرها فإنها مأمورة بستر وجهها من باب أولى، لأنه أصل الزينة والجمال.
ثم كرر النهي عن إبداء الزينة زيادة في التقرير والتأكيد على أهمية التستر والاحتجاب عن الرجال الأجانب، وليترتب عليه من يحل لهم الإبداء، فاستثنى من ذلك اثنتي عشرة صورة يجوز أن تبدي المرأة زينتها لهم، وذلك لانتفاء العلة وهي خشية الفتنة، ولأن الشهوة
(1) انظر: البحر المحيط (6/ 448)، إرشاد العقل السليم (4/ 110)، التحرير والتنوير (18/ 208). ') ">
في هؤلاء لا تتحرك عند رؤيتهم، ولرفع الحرج عن المرأة في إخفاء زينتها، وعن هؤلاء لكثرة الدخول والمخالطة (1) وقد بدأت الآية بالأزواج، لأنهم المقصودون بالزِينة ولهم أن ينظروا إلى جميع بدنهن، وسمي الزوج بعلاً لأنه سائس المرأة والقائم عليها (2) ثم ثنَّت بالمحارم مرتبين بحسب ما في نفوس البشر، بدءًا بالآباء وإن علوا من جهة الأب أو الأم، ثم آباء الأزواج وإن علوا من جهة الأب أو الأم، ثم الأبناء وإن نزلوا وأبناء الأزواج وإن نزلوا، ثم الإخوة سواءً كانوا أشقاء أو لأب أو لأم، لإطلاق الآية، وكذا بنوهم وإن نزلوا وبنوا الأخوات من أي جهة، وإن نزلوا، هؤلاء كلهم من المحارم.
(وإنما استعمل " بني " دون أبناء لأنه أوفق بالعموم وأكثر استعمالاً في الجماعة ينتمون إلى شخص مع عدم اتحاد صنف قرابتهم فيما بينهم، فكثيرًا ما تسمع بني آدم وبني تميم، وقلما تسمع أبناء آدم وأبناء تميم)(3) ولم تذكر الآية الأعمام والأخوال لأنهم بمنزلة الآباء، وقد سُمِّي العم أبًا كما في قوله تعالى:{قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ،
(1) انظر: الكشاف (3/ 231)، التحرير والتنوير (18/ 208). ') ">
(2)
انظر: المفردات (ص 52). ') ">
(3)
روح المعاني (18/ 142). ') ">
وإسماعيل كان عمًا ليعقوب عليهما السلام.
وأما بقية من استثنوا في الآية فهم النساء والمماليك والتابعون غير أولي الإربة والأطفال، فللمرأة أن تبرز لهؤلاء بزينتها أمامهم، لكن ما وجه الإضافة في قوله:{أَوْ نِسَائِهِنَّ} ؟
والجواب عليه: أن المراد بذلك النساء المختصات بالصحبة والخدمة والتعارف والثقة والأمانة سواء أكن مسلمات أو غير مسلمات، أما الأجنبية التي لا يعرف عنها شيء أو عرفت بالفسق ولا حياء عندها فهذه ينبغي ألا تظهر المرأة أمامها المسلمة بكامل زينتها (1) وأما المماليك فللمرأة أن تبرز لمن تملكه ملك يمين ذكرًا كان أو أنثى وذلك لكثرة الخلطة والدخول في قضاء الحوائج وفي هذا رفع للحرج والمشقة (2)
وأما التابعون غير أولي الإربة من الرجال فللمرأة أن تبرز لهم، لكن بشرطين: الأول: التبعية بأن يكون تابعًا كالخادم والأجير،
(1) وأكثر المفسرين على أن الإضافة تقتضي تخصيص المؤمنات دون غيرهم، انظر: الكشاف (3/ 231)، تفسير القرآن العظيم (6/ 47)، تفسير سورة النور للمودودي (ص166).
(2)
وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بهم الإماء خاصة، انظر: جامع البيان (18/ 95)، الجامع لأحكام القرآن (12/ 155)، تفسير القرآن العظيم (6/ 48).
والثاني: ألا تكون لديه إربة وهي الرغبة في النساء كالعنين والمعتوه والشيخ الكبير ونحوه، ولا يدخل في هذا الخدم والسائقون ممن فيهم شهوة أو ميل للنساء وإن كانوا من التابعين (1)
وأما الأطفال الذين لا تثيرهم مفاتن المرأة ولا زينتها، ولا وجدت فيهم الشهوة بعدُ فللمرأة أن تبدي زينتها أمامهم، فإن كان مميزًا عارفًا ما للنساء وجب على المرأة أن تستتر منه، لأنه يظهر على عورات النساء (2)
وأخيرًا نلحظ أن هؤلاء المستثنين في جواز إبداء المرأة زينتها لهم قد جاؤوا على مراتب حسب الأولوية فأولهم: الزوج فلها أن تبرز بكامل زينتها، بل يحل له منها كل شيء، والثاني: المحارم وهم الآباء وآباء الزوج والأعمام والأخوال والأبناء وأبناء الزوج والإخوة وأبناؤهم وأبناء الأخوات، ولهم أن ينظروا إلى ما يظهر عادة كالوجه واليدين والشعر والنحر والساعدين والساقين، ويدخل في ذلك نساء المرأة المختصات بها الثقات دون غيرهن، والثالث: المماليك والتابعون غير أولي الإربة، فلا بأس بكشف الوجه واليدين أمامهم، والله أعلم
(1) انظر: تيسير الكريم الرحمن (ص 566)، التحرير والتنوير (18/ 211)، تفسير سورة النور للمودودي (ص 169). ') ">
(2)
انظر: تيسير الكريم الرحمن (ص 566). ') ">