الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية، وقد كان المشركون يعترفون بذلك كما كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك "
المطلب الرابع: المشركون يؤمنون ويقرون بأن الله هو رب العالمين ومع ذلك يتخذون الأنداد:
ذكر الله تعالى عن المشركين أنهم يسوّون بين رب العالمين والآلهة المخلوقة في العبادة والمحبة والخوف والرجاء. ثم يوم القيامة يتبين لهم حينئذ ضلالهم. قال تعالى عنهم: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: " وأقرّوا بعدل الله في عقوبتهم، وأنها في محلها وهم لم يسووهم برب العالمين إلا في العبادة، لا في الخلق؛ بدليل قولهم {بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} إنهم مقرّون أن الله رب العالمين كلهم، الذين من جملتهم أصنامهم وأوثانهم "(1)(2) فالله خلق السماوات والأرض وهذا يدل على كمال قدرة الله وسعة علمه وانفراده بالخلق وتدبيره، فهو المستحق وحده للعبادة
(1) تفسير السعدي ص 593.
(2)
تفسير السعدي ص 593. ') ">
وإخلاص الدين، ومع هذا فالمشركون يسوون بينه وبين خلقه، قال تعالى:{ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} ، أي: يعدلون به سواه، يسوونهم به في العبادة والتعظيم مع أنهم لم يساووا الله في شيء من الكمال، وهم فقراء عاجزون ناقصون من كل وجه "
بل عند التأمل في وصف الله تعالى لهم بـ (المشركين)، و (الذين أشركوا)، و (يشركون) ونحو ذلك يدل على أنهم يؤمنون بالله، ولكنهم يشركون معه غيره، إذ هذا هو معنى الشرك.
المطلب الخامس: المشركون يتقربون إلى الآلهة ويعبدونها لكي تشفع لهم عند الله:
أمر الله تعالى بالتوحيد والإخلاص، ونهى عن الشرك، وذم المشركين في دعواهم أنهم عبدوا الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى، قال تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: " أي لترفع حوائجنا لله وتشفع لنا عنده، وإلاّ فنحن نعلم أنها لا تخلق ولا ترزق ولا تملك من الأمر
شيئًا، أي: فهؤلاء قد تركوا ما أمر الله به من الإخلاص، وتجرؤوا على أعظم المحرمات، وهو الشرك، وقاسوا الذي ليس كمثله شيء، الملك العظيم بالملوك، وزعموا بعقولهم الفاسدة ورأيهم السقيم، أن الملوك كما أنه لا يوصل إليهم إلا بوجهاء وشفعاء ووزراء يرفعون إليهم حوائج رعاياهم ويستعطفونهم عليهم، ويمدون لهم الأمر في ذلك؛ أن الله تعالى كذلك، وهذا القياس من أفسد الأقيسة، وهو يتضمن التسوية بين الخالق والمخلوق مع ثبوت الفرق العظيم عقلاً ونقلاً وفطرة، فإن الملوك إنما احتاجوا للوساطة بينهم وبين رعاياهم، لأنهم لا يعلمون أحوالهم فيحتاج من يعلمهم بأحوالهم، وربما لا يكون في قلوبهم رحمة لصاحب الحاجة، فيحتاج من يُعطّفهم عليه ويسترحمهم له، ويحتاجون إلى الشفعاء والوزراء، ويخافون منهم فيقضون حوائج من توسطوا لهم مراعاة لهم، ومداراة لخواطرهم وهم أيضًا فقراء، وقد يمنعون لما يخشون من الفقر، وأما الرب تعالى فهو الذي أحاط علمه بظواهر الأمور وبواطنها الذي لا يحتاج من يخبره بأحوال رعيته وعباده وهو تعالى أرحم الراحمين، وأجود الأجودين لا يحتاج إلى أحد من خلقه يجعله راحمًا لعباده، بل هو أرحم بهم من أنفسهم ووالديهم، وهو الذي يحثهم ويدعوهم إلى الأسباب التي ينالون بها رحمته، وهو يريد من مصالحهم ما لا
يريدونه لأنفسهم.
وهو الغني الذي له الغنى التام المطلق الذي لو اجتمع الخلق من أولهم وآخرهم في صعيد واحد فسألوه، فأعطى كلاًّ منهم ما سأل وتمنى، لم ينقصوا غناه شيئًا، ولم ينقصوا مما عنده إلاّ كما ينقص البحر ذا غمس فيه المخيط. وجميع الشفعاء يخافونه فلا يشفع منهم أحد إلاّ بإذنه، وله الشفاعة كلها، فبهذه الفروق يعلم جهل المشركين به، وسفههم العظيم، وشدة جراءتهم عليه ويعلم أيضًا الحكمة في كون الشرك لا يغفره الله تعالى، لأنه يتضمن القدح في الله تعالى " (1)(2).
قال ابن كثير رحمه الله: " ينكر تعالى على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره، ظانين أن تلك الآلهة تنفعهم شفاعتها عند الله فأخبر تعالى أنها: لا تنفع ولا تضر ولا تملك شيئًا، ولا يقع شيء
(1) تفسير السعدي ص 718.
(2)
تفسير السعدي ص 718. ') ">
مما يزعمون فيها، ولا يكون هذا أبدًا ولهذا قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} ثم أخبر تعالى أن هذا الشرك حادث في الناس كائن بعد أن لم يكن، وأن الناس كلهم كانوا على دين واحد، وهو الإسلام قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام، ثم وقع الاختلاف بين الناس، وعُبدت الأصنام والأنداد والأوثان، فبعث الله الرسل بآياته وبيناته وحججه البالغة وبراهينه الدامغة {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}
المطلب السادس: المشركون في الأمم السابقة لم يردوا على أنبيائهم ورسلهم بعدم الاعتراف بالربوبية:
إن في قصص الأنبياء التي قصها الله عز وجل في القرآن ودعوتهم أقوامهم إلى توحيد الألوهية دليلاً على إقرار أولئك المدعوين بالربوبية؛ ولذلك لم يرد المشركون على الرسل بأنهم لا يعرفون الله، ولا يعترفون بربوبيته، بل رَدُّوا عليهم بأنهم لا يريدون إخلاص العبادة له، قال تعالى:{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ}
وكذلك بقية الرسل لما دعوا قومهم إلى التوحيد ردوا على رسلهم فقالوا: {أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} ، وقالوا:{قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} ، وقال الكفار لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ} أي: كيف ينهى عن اتخاذ الشركاء والأنداد، ويأمر بإخلاص العبادة لله وحده " (1)(2)
وكذلك المشركون من قوم صالح يؤمنون بربوبية الله ويقرون
(1) تفسير السعدي ص 710.
(2)
تفسير السعدي ص 710. ') ">