الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب.
قالت عائشة رضي الله عنها: كنت آكل مع رسول الله حيسًا في قُعْبٍ - قبل فرض الحجاب – فمرّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فدعاه فأكل، فأصابت أصبعه أصبعي – وقت الأكل ليلاً – فقال: حسن أو أوّه، لو أُطاعُ فيكنّ، ما رأتكُنّ عين فنزل الحجاب:{ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} أي هذا الذي شرعته لكم وأمرتكم به من الحجاب أطهر وأطيب
فعمر رضي الله عنه فيه غيرة على المحارم، وكل رجل مسلم لديه غيرة على محارمه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، قال في حكاية سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه:«أتعجبون من غيرة سعد فأنا أشد غيرة منه، والله سبحانه أشد غيرة» (1).
(1) مسند الإمام أحمد رواه المغيرة بن شعبة (ج 4/ 248).
الاحتشام تقتضيه الفطرة:
يأتي بعض طلبة العلم – وفقهم الله لكل خير – ليفتحوا بابًا من أبواب الفتنة في المجتمع الإسلامي، بحماستهم باسم التوسيع، وكتاباتهم بالدعوة إلى سفور المرأة، وأن وجهها ليس بعورة .. محتجين بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، عندما دخلت على أختها عائشة والنبي حاضر، وكانت كاشفة وجهها وعليها ثياب رقاق، فقال: «يا أسماء: إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن
يرى فيها إلا هذا وهذا» (1) وأشار إلى وجهه ويديه.
فقد تتبع الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله – هذا الحديث وبان له ضعفه، وأن لا يحتج به، لثلاث علل منها الجهالة، وأن خالد بن دريك راوي الحديث عن عائشة لم يدرك عائشة، ليصبح فيه انقطاع (2)
ولكثرة الحملات التي تتكرر بدون كلل ولا ملل من أصحابها، ومن نقل لآرائهم بالرغبة أن تخلع المرأة المسلمة حجابها الشرعي، الذي هو رمز حشمتها وجمال وقارها وحيائها واعتدادها بدينها، لتقف عزيزة أمام أعداء المرأة المسلمة، في حفاظها على دينها واعتدادها بتعاليمه .. فإننا نرى من المناسب الاستئناس بتعليلات واحد من علماء الدولة العثمانية، في تركيا – حاليًا- على ما تقتضيه الحشمة عند المرأة المسلمة وفطرتها التي فطرها الله عليها، لما فيه من دلالة الحياء والشخصية الإسلامية المتميزة، إنه الشيخ: نور الدين النّورسي، ولمكانته وعلمه وقد ألف في فضائل الإسلام، ومن الفائدة في هذا الموضوع، الوقوف معه في كتابه: الاحتشام تقتضيه الفطرة، لنأخذ مقطعًا يقول فيه على الآية (59) من سورة الأحزاب.
هذه الآية تأمر بالحشمة والتستر، بينما تذهب المدنية الزائفة إلى خلاف هذا الحكم الرّباني، فلا ترى الحشمة والتستر أمرًا فطريًّا
(1) سنن أبو داود اللباس (4104).
(2)
تراجع رسالته الصغيرة عن حجاب المرأة، ويراجع كتاب التحقيق والإيضاح لحكم حجاب المرأة المسلمة للشيخ: أحمد الدويش، الطبعة الأولى (ص 82).
للنساء، بل تعده: أسرًا وقيدًا لهن .. ولذا سنبين جوابًا في حِكْمَتين فقط، من بين حِكَمٍ غريزية دالّة على كون هذا الحكم القرآني، تقتضيه فطرة النساء، وخلافه غير فطريّ.
الحكمة الأولى: أن الاحتشام والتستر أمر فطري تقتضيه فطرتهن، لأنّ النساء بصفة عامة خُلِقْنَ على الرقة والضعف، فيجدن في أنفسهن حاجة إلى رجل، يقوم بحمايتهن وحماية أولادهن، الذين يؤثرون على أنفسهم، فهن مسوقات فطريًّا نحو تحبيب أنفسهن للآخرين، وعدم جلب نفرتهم، وتجنب جفائهم واستثقالهم.
ثم إنّ ما يقرب من سبعة أعشار النساء: إما متقدمات في السن، أو دميمات لا يرغبن في إظهار شينهن، أو دمامتهن، أو أنهن يحملن غيرة شديدة في ذواتهن، يخشين أن تفضّل عليهن ذوات الحسن والجمال، أو أنهن يتوجّسن خيفة من التجاوز عليهن، ويعرضهنّ للتّهم.
فهؤلاء يرغبن فطرة في التحفظ والتستر، حذرًا من التعرض والتجاوز عليهن، وتجنبًا من أن يكُنّ موضع تهمة في نظر أزواجهن، بل نجد أن المسنّات أحرص على التستر من غيرهن.
وربما لا تتجاوز الاثنتين أو الثلاث، من كل عشرٍ من النساء: هنّ شابات وحسناوات، لا يخجلن من إبراز حسنهن، ولا يتضايقن من إبداء مفاتنهن، وهؤلاء لسن بحجة إذ من المعلوم أن الإنسان يتضايق من نظرات من لا يحبه، وحتى لو فرضنا أن حسناء جميلة
ترغب في أن يراها اثنان أو ثلاثة، من غير المحارم، فهي حتمًا تستثقل وتنزعج من نظرات سبعة أو ثمانية بل تنفر منها.
فالمرأة لكونها رقيقة الطبع سريعة التأثر تنفر حتمًا – ما لم تفسد أخلاقها – من نظرات خبيثة، تصوّب نحوها، والتي لها تأثير ماديّ كالسم – كما هو مجرب – حتى إننا نسمع: أن كثيرًا من نساء أوروبا – وهنّ موطن التكشف والتبرج – يشكين إلى الشرطة من ملاحقة النظرات إليهنّ، قائلات: إن هؤلاء السّفلة يزعجوننا في سجن نظراتهم، فيلجأن إلى الشرطة وهذا مشاهد محسوس.
نلخّص ممّا تقدم: أن رفع المدنية السفيهة للتستر، وإفساح المجال للمرأة بالتبرج، والسفور إنما هو أمر يناقض الفطرة الإنسانية، وأنّ أمر الله سبحانه في القرآن الكريم، بالاحتشام والتستر، فضلاً عن كونه فطريًّا، يصون النساء من المهانة والسقوط، ومن الذلة والأسر المعنويّ، ومن الرذيلة والسّفالة، وهن معدن الرأفة والشفقة، والرفيقات الأمينات لأزواجهن في المستقبل.
والنساء – فضلاً عما ذكرناه – يحملن فطرتهنّ، تخوفًا من الرجال الأجانب، وهذا التخوف يقتضي فطرة التّحفظ، وعدم التكشف، إذ ربما تنغص لذة غير مشروعة لتسع دقائق، بتحمّل أذى حمل جنين لتسعة أشهر، ومن بعده القيام بتربية ولد لا حامٍ له، زهاء تسع سنين.
ولوقوع مثل هذه الاحتمالات بكثرة، تتخوف النساء فطرة، خوفًا
حقيقيًّا من غير المحارم (الأجانب) وتتجنبهم جبلة، فتنبهها خلقتها الضعيفة – تنبيهًا جادًّا – إلى التستر وتُدفع إلى ذلك، ليحول دون إثارة شهوة غير المحارم، وليمنع التّجاوز عليها، وتدلّها فطرتها على أن حجابها هو قلعتها الحصينة، وخندقها الأمين {فَلا يُؤْذَيْنَ} .
ولقد طرق أسماعنا أن صبّاغ أحذية، قد تعرض إلى زوج رجل ذي منصب دنيويّ كبير، كانت مكشوفة المفاتن، وراودها نهارًا جهارًا في قلب العاصمة (أنقرة)، أليس هذا الفعل الشنيع صفة قوية على وجود أولئك الذين لا يعرفون معنى الحياء، من أعداء العفة والفضيلة.
الحكمة الثانية: أن العلاقة الوثيقة والحبّ العميق بين الرجل والمرأة المسلمين، ليسا ناشئين عمّا تتطلّبه الحياة الدنيا، من حاجات فطرية فحسب، فالمرأة ليست صاحبة زوجها في حياة دنيوية وحدها، بل هي رفيقته في حياة أبدية خالدة أيضًا، فما دامت هي صاحبته في حياة باقية، فينبغي لها ألا تلفت نظر غير رفيقها الأبديّ، وصديقها الخالد، إلى مفاتنها وألاّ تزعجه، ولا تحمله على الغضب وسوء الظن والغيرة.
وحيث إن زوجها المؤمن – بحكم إيمانه – لا يحصر محبته لها في حياة دنيويّة فقط، ولا توليها محبة حيوانية قاصرة على وقت جمالها، وزمن حسنها، وإنما يكنّ لها حبًّا واحترامًا خالصين دائمين، حتى وقت شيخوختها، وزوال نضارتها وحسنها، بل يدومان إلى حياة خالدة أبدية بعد الموت.
فإزاء هذا لا بُد للمرأة أيضًا أن تخص زوجها وحده، بجمالها ومفاتنها وتقصر محبتها به، كما هو مقتضى الإنسانية، وإلا ستفتقد الكثير، ولا تكسب إلا القليل، ولذا جاء في الأثر:«إن الزوجين إذا دخلا الجنة تكون المرأة لزوجها الأول في الدنيا» (1) فمن حرصها على هذه الكرامة ستأخذ بالأسباب: عفافًا وحجابًا، ثم إن ما هو مطلوب شرعًا: أن الزوج كفؤ للمرأة.
وهذا يعني ملائمة الواحد للآخر ومماثلتهما وأهم ما في الكفاءة هذه هي: كفاءة الدين كما هو معلوم، فما أسعد ذلك الزوج الذي يلاحظ تديّن زوجته، ومحافظتها على شرائع الله والحجاب، ويقوم بتقليدها ليصبح ذا دين، فلا يفقد صاحبته الوفية، وكم هي محظوظة، تلك المرأة التي تلاحظ تدين زوجها، وتخشى أن تفرّط برفيق حياتها الأمين: في حياة خالدة فتتمسك بالإيمان والتقوى، علاوة على ما تحفل به من أجرٍ عند الله، وحسنات تسجل لها، كما رغّب في هذا العمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من الفطرة الحسنة، والويل كل الويل لذلك الرجل الذي ينغمس، على سفاهة تفقده الزوجة الطيبة الصالحة، ويا لتعاسة تلك المرأة التي لا تقلد زوجها التّقي الورع، فتخسر رفيقها الكريم الأبدي السعيد، والويل والثبور لذينك الزوجين
(1) رواه الإمام أحمد من حديث سمرة بن جندب (5/ 11)، ونصه (إذا أنكحت المرأة زوجين فهي للأول منهما).