الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واللام في قوله: {لِيُعْلَمَ} ، لام العاقبة أو الصيرورة، فيعلم أنها منهية عن الضرب بالأرجل أمام الرجال الأجانب مطلقًا، سواء قصدت إعلامهم وإثارة الفتنة عندهم أم لم تقصد، فإن عاقبة الضرب أن يعلم ما يخفين من الزينة فتقع الفتنة.
فعلم مما تقدم أن الآية تنهى عن كل ما من شأنه أن يثير المشاعر والغرائز، ويؤجج الفتن ويحرك الشهوات ويجعل من يسمع ذلك يسيء الظن بأن صاحب ذلك من أهل الفسوق والفساد، وهذا كله يدعو إلى الفتنة والإغراء، وهو ذريعة إلى الوقوع في الفاحشة، ومتى امتثلت المرأة المؤمنة ما أمر الله واجتنبت كل ما يثير الفتنة ويحرك الغرائز كالضرب بالأرجل أو الخضوع بالقول أو التعطر، أو لبس ما يلفت الأنظار كان ذلك سببًا واقيًا في صيانة المجتمعات المسلمة من المفاسد والفتن.
الوسيلة الثالثة عشرة: الحض على النكاح:
ما تقدم من أوامر ونواهٍ في غض البصر وحفظ الفرج وإخفاء
الزينة وغير ذلك كانت وسائل واقية من الوقوع في الفاحشة أو الاقتراب منها، وفي هذه الآية أعظم سبيل للوقاية من الوقوع في الزنى ودواعيه وهو النكاح، فهو السبيل لتحقيق الإحصان، والعصمة من الفاحشة ودواعيها، والبعد عن الآثام، والوسيلة السليمة لقضاء الشهوة وسكون دواعي الزنى، وهو خير سبيل لتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة، فلا كبت لهذا الميل الفطري، ولا إباحية، وإنما وسطية واعتدال، فأمر الله عز وجل بالنكاح في هذه الآية ورغب فيه وبين آثاره الحميدة (1)(2)
وقوله: {وَأَنْكِحُوا} ، أمر للأولياء والسادة بتزويج من لا زوج له من الرجال والنساء وبالتعاون معهم وتسهيل أمره وإزالة العقبات أمامهم، لأنه سبيل الإحصان والعفة.
والأمر يختلف وجوبًا واستحبابًا وإباحة حسب حالة المرء، فإن أمن على نفسه الوقوع في الزنى كان مباحًا أو مستحبًا، وإن خاف على نفسه العنت كان واجبًا حفاظًا على دينه سلامة من الوقوع في الحرام (3)
والأيامى جمع أيم، وهو كل من لا زوج له من الرجال والنساء، سواء تزوج ثم فارق أو لم يتزوج، والصالحون من العباد،
(1) انظر: البحر المحيط (6/ 450)، نظم الدرر (13/ 265).
(2)
انظر: البحر المحيط (6/ 450)، نظم الدرر (13/ 265). ') ">
(3)
انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/ 1377). ') ">
العبيد والإماء، بأن يكون صالحًا في دينه وخلقه، وصالحًا للزواج قادرًا على تحمل أعبائه (1)
والتقييد بهذا الوصف إشارة إلى قيمة التقوى والصلاح (واعتباره في الأرقاء لأن من لا صلاح له منهم بمعزل من أن يكون خليقًا بأن يعتني مولاه بشأنه ويشفق عليه ويتكلف في نظم مصالحه بما لا بد منه شرعًا وعادة من بذل المال والمنافع، بل ربما يحصل له ضرر منه بتزويجه فحقه أن يستبقيه عنده)(2)
وبعد ما حث عز وجل على النكاح وعد الراغبين فيه بالغنى، وأوضح أنه لا ينبغي أن يكون الفقر عائقًا عن الإقدام على الزواج فقال:{إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ، فمن سلك طريق الزواج وقصد إعفاف نفسه فإن الله تكفل له أن يكفيه مؤنته ويوسع عليه وييسر له أسباب الرزق، ولذا ختمت الآية بقوله:{وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} ، أي: واسع كثير الخير والعطاء، عليم بمن يستحق الغنى
وإنما حض عز وجل على النكاح ورغب فيه وأمر كل فردٍ حرًا كان أو عبدًا، ذكرًا كان أو أنثى ليتطهر المجتمع من كل رذيلة ويسلم من شيوع الفاحشة ويقضى على الفساد والانحلال والفجور، وليكون
(1) انظر: المفردات (ص 30)، وانظر: تيسير الكريم الرحمن (ص 567). ') ">
(2)
روح المعاني (18/ 148). ') ">