الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكانة المرأة في الإسلام
لمعالي الدكتور محمد بن سعد الشويعر
الحمد لله رب العالمين {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} ، القائل سبحانه:{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} ، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم، خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد الصادق الأمين، الذي مدحه ربه، بحسن الخلق، تقول عائشة رضي الله عنها:«كان خلقه القرآن. .» (1) وعلى آله وصحابته الكرام السابقين إلى الإسلام، الذين هم قدوة في العمل، حريصون على حسن الامتثال وأدب السؤال، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. وبعد:
فإن الشبهات وأساليب الجدل تترى على المسلمين، ممن يريدون للإسلام ولِعُرَاهُ انفصامًا، إذ لا يُرضي الحاقدين على الإسلام والراغبين لنوره أن ينطفئ، إلا أن يجذبوا أبناء المسلمين ونساءهم، إلى المنحدر الديني الذي وصلوا إليه: حسبما أبان الله عنهم في القرآن الكريم من حججهم وجدالهم.
(1) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (746)، سنن أبو داود الصلاة (1342)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 54)، سنن الدارمي الصلاة (1475).
فقد ابتعدوا عن أمر الله: عقيدة وعملاً، ومظاهر نسائية بعيدة عن الحشمة والوقار، فبذلوا جهدهم في صد المسلمين والمسلمات عن دينهم الحق: فكرًا وعملاً، وتقليدًا، الذين أكرمهم الله به، وجعل لهم الخيريّة في الأرض، ما داموا محافظين عليه؛ لأنه عصمةُ أمرهم، يقول جل وعلا:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} .
ويوضح سبحانه عما تكنه صدور الأعداء نحو شريعته الخالدة: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} ، ولكن المسلم والمسلمة، الذين وقر حُب هذا الدين في قلوبهم، لن يتراجعوا عنه إلى الكفر، أو اتباع دين اليهود أو النصارى، إلا أن هؤلاء ببعض الجهود والشبهات، يحاولون تخفيف مكانة الإسلام من القلوب: تساهلاً أو تقليدًا، أو بسبب من الأسباب، كما أخبر سبحانه عن ذلك بقوله الكريم:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} .
لكن الله حمى عباده المؤمنين من هذه المكيدة، ولا يستطيعون تحقيق ما يودّونه ضدهم: نساء ورجالاً، لما جعل الله من الحصانة المنيعة، التي أخبر عنها الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم بقوله عندما سئل: هل يعود المسلم للكفر؟ قال: «لا .. حتى يعود اللبن في الضرع» (1).
إلا أنهم يتسلّطون على النساء بالدعايات والمغريات، وطرح الشبهات حتى تنجذب المرأة إلى تخفيف الحجاب الشرعي، شيئًا فشيئًا ثم تنزعه، باعتبارها الجانب الأضعف على هذا المبدأ فبالشبهات والتّشكيك، وعرض الأمور الخلافية على أنها أحكام: تجرؤ بعض المسلمين على الفتوى .. بغير علم محقّق.
ويأتي من المشكلات التي تثار بين حين وآخر، بدون كلل ولا ملل: مشكلة حجاب المرأة الشرعي، الذي فهمه المسلمون في الصدر الأول وطبقوه، فثبت لديهم بأن الإسلام لم يظلم المرأة، لا بفرض الحجاب ولا بالأمور التي يطرحونها بين حين وحين، تردادًا مستمرًّا .. ويضربون على وتر أنها قضايا مهمة للمرأة المسلمة يجب معالجتها بحسب نظرهم هم، وبادعاء ظلم المرأة.
وقد تناول الشيخ عبد العظيم المطعني – رحمه الله – أستاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الموضوع عندما سئل – وهو في
(1) رواه الترمذي في فضائل الجهاد.
مرضه قبل أشهر من وفاته -: كيف ترى قضايا المرأة المسلمة الآن وهذا الصخب والضجيج المثار حولها؟ فأجاب: إن قضايا المرأة وقعت صيدًا سمينًا في أيدي العلمانيين والشيوعيين، وخصوم الإسلام وفي أيدي المؤتمرات العالمية الماسونية التي انحرفت عن جادة الطريق بقصد تخويف المرأة المسلمة من دينها.
وقد نجح الاحتلال مع الأسف الشديد في تكوين عملاء له في بلادنا، سواء في الأوساط الفنية، أو الأدبية، أو الإعلامية والسياسية .. والحمد لله تصدى لهم علماء أوفياء، كان لهم جهدهم المشكور المأجور، في هذا الميدان .. وخاصة في تثقيل حجابها الشرعي عليها – ولا يزالون -.
لقد اتخذ الاحتلال البريطاني ثم الفرنسي في القرن الماضي من المرأة وسيلة لهدم الإسلام، ولنشر العنوسة وتيسير الفساد (1)(2)
فالشبهات بأنواعها تتجدد كلما وجدت أذنًا صاغية أو لمس المروجون قلوبًا متفتحة لدعواتهم أو بانت للأدعياء ثغرات تعينهم على العبث والتضليل باسم المرأة وحجابها وعملها، وتقييد حريتها.
وسوف نعرض جزءًا من شبهاتهم ليعرف المسلم: ذكرًا أو أنثى، وسيلة من وسائلهم، وأسلوبًا من منهجهم في التضليل وتغيير الأمور.
(1) مجلة التبيان المصرية العدد (52)، تاريخ ذي القعدة عام 1429هـ (ص35).
(2)
مجلة التبيان المصرية العدد (52)، تاريخ ذي القعدة عام 1429هـ (ص35). ') ">
وهي حكمة: لقد أراد الله بأن يتصارع الحق والباطل، وللحق أعوانه، وللباطل أدعياء يؤلبون عليه، ويكررون ولا يسأمون يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(عجبت لأهل الحق، ونكوصهم عن حقهم ولأهل الباطل، وتعاونهم على باطلهم) ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد حذر من فتنة النساء، مخبرًا أنها فتنة بني إسرائيل فإن من الأمور المهمة إعانة المرأة المسلمة بما يساعدها على تخطي العقبات التي تثار، حتى لا تتعثر في مسيرتها، وفق ما رسم لها شرع الله الكريم من علاج وسلاح، يقوي عزيمتها حتى تهزم الأدعياء بما منحها الله من قوة الإيمان، الذي هو خير سلاح {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .
ومع الحرص على العفة والاحتشام يعينها الله على ما يريده الحاقدون: عليها وعلى دينها، حتى لا يجدوا استجابة تجرئ على الأمل، بشيء قليل من الاستجابة المعينة، على مباعدتها عن دينها شيئًا فشيئًا، بأساليب متعددة وغزو فكري، مقرون بالشهوات والإغراءات، فالنفس البشرية ضعيفة، إذا لم تعتصم بالله، وتتسلح بقوة الإيمان والعلم، والمرأة بحكم فطرتها التي فطرها الله عليها، عاطفية وسريعة
الانجذاب، بدليل ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع:«استوصوا بالنساء خيرًا» (1)، وقوله:«إنها خُلِقَتْ من ضلع أعوج» (2).
ونصيحته عليه الصلاة والسلام عندما توجه إليهن في ناحية المسجد، فقد وعظهنّ ونصحهن، وذكرهنّ بما أوجب الله عليهنّ، وأمرهنّ بالصدقة، وقال لهنّ:«ما رأيت من ناقصات عقل ودين» (3) إلى آخر الحديث
ولذا فإن النساء عليهن مسؤولية نحو أنفسهن، ونحو بناتهنّ، لكي ينشئَنهنّ على الالتزام بالحشمة والوقار، وتعود الحجاب في سن مبكرة، لأن من شب على شيء شاب عليه.
كما أن مسؤوليتهن حتى يتأسى بهنّ غيرهن: الالتزام وعن قناعة بالحجاب الشرعي، وتنمية هذا فيمن حولهن، وفق نصوص الآيات الكريمات في سورتي النور والأحزاب: عملاً وفهمًا؛ لأنها راعية في بيتها، ومسؤولة عن رعيتها (4) وعلى المرأة: أن تسترشد بالسؤال في أمور دينها، حتى لا تقع في المحظورات؛ لأنها مأمورة بذلك يقول سبحانه:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} .
(1) سنن الترمذي كتاب تفسير القرآن (3087)، سنن ابن ماجه كتاب النكاح (1851).
(2)
سنن الترمذي كتاب تفسير القرآن (3087)، سنن ابن ماجه كتاب النكاح (1851).
(3)
صحيح البخاري الحيض (304)، صحيح مسلم الإيمان (80).
(4)
من حديث رواه البخاري ومسلم، والترمذي وأبو داود، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جامع الأصول لابن الأثير تحقيق الأرناؤوط 4/ 50).
والمراد بأهل الذكر العلماء المتمكنون، فيما أعطاهم الله من علم، والمدركون للأمانة الحريصون على تأديتها على ما يحب الله، ولقد جاءت شريعة الله سبحانه للثقلين واضحة جلية، وبلسان عربي مبين، لا ريب فيها ولا امتراء، ولم يظلم سبحانه عباده، ولم يكلفهم بشرع لا يطيقونه.
فالله جلّتْ قدرته أبان عن الجنسين من بني آدم بقوله: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} ، بل خصّ بالعبادة الجميع، وحدد لكل جنس ما يتلاءم مع فطرته التي فُطِر عليها، والمهمة المناطة به في الحياة.
فلا الذكر يقوم بما هو من خصائص الإناث، كالحمل والولادة، والعاطفة وتربية الأولاد، وما يتعلّق بذلك مما هيأه الله في جسم المرأة دون الرجل، كالشكل والجاذبية واللين والرقة.
ومثل ذلك ما هو من خصوصيات الرجل: كالخشونة والجهاد والتحمل والقدرة على الكسب، وغير ذلك من الصعوبات .. فأصبح الطرفان كل منهما مكمّلاً للآخر، وما يترتب على ذلك من غيرة وألفة وستر واحتشام وحياء.
يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، مفتي عام المملكة: ضمن كلمة له موجزة عندما شارك في المعرض العاشر،
لوسائل الدعوة إلى سبحانه: (كن داعيًا) حيث جاء قوله: من يصف ديننا بأنه ظلم المرأة وسلبها حقها، فهو يردد دعوى يكذبها القرآن الكريم، والسنة المطهرة وإذا كان قد ظهرت أصوات نسائية تطالب بأن ترجع المرأة لوظيفتها الأساسية بالاستقرار في البيت لما وراء ذلك من مصالح عديدة للمرأة وللأسرة، وتربية الأولاد، مع الأخذ بتعاليم الإسلام، هذا في المجتمع الإسلامي، أما مطالبة نساء الغرب في الاستقرار في البيت وتحمل مسؤولية الأولاد، ورعاية البيت، فإنها قد أدركت ضرر إخراجها عن فطرتها بالتبرج، ومزاحمة الرجال في أعمالهم ومهماتهم، وما وراء ذلك من مصالح للمجتمع والأسرة لأن المهمة العودة لمملكتها الأساسية، البيت {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} .
ولقد بلغ الأمر في النقد عندهم، لتعبّر المرأة عن دورها المطلوب، بأن دعت إحدى الصحفيات في أمريكا قبل فترة من الزمن إلى أن الاحترام الحقيقي للمرأة، جاء في القرآن عند المسلمين، من مخاطبتها في التشريع إلى جانب الرجل، واستشهدت بآية من سورة الأحزاب:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} .
ثم تقول: ومجتمعنا الغربيّ، يدّعي أنه حفظ للمرأة حقوقها ورفع