الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فحكى الصاحب كمال الدين قال: «كتبت بما جرى كتابا إلى حلب، فجاء الأمر إلينا بالتوجه إلى حلب، فسرنا في الحال من غير توديع، حتى وصلنا إلى العبادى (1) ليلة الإثنين مستهل جمادى الأولى، من سنة خمس (2) وثلاثين وستمائة، فلحقنا المهمندار (3) من حماة بالخلع والتسفير، فلم نقبل منها شيئا وسرنا إلى حلب (4)» .
ذكر مسير السلطان الملك الكامل
إلى دمشق واستيلائه عليها وتعويضه
الملك الصالح عنها بعلبك
ولما بلغ السلطان الملك الكامل وفاة أخيه الملك الأشرف، سار إلى دمشق في عساكر مصر، ومعه الملك الناصر داود بن الملك المعظم، وهو لا يشك أن الملك الكامل إذا ملك دمشق يسلمها إليه لما كان قد تقرر بينه وبينه (5).
(1) يرجح سامى الدهان (زبدة الحلب من تاريخ حلب لابن العديم، ج 3 ص 235، حاشية 1) أن المقصود بها «العبادية» وهى من قرى المرج حول دمشق.
(2)
في المتن «خمسة» وهو تحريف.
(3)
المهمندار هو الذى يتصدى لتلقى الرسل وينزلهم دار الضيافة، ويتحدث في القيام بأمرهم، والكلمة مركبة من لفظين فارسيين؛ أحدهما مهمن ومعناه الضيف، والثانى دار ومعناه ممسك، أي ممسك الضيف أو المتصدى لأمره، انظر القلقشندى، صبح الأعشى، ج 5، ص 459؛ انظر أيضا ما سبق، ابن واصل، مفرج الكروب، ج 4، ص 247، حاشيه 2.
(4)
في ابن العديم «فلم نقبل منه شيئا» .
(5)
أي بين السلطان الملك الكامل وبين الملك الناصر داود، انظر أيضا المقريزى، السلوك، ج 1، ص 256.
وكان بقلعة عجلون نائب الملك الأشرف، فكاتبه الملك الناصر داود في تسليمها إليه على مال شرطه له، فسلّمها إليه فتسلمها نوابه. ولم ينكر الملك الكامل ذلك وأقره عليها.
ولما قرب الملك الكامل إلى دمشق دخل (1) إليها الأمير عز الدين أيبك المعظمى صاحب صرخد معاضدا للملك الصالح، وجاءت إلى دمشق نجدة حمص ونجدة حلب مقدمها ناصح الدين الفارسى. ووصل الملك الكامل ومعه الملك الناصر ونازلوا دمشق. وكان الملك الصالح قد استعد للحصار وهيأ أسبابه، فضايق الملك الكامل دمشق، وزحف إليها الملك الناصر داود من جهة العقيبة وباب توما، ووصل إلى قرب الأسوار، وكاد يملك البلد في ذلك اليوم. فلم يعجب الملك الكامل ذلك، وسيّر إليه من ردّه عن الزحف فرجع. وخرج الغد من يوم الزحف الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بالحراقة والنفاطين فأحرق العقيبة وما فيها من الخانات والأسواق والدور حتى جعلها قاعا صفصفا (2).
وبعث الملك المجاهد أسد الدين [صاحب حمص (3)] جماعة من الرجّالة يزيدون على خمسين رجلا نجدة لدمشق، فظفر بهم السلطان الملك الكامل فأمر بشنقهم جميعهم فشنقوا بين البساتين، ولم تكن هذه عادته وإنما كان محرجا (4) على صاحب حمص.
(1) في المتن «ودخل» .
(2)
عن حريق العقيبة وخرابها انظر، ابن أيبك، الدر المطلوب، ص 324؛ سبط ابن الجوزى، مرآة الزمان، ج 8، ص 474؛ المقريزى، السلوك، ج 1، ص 257.
(3)
ما بين الحاصرتين للتوضيح.
(4)
أي غاضبا على صاحب حمص، محرجا من الحرج وهو ضيق الصدر، انظر ابن منظور، لسان العرب ج 3، ص 57.
وفى مدة الحصار على دمشق سيّر الملك الكامل إلى السلطان الملك المظفر توقيّعا بسلمية، فتسلمها الملك المظفر وبعث نوابه إليها. وكان الحصار على دمشق في جمادى الأولى من هذه السنة في قوة الشتاء والبرد.
ولما اشتد الحصار على الملك الصالح أذعن بتسليم دمشق إلى أخيه الملك الكامل، على أن يعوض عن دمشق بعلبك والبقاع مضافا إلى بصرى والسّواد (1)، فأجابه الملك الكامل إلى ذلك. وكان المتوسط بينهما في تقرير قواعد الصلح الصاحب محيى الدين أبا المظفر يوسف بن الشيخ جمال الدين أبا الفرج بن الجوزى رسول الخليفة الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين. وكان قد ورد من الخليفة رسولا إلى الملوك ليوفق الأمر بينهم، ويزيل ما وقع من الاختلاف.
ولما تقرر ذلك، وحلف الملك الكامل لأخيه الملك الصالح، سلم الملك الصالح إلى أخيه الملك الكامل دمشق، وتوجه إلى بعلبك وتسلمها. ودخل السلطان الملك الكامل إلى قلعة دمشق وبين يديه ابن أخيه الملك الناصر بن الملك المعظم.
واستقر الملك الكامل بقلعة دمشق لأحد عشر ليلة بقيت من جمادى الأولى (2).
ونزل الملك الناصر داود بداره المعروفة بدار شامة داخل البلد.
ثم تقدم السلطان الملك الكامل إلى العسكر بالمسير إلى حمص لمنازلتها، فبرزت العساكر وتقدم السلطان الملك الكامل إلى السلطان الملك المظفر صاحب حماة
(1) في ابن العديم (زبدة الحلب ج 3، ص 235) وفى المقريزى، السلوك، ج 1، ص 257 «أبقى له بعلبك وبصرى وأخذ منه دمشق» .
(2)
كذا في المتن، وكذلك في ابن العديم (زبدة الحلب، ج 3، ص 235) الذى ذكر أن الكامل أخذ دمشق في تاسع عشر جمادى الأولى، بينما ذكر المقريزى (السلوك، ج 1، ص 257) أن السلطان الكامل تسلم دمشق في عاشر جمادى الأولى.