الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودخلت سنة إحدى وأربعين وستمائة
(*)
والسلطان الملك الصالح أيوب بالديار المصرية، وابن عمه (1) الملك الناصر داود، وعمه الملك الصالح عماد الدين إسماعيل، والملك المنصور صاحب حمص، والحلبيون متفقون على عداوته، وليس معه من أصحاب الأطراف إلا الملك المظفر صاحب حماه، وهو مريض بالفالج كما تقدم ذكره (2).
وفى هذه السنة سير الملك المظفر صاحب حماه القاضى [42 ب] شهاب الدين أبا اسحاق ابراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم رسولا إلى الخليفة المستعصم بالله، مهنئا له بالخلافة، ومعزيا بأبيه المستنصر بالله. ونفذ معه ثيابا طلسا برسم القبر، وألف دينار برسم الصدقة عنه، ومعه أيضا رسالة إلى الملك السعيد نجم الدين غازى ابن الملك المنصور أرتق صاحب ماردين، ورسالة إلى السلطان الملك الناصر صاحب حلب، ورسالة إلى بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل.
وتقدم إلى الملك المظفر بالمسير معه، فسافرنا من حماه مستهل المحرم. ومضينا إلى حلب، فأقمنا بها أياما، ثم مضينا إلى حران، ومنها إلى دنيسر. وبلغنا ونحن فيما بين رأس عين ودنيسر حركة التتر وقصدهم بلاد الروم. ثم صعدنا إلى ماردين وأقمنا بها يوما واحدا وقد قويت الأخبار بحركة التتر. ثم سرنا إلى نصيبين
(*) يوافق أولها 21 يونيه سنة 1243 ميلادية.
(1)
في المتن «عبد» والصيغة الصحيحة هى المثبتة.
(2)
انظر ما سبق، ص 306 - 307.
ووجدنا الخوارزمية، وهى بأيديهم مقيمين بها، وهم يظهرون طاعة السلطان الملك الصالح نجم الدين صاحب مصر. ثم وصلنا إلى الموصل ونزلنا بخانقاة على الشط، ووجدنا بالموصل محيى الدين بن الجوزى رسول الخليفة، وهو يريد التوجه إلى بلاد الروم رسولا إلى السلطان غياث الدين كيخسرو. وكان بدر الدين في تلك الأيام داخلا في طاعة التتر وهو منتم إليهم، ويهاديهم ويراسلهم. وكان بينه وبين الملك السعيد صاحب ماردين تنافر، فأخذ القاضى شهاب الدين في الإصلاح بينهما وذلك بتقدّم من مخدومه الملك المظفر إليه بذلك.
ثم توجهنا إلى بغداد في دجلة في ركوة (1) أعطانا إياها بدر الدين، وسارت الدواب في البر. وحين وصلنا تكريت طولع الديوان ببطاقة حمام بوصولنا.
ووصلنا إلى المزرفة (2)، فنزلنا بها حتى جاءنا من جهة الديوان من وصلنا معه على الظهر إلى بغداد، فغدو بنا إلى بغداد. وأمرنا بالنزول في جامع السلطان، حتى خرج الموكب [43 ا] لتلقينا. ودخلنا بغداد، فنزلنا بقراح (3) القاضى. وكان النائب في الوزارة بها رجلا يقال له نصير الدين، وهو شيخ فان مقعد، فأدى القاضى شهاب الدين الرسالة.
(1) الركوة زورق صغير من زوارق نهر دجلة استخدمها أهل العراق في العبور من شط إلى آخر، انظر، مسكويه، تجارب الأمم، ج 2، ص 93؛ ابن سيده، المخصص، ج 10، ص 26؛ درويش النخيلى، السفن الإسلامية، ص 52.
(2)
في المتن «المرزقة» وهو تحريف، وذكر ياقوت (معجم البلدان) أن المزرفة كانت «قرية كبيرة فوق بغداد على دجلة، بينها وبين بغداد ثلاثة فراسخ وإليها ينسب الرمان المزرفى» .
(3)
ذكر ابن منظور (لسان العرب، ج 3، ص 396) أن المقصود بالقراح «الأرض المخلصة لزرع أو لغرس، وقيل القراح المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر» .
ورجعنا بعد أن أقمنا شهرين. فلما وصلنا إلى الموصل اجتمعنا بصاحبها بدر الدين [لؤلؤ (1)]، فأخبرنا بأن التتر استظهروا على المسلمين ببلاد الروم وكسروهم، وأن غياث الدين صاحب البلاد انهزم إلى بعض المعاقل. فتوجهنا إلى نصيبين واجتمعنا بالأمير حسام الدين بركة خان، مقدم الخوارزمية وتحدثنا معه في معنى القيام بنصرة السلطان الملك الصالح نجم الدين، والمضى بالخوارزمية إلى خدمته ومعاضدته على أعدائه. فوعد بركة خان بذلك، وكان حديثه لنا بواسطة ترجمان بيننا وبينه. وعدنا إلى حماه فدخلناها في إحدى الجمادتين من هذه السنة. وسمعنا عند وصولنا إلى حلب ما جرى على المسلمين ببلاد الروم، ووجدنا خلقا من الجافلين من تلك البلاد.
واضطرب الشام لذلك اضطرابا كثيرا، ووجدنا بحلب القاضى أفضل الدين الخونجى، وكان قاضيا ببلاد الروم، وهو على عزم المضى إلى الديار المصرية.
ونظمت وأنا بحلب أبياتا، ذكرت فيها المنازل بين بغداد وحماة، وهى:
طواها سراها حين طال سفارها
…
وانحلها تهجيرها وابتكارها
وأتبعها جذب البرى وأذابها اش
…
تياق إلى أرض بعيد مزارها
وما باعث الأشواق نحو بلادها
…
سوى أهلها لا شيخها وعوارها
إذا لاح برق من حماة وأرضها
…
تضاعف بلواها وزاد أوارها
وتعرض عن ماء الفرات ودجلة
…
إذا ذكر العاصى ويبدو انكسارها
ولما أبيحت عزمة العود بعد ما
…
تطاول من شوق اليها انتظارها
تزحلق عن دار السلام طوالبا
…
بنا أرض وأنّا والأنين شعارها
(1) ما بين الحاصرتين للتوضيح.