الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما سمع ذلك الذين بغزة من عسكر الملك الصالح [47 ا] إسماعيل فارقوها راجعين إلى دمشق. ورحل الملك الناصر داود إلى الكرك فاعتصم به، وهربت الفرنج الذين كانوا بالقدس بعد استيلائهم عليه. وهجمت الخوارزمية القدس، وبذلوا السيف فيمن كان فيه من النصارى. ولم يبقوا على أحد منهم، وسبوا ذراريهم ونساءهم. ودخلوا كنيستهم المعروفة بقمامة، فهدموا المقبرة التي تعتقد النصارى أنها مقبرة المسيح عليه السلام، ونبشوا قبور النصارى وقبور ملوك الفرنج التي بالقمامة، وأحرقوا عظام الموتى، ثم وصلوا إلى غزه فنزلوا بها.
ووردت رسلهم إلى السلطان الملك الصالح يخبرونه بقدومهم لنصرته، ويطلبون منه تسبير العساكر اليهم ليحاربوا عمه الملك الصالح والملك المنصور صاحب حمص، ويأخذوا بلادهما له. فخلع الملك الصالح على رسلهم، وبعث الخلع والتحف للمقدمين منهم، واهتم في إنفاذ العساكر اليهم.
ذكر كسرة الملك المنصور صاحب حمص
وعسكر دمشق والكرك والفرنج على غزة
ولما قدمت الخوارزمية إلى غزة بعث الملك الصالح عسكرا إلى غزة. وقدّم عليهم الأمير ركن الدين بيبرس، وكان من أجلّ مماليكه وأخصهم به. وهو الذى ذكرنا أنه (1) كان معتقلا معه بالكرك. ثم تقدم الملك الصالح إلى الأمير حسام الدين أبى على بن محمد بن أبى على الهذبانى في أن يمضى بطائفة أخرى من العسكر ليكون مركزا (2) بنابلس. وكان حسام الدين لما وصل إلى الديار المصرية أقطعه الملك الصالح الخبز الذى كان بيد أسد الدين جغريل الكاملى، وهو أحد الأمراء
(1) انظر ما سبق، ص 240.
(2)
كذا في المتن وكذلك في ابن تغرى بردى، النجوم الزاهرة، ج 6، ص 323.
الذين قبض عليهم الملك الصالح، وأنزله بدار الملك (1) بمصر، ليكون قريبا منه، ويصل إلى خدمته في أكثر الأوقات لمنادمته ومجالسته والاستضاءة برأيه.
وتجهزت عساكر الملك الصالح من دمشق، وتقدم عليها الملك المنصور ابراهيم صاحب [47 ب] حمص، فإنه كانت له حروب مع الخوارزمية في الشرق كما ذكرنا (2)، وانتصر عليهم مرتين، وكان شهما مقداما. فرجا الملك الصالح إسماعيل أنه على يده يكون كسر الخوارزمية في هذه المرة ومن معهم من العساكر المصرية.
فرحل الملك المنصور بعسكره وعسكر دمشق. وقد ذكرنا دخوله إلى عكا واجتماعه بالفرنج (3) وطلبه المساعدة والمعاضدة وأن يحاربوا معه عسكر مصر. ووعدهم، على ما قيل والله أعلم، أن يكون لهم جزء من الديار المصرية. فوافقوا على ذلك.
واستعدوا وحشدوا وخرجوا معهم بالفارس والراجل. ثم بعث إلى الملك الناصر داود ليحضر معهم، ولم يحضر بنفسه، وبعث عسكرا (4). واجتمع هؤلاء كلهم، وقصدوا الخوارزمية ومن معهم من عسكر مصر.
ووقع المصاف بين الفريقين بظاهر غزة، فكسر الملك المنصور ومن معه كسرة عظيمة. وأخذت الفرنج سيوف المسلمين فأفنوهم قتلا وسبيا، ولم يفلت
(1) عن دار الملك، انظر ما سبق، ص 334 حاشية 2.
(2)
انظر ما سبق ص 292 - 293، 311.
(3)
انظر ما سبق ص 333.
(4)
جهز الناصر داود عسكره مع الظهير بن سنقر الحلبى والوزيرى وأقام هو بالكرك، انظر النويرى، نهاية الأرب، ج 27 ورقه 79؛ سبط ابن الجوزى، مرآة الزمان، ج 8، ص 493؛ العينى، عقد الجمان، حوادث سنة 642 هـ؛ المقريزى، السلوك، ج 1، ص 317.
منهم إلا الشارد (1) النادر، وأسر من عسكر دمشق وعسكر الكرك جماعة مقدمون وغيرهم، ونهبت جميع أثقال الدمشقيين.
وحكى عن الملك المنصور أنه قال (2): «والله لقد حضرت الحرب ذلك اليوم، وأوقع الله تعالى في قلبى إنا لا ننتصر لا نتصارنا بالكفار على المسلمين» . ومضى الملك المنصور ومن بقى معه من عسكره وعسكر دمشق في أسوأ حال. ودخل دمشق وهو لا يصدق بالنجاة.
وانتصرت العساكر المصرية نصرة عظيمة. ووردت البشائر بذلك إلى مصر، فزين البلدان القاهرة ومصر، والقلعتان قلعة الجبل، وقلعة الجزيرة - وكان بناؤها قد تم - زينة لم يزين قبل ذلك مثلها. وضربت البشائر أياما متوالية.
ووصل الخبر إلى الأمير حسام الدين بن أبى على بهذه الكسرة، وهو في الرمل، فأسرع السير ووصل بمن معه إلى غزة وقد انفصل أمر الوقعة. ووصل إلى مصر أسارى الفرنج راكبين الجمال والمقدمون منهم على خيولهم، ومعهم جماعة من الأمراء [48 ا] والأعيان من المسلمين الذين كانوا معهم أسارى، منهم جماعة من أصحاب الملك الناصر داود وجماعة من عسكر دمشق. وكان يوم دخولهم القاهرة يوما مشهودا.
(1) في المتن «الشاد» ولعل الصيغة المثبتة هى الصحيحة، انظر ابن تغرى بردى، النجوم الزاهرة، ج 6، ص 323؛ المقريزى، السلوك، ج 1، ص 317.
(2)
نقل ابن تغرى بردى (النجوم الزاهرة، ج 6، ص 323 - 324) هذه الرواية عن ابن واصل في قليل من التغيير، وذكر سبط ابن الجوزى معلومات قيمة عن هذه الوقعة، وذكر أن الملك المنصور «جعل يبكى ويقول قد علمت إنا لما سرنا تحت صلبان الفرنج أنا لا نفلح» ، مرآة الزمان، ج 8، ص 493 - 494؛ انظر أيضا النويرى، نهاية الأرب، ج 27 ورقة 80.