الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان من هذه المدة مريضا بالفالج نحو سنتين وتسعة أشهر وأياما. ولم يكن موته بالفالج وإنما عرضت له حمى حادة أياما، فكانت وفاته بها.
وكان عمره نحو ثلاث وأربعين سنة، لأن مولده سنة تسع وتسعين وخمسمائه.
ولم يخلف من الذكور غير مولانا السلطان الملك المنصور، قدس الله روحه، وأخيه الملك الأفضل نور الدين أبى الحسن على.
ذكر سيرته رحمه الله
كان رحمه الله شهما شجاعا إلى الغاية القصوى، لم أعرف من أهل بيته من كان أفرس منه وأشجع. وكان قويا أيّدا (1)، يحمل لقا (2) من الحديد ويضعه على كتفه وقت ركوبه، لا يقدر غيره على حمله لثقله. وحضر حروبا كثيرة أبان فيها عن شجاعته وفروسيته. وكان فطنا ذكيا لوذعيا سريع الإدراك، قوى الفراسة. وكان مع هيبته المفرطة حسن المجاورة طيّب المفاكهة، جميل العشرة لأصحابه وخواصه.
وكان له ميل إلى من عنده فضل ومعرفة. ورد إليه الشيخ علم الدين قيصر بن أبى القاسم المهندس الفاضل في العلوم الرياضية (3)، فأحسن إليه وقربه وولاه تدريس المدرسة الحنفية النورية بحماة (4). وبنى له أبراجا لسور حماه في غاية الحسن، وطاحونا في الجانب الأسفل وعليها برج عظيم حفظ به تلك الناحية.
(1) رجل أيد أي رجل قوى، انظر الفيروز آبادى، القاموس المحيط، ج 1، ص 285؛ الزمخشرى، أساس البلاغة، ج 1، ص 27.
(2)
اللقى كفتى وهو ما طرح، انظر، الزبيدى، تاج العروس، ج 10، ص 330؛ القاموس المحيط، ج 4، ص 389.
(3)
عن الشيخ علم الدين قيصر عالم الرياضيات، انظر ما سبق، ابن واصل، ج 4، ص 242 حاشية 3.
(4)
هى الجانب الشرقى من حرم جامع نور الدين، بنى هذه المدرسة الملك المؤيد صاحب حماه؛ انظر محمد كرد على، خطط الشام، ج 6، ص 127.
وكان يقترح عليه أمورا علمية وآلات رياضية، فعمل له كرة من الخشب رسم فيها جميع الكواكب المرصودة في السماء، وعملت هذه الكرة بالقلعة، وكنت أساعد (1) الشيخ علم الدين على تحريرها. وكان السلطان الملك المظفر رحمه الله يحضرنا ونحن نرسمها، ويسألنا عن المواضع الدقيقة فيها، فنخبره، فيدرك ما نقول لصحة إدراكه وقوة ذهنه. وحصل لى منه رحمه الله حظ كثير، واعتناء عظيم، وذلك قبيل موته بسنة أو نحوها. وكان كل وقت يسأل الشيخ [49 ب] علم الدين:«أي شىء وصلت إليه من كتاب المجسطى (2) والعلوم الرياضية؟» . وإذا حضرت معه باسطنى وتحدث معى كثيرا، وسألنى عن الذى حققته من هذه الفنون، وهو منشرح لذلك مسرور به، وكنت مؤملا بلوغ الآمال كلها منه.
ولما عرض له ما عرض من ذلك المرض، حصل عندى من الألم ما لا مزيد عليه. ففارقت حماه وانتقلت إلى الديار المصرية.
وكان رحمه الله ناقص الحظ، لم يزل مع جيرانه في حروب دائمة وعناء متصل إلى أن عرض من المرض له ما عرض. وكان يرجو ظهور الملك الصالح وقوته لينتقم به من أعدائه، فحين ظهر أمر الملك الصالح عرض له من المرض ما عرض، وأعقب ذلك موته.
(1) ذكر أبو الفدا (المختصر، ج 3، ص 173): «قال القاضى جمال الدين بن واصل وساعدت الشيخ علم الدين على عملها» .
(2)
يحتوى كتاب المجسطى على خلاصة ما توصل إليه قدماء اليونان في علم الفلك، ويعتبر هذا الكتاب المرجع الأساسى في هذا في العالم الأسلامى وفى أوربا إلى عصر النهضة. ونقل كتاب المجسطى إلى اللغة العربية أكثر من مرة، انظر مقدمة كتاب الشكوك على بطليموس للحسن بن الهيثم، تحقيق الدكتور عبد الحميد صبره والدكتور نبيل الشهابى.