المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر وفاة الخليفة المستنصر بالله أمير المؤمنينرحمه الله - مفرج الكروب في أخبار بني أيوب - جـ ٥

[ابن واصل]

فهرس الكتاب

- ‌«الْجُزْء الْخَامِس»

- ‌مقدمة

- ‌تنويه

- ‌ ودخلت سنة تسع وعشرين وستمائة

- ‌ذكر مسير السلطان الملك الكاملمن الديار المصرية إلى الشرق

- ‌[ذكر الوصلة بين الملك الناصر داودابن الملك المعظم وعمه الملك الكامل]

- ‌ذكر رحيل الملك الصالح نجم الدين أيوبابن الملك الكامل إلى الشرق ومقامه به

- ‌ذكر استيلاء السلطان الملك الكامل على آمد وبلادها

- ‌ودخلت سنة ثلاثين وستمائة

- ‌ذكر رجوع السلطان الملك الكامل إلى الديار المصرية

- ‌ذكر سيرة مظفر الدين رحمه الله

- ‌ودخلت سنة إحدى وثلاثين وستمائة

- ‌ذكر وفاة الأتابك شهاب الدين طغريل رحمه الله

- ‌ذكر مسير السلطان الملك الكامل من الديار المصريةلقصد الدخول إلى مملكة الروم

- ‌ذكر رحيل السلطان الملك الكامل إلى السويداء ونزوله بها، وما جرى للملك المظفر صاحب حماة وبعض العسكر الكاملى بخرتبرت

- ‌ذكر استيحاش الملك الكامل من ابن أخيه الملك الناصر داود بن الملك المعظم

- ‌[ذكر بناء قلعة المعره

- ‌ودخلت سنة اثنتين وثلاثين وستمائة

- ‌ذكر رجوع السلطان الملك الكامل إلى الديار المصرية والملوك إلى بلادهم

- ‌ذكر وفاة القاضى بهاء الدين بن شدادرحمه الله تعالى

- ‌ذكر قدوم السلطان الملك المظفرصاحب حماه إلى حماه ومولد ولده مولانا السلطان الملكالمنصور ناصر الدين أبى المعالى محمد قدس الله روحه

- ‌ذكر استيلاء السلطان علاء الدين سلطان الرومعلى حران والرها من بلاد السلطان الملك الكاملوخلاط من بلاد الملك الأشرف

- ‌ودخلت سنة ثلاث وثلاثين وستمائة

- ‌ذكر توجه الملك الناصر داود بن الملك المعظم[إلى بغداد واعتضاده بالخليفة المستنصر بالله رحمه الله

- ‌ذكر مسير السلطان الملك الكامل من الديار المصرية إلى الشرق واستعادة حران والرها من نواب سلطان الروم

- ‌ذكر عود السلطان الملك الكامل إلى دمشق واستقراره بها إلى آخر السنة

- ‌ذكر قدوم الملك الناصر من بغداد إلى دمشق مع رسول الخليفة ثم مسيره إلى الكرك

- ‌ودخلت سنة أربع وثلاثين وستمائة

- ‌ذكر رجوع الملك الكامل إلى الديار المصرية

- ‌ذكر وفاة الملك العزيز غياث الدين محمد بن الملك الظاهرصاحب حلب رحمه الله

- ‌ذكر سيرته رحمه الله

- ‌ذكر تمليك الملك الناصر صلاح الدين أبى المظفر يوسفحلب بعد ابيه الملك العزيز رحمهما الله

- ‌ذكر اتفاق الملوك على مباينة الملك الكامل

- ‌ذكر مسير الملك الناصر داود بن الملك المعظمإلى الديار المصرية واتفاقه مع عمه السلطان الملك الكامل

- ‌ذكر الوقعة بين عسكر السلطان الملك الناصرصاحب حلب والفرنج

- ‌ذكر استيلاء الملك الصالح عماد الدين اسماعيلبعد وفاة السلطان الملك الأشرفابن الملك العادل على دمشق

- ‌ذكر مسير السلطان الملك الكاملإلى دمشق واستيلائه عليها وتعويضهالملك الصالح عنها بعلبك

- ‌ذكر استيلاء السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوبابن الملك الكامل على سنجار ونصيبين والخابور

- ‌ذكر سيرة رحمه الله [تعالى

- ‌ذكر استيلاء الملك الجواد مظفر الدين يونسابن مودود بن الملك العادل على دمشق

- ‌ذكر منازلة عسكر حلب قلعة المعرّةوتملكها والاستيلاء على المعرّة وبلدها

- ‌ذكر منازلة عسكر حلب لحماة وحصارها

- ‌ذكر محاصرة بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصلالملك الصالح نجم الدين وهو بسنجار ثم هزيمة بدر الدين لؤلؤ

- ‌ذكر إيقاع الخوارزمية بعسكر سلطان الروم

- ‌ذكر إقامة الخطبة بحلب للسلطان غياث الدين سلطان الروم

- ‌ذكر رجوع العسكر الحلبى المحاصر لحماة إلى حلب

- ‌ذكر قدوم عماد الدين بن شيخ الشيوخإلى دمشق ومقتله رحمه الله

- ‌ذكر منازلة الخوارزمية والملك المظفر حمص ثم رحيلهم عنها

- ‌[ذكر بقية حوادث هذه السنة

- ‌ودخلت سنة سبع وثلاثين وستمائة

- ‌ذكر ما اعتمده الملك الصالح عماد الدينإسماعيل بن الملك العادل من التدبير إلىأن تم له ما أراد من تملك دمشق

- ‌ذكر قبض الملك المجاهد أسد الدينصاحب حمص على الأمير سيف الدين بن أبى علىومن معه من الأمراء وأكابر أهل حماة

- ‌ذكر استيلاء الملك الصالح عماد الدين إسماعيلابن الملك العادل على دمشق وهو استيلاؤه الثانى عليها

- ‌ذكر استيلاء بدر الدين لؤلؤصاحب الموصل على سنجار

- ‌ذكر وفاة الملك المجاهد صاحب حمص

- ‌ذكر سيرته رحمه الله [تعالى

- ‌ذكر إستيلاء الملك المنصور إبراهيمابن الملك المجاهد على حمص وبلادها

- ‌ذكر القبض على الملك العادل بن الملك الكامل ببلبيس

- ‌ودخلت سنة ثمان وثلاثين وستمائة

- ‌ذكر القبض على أيبك الأسمروالمماليك الأشرفية وغيرهم من الخدام الكبار

- ‌ذكر الوقعة التي كسر فيها الخوارزميةعسكر حلب

- ‌ذكر ما جرى من الخوارزمية من العيث والفسادبعد كسرهم عسكر حلب إلى أن رجعوا

- ‌ذكر وصول الملك المنصور إبراهيم بن الملك المجاهدأسد الدين صاحب حمص لنصرة الحلبيين

- ‌ذكر دخول الخوارزمية إلى الشام ثانيا وما فعلوه من العيث والفساد

- ‌ذكر استيلاء السلطان غياث الدين كيخسرو سلطان الروم على آمد

- ‌ذكر ما آل إليه أمر الملك الجواد مظفر الدين يونس بن الملك العادل رحمه الله

- ‌ودخلت سنة تسع وثلاثين وستمائة

- ‌ذكر الوقعة بين كمال الدين بن شيخ الشيوخ والملك الناصر بن الملك المعظم

- ‌ذكر تسليم الشقيف وصفد إلى الفرنج

- ‌ذكر اتفاق الخوارزمية مع الملك المظفرشهاب الدين غازى بن الملك العادل صاحب ميافارقينوما تجدد من أحوالهم في هذه السنة

- ‌ذكر مرض الملك المظفر صاحب حماه

- ‌ذكر وفاة الملك الحافظ نور الدينأرسلان شاه بن الملك العادل رحمه الله

- ‌ودخلت سنة أربعين وستمائة

- ‌ذكر خروج التتر إلى أطراف الروم

- ‌ذكر كسرة الملك المظفر والخوارزمية

- ‌ذكر سيرتها رحمها الله

- ‌ذكر استقلال السلطان الملك الناصر صلاح الدينيوسف بن الملك العزيز صاحب حلب بالسلطنة

- ‌ذكر وفاة الخليفة المستنصر بالله أمير المؤمنينرحمه الله

- ‌ذكر خلافة الامام المستعصم بالله أمير المؤمنينرحمه الله

- ‌ودخلت سنة إحدى وأربعين وستمائة

- ‌ذكر دخول التتر بلاد الروموكسرهم غياث الدين وعسكره

- ‌ذكر وقوع الإتفاق بين السلطان الملك الصالح نجم الدينوبين عمه الملك الصالح وصاحب حمص

- ‌ذكر اتفاق الملك الصالح صاحب دمشق والملك المنصور صاحب حمص والملك الناصر داود مع الفرنج وتسليم القدس وطبرية وعسقلان إليهم

- ‌ودخلت سنة اثنتين وأربعين وستمائة

- ‌ذكر وصول الخوارزمية إلى غزة واستنقاذهمالقدس من الفرنج وما فعلوه في طريقهم

- ‌ذكر كسرة الملك المنصور صاحب حمصوعسكر دمشق والكرك والفرنج على غزة

- ‌ذكر منازلة عسقلان والفرنج الذين بها

- ‌ذكر خروج الصاحب معين الدين بن شيخ الشيوخ في العساكر المصرية إلى الشام ومنازلته دمشق

- ‌ذكر وفاة الملك المظفر تقى الدين محمود صاحب حماه رحمه الله

- ‌ذكر سيرته رحمه الله

- ‌ذكر استيلاء مولانا السلطان المنصور ناصر الدينأبى المعالى محمد بن الملك المظفر على مملكة والده- قدس الله روحه - وخلد ملك ولدهمولانا ومالك رقنا السلطان الملك المظفر تقى الدينبالخلف الصالح عن آبائه الأكرمين

- ‌ذكر وفاة الملك المظفر شهاب الدين غازىوالملك المغيث بن السلطان الملك الصالح

- ‌ودخلت سنة ثلاث وأربعين وستمائة

- ‌ذكر استيلاء السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوبعلى دمشق وهو استيلاؤه الثانى عليها

- ‌ذكر خروج الخوارزمية عن طاعة السلطان الملك الصالح نجم الدين

- ‌ذكر وصول التقليد والتشريف من الخليفةالمستعصم بالله إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب

- ‌ذكر منازلة الخوارزمية والملك الصالحعماد الدين اسماعيل دمشق ومضايقتها

- ‌ودخلت سنة أربع وأربعين وستمائة

- ‌ذكر كسرة الخوارزمية وتبدد شملهمومقتل حسام الدين بركة خان مقدمهم

- ‌ذكر وفاة الملك المنصور صاحب حمصرحمه الله

- ‌ذكر سيرته رحمه الله [تعالى

- ‌ذكر استيلاء الملك الأشرفموسى بن الملك المنصور على حمص [وبلادها

- ‌ودخلت سنة خمس وأربعين وستمائة

- ‌ذكر مسير السلطان إلى الشاملفتح عسقلان وطبريه

- ‌ذكر خروج العساكر المصرية إلى الشاملإنجاد الملك الأشرف صاحب حمص

- ‌ذكر وفاة الملك العادل بن الملك الكامل

- ‌ذكر سيرته رحمه الله [تعالى]

- ‌المصادر والمراجع المذكورة في حواشىالجزء الخامس من كتاب مفرج الكروب

- ‌أولا: المصادر العربية

- ‌ثانيا: المراجع العربية والمترجمة

- ‌ثالثا: المراجع الأوربية

الفصل: ‌ذكر وفاة الخليفة المستنصر بالله أمير المؤمنينرحمه الله

‌ذكر وفاة الخليفة المستنصر بالله أمير المؤمنين

رحمه الله

وفى هذه السنة توفى الخليفة المستنصر بالله أبو جعفر المنصور بن الظاهر بأمر الله أبى نصر أحمد بن الناصر لدين الله أبى العباس أحمد. وتمام النسب إلى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تقدم ذكره، وذلك بكرة يوم الجمعة لعشر خلون من جمادى الآخرة من هذه السنة، أعنى سنة أربعين وستمائة.

وقد ذكرنا أنه ولى الخلافة لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة (1)، فكانت مدة خلافته سبع عشرة سنة إلا شهرا واحدا. وكان سبب موته [40 ا] على ما حكاه لى وجيه الدين بن سويد التكريتى، وكان خبيرا بأحوالهم، أنه فصد بمبضع مسموم، وقد تقدم ذكر ذلك، فإن صح هذا كانت القاعدة التي اتفقت، أن كل سادس من بنى العباس يخلع أو يقتل، غير منتقضة (2).

ذكر سيرته رحمه (3) الله

كانت سيرته رحمه الله من أحسن السير في العدل، والإحسان إلى الرعية والعطف عليهم، والحنوبهم. وكان سالكا في ذلك كله سيرة أبيه الإمام الظاهر بأمر الله، وكذلك سلك مسلكه في اعتقاد مذهب أهل السنة والجماعة، والكراهية

(1) انظر ما سبق، ابن واصل، ج 4، ص 196.

(2)

انظر ما سبق، ابن واصل، ج 4، ص 162

(3)

انظر أيضا، سبط ابن الجوزى، مرآة الزمان، ص 489؛ المقريزى، السلوك، ج 1، ص 311 - 312؛ الذهبى، شذرات الذهب، ج 5، ص 209؛ ابن تغرى بردى، النجوم الزاهرة، ج 6، ص 345 - 346.

ص: 315

لمذهب الروافض، ومخالفا في كل ما ذكرنا لطريقة جده الناصر لدين الله (1). وسلك ولده المستعصم بالله في اتباع مذهب أهل السنة مسلكه، لكن لم يسلك مسلكه في حسن التدبير والنظر في مصالح المملكة.

وعمرت البلاد في أيام المستنصر بالله رحمه الله عمارة عظيمة. وأثر فيها الآثار الجميلة الحسنة؛ من ذلك أنه بنى على شط دجلة من الجانب الشرقى مما يلى دار الخلافة (2)، مدرسة سميت المستنصرية (3). لم يبن على وجه الأرض مدرسة أحسن منها، ولا أكثر وقفا. وجعل فيها أربعة مدرسين على المذاهب الأربعة، كل مدرس منهم له سدة عالية، ومسند يستند إليه. ورتب في المدرسة دار كتب، فيها من الكتب النفيسة في سائر أنواع العلوم شيئا كثيرا جدا. وجعلها برسم من يطالع ويستنسخ من الفقهاء. ورتب فيها الورق والأقلام لمن يريد النسخ.

ورتب بيمارستانا للمدرسة، للمرضى فيه جميع صنوف الأدوية والعقاقير والأشربة. ورتب به من الأطباء من يقوم بمعالجة الفقهاء، ويصرف إليهم مما في البيمارستان ما يشير الأطباء باستعماله من الأشربة والأدوية والسكر والفراريج وغير ذلك.

ورتب أيضا في المدرسة مطبخا للفقهاء يطبخ فيه الطعام [ق 40 ب] ويحمل إلى كل منهم كفايته منه، ومن الخبز الجيد. ورتب ما يشترى به الحصر لبيوت

(1) انظر ما سبق، ابن واصل، مفرج الكروب، ج 4، ص 166.

(2)

عن طوبغرافية بغداد، انظر:

Lassner، J، The Topography of Baghdad in the early Middle ages، (Detroit، 1970).

(3)

ذكر سبط ابن الجوزى (مرآة الزمان، ج 8، ص 489) عن هذه المدرسة، «وليس في الدنيا مثل هذه المدرسة ولا بنى مثلها في سالف الأعوام فهمى بالعراق كجا مع دمشق وقبة الصخرة بالشام» ، انظر أيضا، العينى، عقد الجمان، حوادث 564 هـ؛ أبو الفدا، المختصر ج 3، ص 171.

ص: 316

الفقهاء، والسرج والزيت. ورتب مزملة (1) يبرد فيها الماء في الصيف لهم، وجعل لكل فقيه مع هذه الرواتب كلها دينارا إماميا في كل شهر. ورتب للمدرسين والمعيدين ما يليق بهم من الرواتب. ورتب حماما يدخلون إليها متى احتاجوا، وفيها من يقوم بخدمتهم. وهذا لم يعمل مثله أحد من الخلفاء الماضين ولا الملوك المتقدمين.

ولهذه المدرسة طاقات مطلة على دجلة يشاهدون فيه المراكب المقلعة والمنحدرة.

وأعظم مدرسة كانت ببغداد المدرسة النظامية المنسوبة إلى نظام الملك وزير السلطانين ألب أرسلان وولده ملكشاه، ولا نسبة لها إلى هذه المدرسة، لا في الصورة، ولا في المعلوم، ولا في الحسن والنزاهة. وللخليفة منظرة (2) مطلة على هذه المدرسة، يرى الفقهاء منها إذا حضروا، ويسمع مناظراتهم ولا يرونه.

ورتب في جامع القصر، وهو الجامع الذى يصلى فيه الخليفة أربع دكك برسم مدرسى المدرسة المستنصرية، وفقهائهم يصلون على هذه الدكك. وفقهاء كل طائفة على دكة منها. وهذه الدكك كلها عن يمين المنبر. وكانت العادة إذا فرغت الصلاة أن يجلسوا للمناظرة، وذكر مسائل الخلاف والبحث فيها. ومن أراد من الفقهاء مدح الخليفة بقصيدة قام وأنشدها قبل ذكر المسألة.

وكانت له رحمه الله صلات وصدقات إلى من يرد من العلماء والزهاد والأدباء وسائر الطبقات. واستخدم عساكر عظيمة لم يستخدم مثلها أبوه وجده.

وكانت عدتهم، على ما بلغنى، يزيد على مائة ألف. وكان ذا همة عالية وشجاعة وافرة، وإقدام عظيم.

(1) هى جرة في وسطها ثقب مركب فيه قصبة من الفضة أو الرصاص يشرب منها، سميت مزملة لأنها تلف بشىء من الخيش أو غيره ويجعل بينه وبين خزفها التين ليبقى الماء باردا، انظر: محيط المحيط.

(2)

في المخطوطة «منظر» .

ص: 317

وقصدت التتر بلاد العراق، فلقيهم عسكره، وانتصف منهم وهزمهم.

وكان له أخ يعرف بالخفاجى كان يزيد عليه في الشهامة والشجاعة. [41 ا] وبلغنى أنه كان يقول: «إن ملكنى الله تعالى أمر الأمة، لأعبرن بالعساكر نهر جيحون، وانتزع البلاد من أيدى التتر، واستأصلهم قتلا وسبيا» . فلما توفى المستنصر بالله، لم ير الدوادار (1) والشرابى (2) - وكانا غالبين على الأمر - تقليده الخلافة خوفا منه، وآثروا أن يليها أبو أحمد عبد الله بن المستنصر لما يعلمونه من لينه وانقياده، وضعف رأيه، ليكون الأمر كله إليهما، ويستبدا به لما يريده الله تعالى ويقدره، لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه.

ولما بلغت الملك الناصر داود، صاحب الكرك، وفاة الخليفة المستنصر بالله، رثاه ومدح ولده المستعصم بالله بقصيدة مطلعها:

أيا رنّة الناعى عبثت بمسمعى

فأجّجت نار الحزن ما بين أضلعى

وأخرست منى مقولا ذا براعة

يصوغ أفانين القريض الموشّع

نعيت إلىّ البأس والجود (3) والحجى

فأوقفت آمالى وأجريت أدمعى

(1) الدوادار: كلمة مركبة من لفظين أحدهما عربى وهو الدواة والثانى فارسى وهو دار ومعناه ممسك الدواة، والوظيفة اسمها الدوادارية وصاحبها كما يذكر القلقشندى (صبح الأعشى، ج 5، ص 462) هو الذى كان «يحمل دواة السلطان أو الأمير أو غيرهما، ويتولى أمرها مع ما ينضم إلى ذلك من الأمور اللازمة لهذا المعنى من حكم وتنقيذ أمور وغير ذلك بحسب ما يقتضيه الحال» .

(2)

الشرابى هو الذى كان يصنع الأشربة والأدوية، وكان أحد رجال الشراب خاناة، ويقابل ذلك في مصطلح دولة المماليك كلمة الساقى، انظر: المقريزى، السلوك، ج 1، ص 458 حاشية 3؛ انظر أيضا القلقشندى، صبح الأعشى، ج 4 ص 10، ج 5 ص 469؛ Dozy، Supp. Dict. Ar.

(3)

في العينى (عقد الجمان، حوادث 640 هـ) الذى يبدو أنه نقل عن ابن واصل هذه الأبيات: «الجود والبأس» .

ص: 318

رويدا فقد فاجأتنى (1) بفظيعة

يضيق بها صدر الفضاء الموسّع

أبا جعفر يا بانى المجد بعد ما

تهدّم ركن المجد من كل موضع

ويا كافل الإسلام في كل موطن

وراعى رعاة الدين في كل مجمع

ومن كنت أرجو أننى في زمانه

أبادر أيام الزمان المضيّع

فاستدرك الماضى بفضل تضرّع

واستقبل الآتى بدرع تورّع

أحقا طوتك الحادثات كما طوت

قرونا مضت من عهد كسرى وتبّع

وغالك ريب الدهر والدهر جائر

إذا صال لا يبقى وإن جال لا يعى

فأيأس آمالا تدانى غناؤها

فراحت بفقر من رجائك مدقع

دعا باسمك الناعى على حين غفلة

فأصمى سويداء الفؤاد المصدّع (2)

فقلت - وإنى في الفصاحة قسّها (3)

مقالة مسلوب الروية ألكع:

أيا دهر قد آمنتنى كل خيفة

فلست بميت بعده بمفجّع

فغل كلّ مأمور وكلّ مؤمّر

وخذ بعده يادهر من شئت أو دع

ولو كان خطب الموت يقبل فدية

ويدفعه سعى الكمىّ المدرّع

فديتك بالنفس النفيسة طائعا

ودافعت بالجيش اللهام الممنّع (4)

بضرب طليق الكف حران ثائر

وطعن ربيط الجأش في الروع أروع

ببيض تقد البيض من حرّ وقعها

وسمر تردّ القرن قانى المقنع

وكلّ فتى يلقى المنايا بصدره

وقلب ثبوت لا بقلب مزعزع

(1) في العينى «فاجاءت» وعليها يختل الوزن.

(2)

سقطت الأبيات الثلاثة التالية لهذا البيت من مخطوطة العينى، عقد الجمان، حوادث 640 هـ.

(3)

المقصود قس بن ساعدة الإيادى من خطباء العرب في الجاهلية.

(4)

سقطت الأبيات الخمسة التالية لهذا البيت من العينى، عقد الجمان، حوادث 640 هـ.

ص: 319

يفضّون بنيان المقانب في الوغى

بلبّات آساد مشائل جزّع

ولكنه من لا ينافى ويتقى

ببذل فداء أو بأطراف شرّع

لقد كنت لى حصنا حصينا من العدى

إليه التفاتى في الخطوب ومفزعى

وعارض جود منه أستنزل الندى

فأسقى بغيث من عطاياه ممرع

فأضحى ومن حر المكارم مشربى

وأمسى وفى رفض المواهب مرتعى (1)

سأبكيه أيام الحياة وإن أمت

بكته عظامى في قرارة مضجعى

وأشكره شكر الثرى لسمائه

بدر من اللفظ البديع المرصّع (2)

وما كلف بالشىء مثل مكلّف

ولا داعيات الطبع مثل التطبع

وما كلّ من يولى جميلا بشاكر

وما كل من يدعى خطيبا بمصقع

هو المرء أدنانى وأبعد غايتى

ووسّع لى ذرعى وطوّل أذرعى

فتى بدأ الاحسان حيا وميتا

بفرط اصطناع لا بفرط تصنع

بإسداء معروف وإلغاء منكر

وتسكين مسلوب الجنان (3) مروّع

وتسليمه تاج الخلافة بعده

إلى خير مودوع وأوثق مودع

هوى قمر العلياء من برج سعده

فاطلع شمس المجد من خير مطلع

بفرع نمى من دوحة ظاهرية

نمى عرفها عن طيبها المتضوع

بمستعصم (4) بالله منتصر له

بحزم التأنى لا بحزم التسرع

أقام منار العدل بعد إعوجاجه

وشيد واهى الدين بعد التضعضع

بإقدام منصور وعزمة قادر

وسيرة مهدى وإخبات طيع

(1) البيت التالى ساقط من العينى.

(2)

الأبيات الثلاثة التالية ساقطة من العينى.

(3)

في العينى (عقد الجمان)«الفؤاد» .

(4)

في المتن «بمعتصم» وهو تحريف، والصيغة الصحيحة المثبتة من العينى (عقد الجمان).

ص: 320