الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأقام الله تعالى دليلا آخر على وجوده ووحدانيته، فقال:{وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ.} . أي أنه المدعو الله، القائم في السموات والأرض المعبود فيها، المعروف بالألوهية، يعبده ويوحده كل من في السموات ومن في الأرض، ويسمونه الله، ويدعونه رغبا ورهبا إلا من كفر من الجن والإنس، أي أنه المتصف بهذه الصفات المعروفة، المعترف له بها في السموات والأرض، ونظير هذه الآية:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ، وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ} [الزخرف 84/ 43] أي هو إله من في السماء، وإله من في الأرض.
{يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} تأكيد وتقرير لما قبله، يعلم السر والجهر، ويستوي في علمه الخفاء والعلانية، فهو خبر بعد خبر وصفة بعد صفة، أو حال.
وقيل: المراد أنه الله الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض من سر وجهر، فيكون قوله:{يَعْلَمُ} متعلقا بقوله: {فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ} تقديره:
وهو الله يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض، ويعلم ما تكسبون. واختار الطبري قولا ثالثا: أن قوله: {وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ} وقف تام، ثم استأنف الخبر فقال:{وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} .
{وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ} أي يعلم جميع أعمالكم خيرها وشرها، ويجازيكم عليها.
فقه الحياة أو الأحكام:
المقصود من هذه الآيات إيراد الدلائل على وجود الله ووحدانية الصانع؛ لأن تقدير السموات والأرض بمقادير مخصوصة، لا يمكن حصوله إلا بتخصيص الفاعل المختار، وهو الله.
ويستنبط من الآيات ما يلي:
1 -
الله تعالى هو المستحق لجميع أنواع المحامد على نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى.
2 -
إثبات الألوهية؛ لأن الحمد كله لله فلا شريك له.
3 -
إقامة الأدلة على قدرة الله تعالى وعلمه وإرادته، بإخباره عن خلق السموات والأرض، أي الإيجاد والاختراع والإنشاء والإبداع، والخلق يكون بمعنى الاختراع، ويكون بمعنى التقدير، وكلاهما مراد هنا، وذلك دليل على حدوثهما؛ فإنه تعالى رفع السماء بغير عمد، وجعلها مستوية من غير عوج، وجعل فيها الشمس والقمر آيتين، وزينها بالنجوم، وأودعها السحاب والغيوم علامتين، وبسط الأرض وأودعها الأرزاق والنبات، وبثّ فيها من كل دابة، وجعل فيها الجبال أوتادا، وسبلا فجاجا، وأجرى فيها الأنهار وشقّ البحار، وفجّر فيها العيون والآبار من الأحجار، كل ذلك دالّ على وحدانيته وعظيم قدرته.
وأتبع خلق الجواهر والذوات بخلق الأعراض والمستلزمات، وهي جعل الظلمات.
4 -
الكفار جاحدون نعمة الله عليهم، فبالرغم من أن الله وحده خلق هذه الأشياء، يجعلون لله عدلا وشريكا. والتعبير ب «ثم» دليل على قبح فعل الكافرين؛ لأن معنى الآية: أن خلقه السموات والأرض قد تقرر، وآياته قد سطعت، وإنعامه بذلك قد تبيّن، ثم بعد ذلك كله عدلوا بربهم.
5 -
ابتداء خلق الإنسان من طين؛ لأن المراد من قوله: {خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ} آدم عليه السلام، والخلق نسله، والفرع يضاف إلى أصله.
وفي إيراد خلق الإنسان بعد خلق السموات والأرض: بيان خلق العالم الكبير