الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إثبات لمن أعطيها حقا؛ لأن محمدا عليه السلام مؤمن بالله واليوم الآخر، والمؤمن بذلك لا يعرّض نفسه للظلم الذي يوجب أشد العذاب، ففي ذلك شهادة ضمنية للنّبي صلى الله عليه وسلم، حيث بيّن عاقبة الكذب على الله.
التفسير والبيان:
لا أحد أظلم ممن كذب على الله، فجعل له شريكا أو ولدا، أو ادعى النبوة والرسالة، ولم يرسله الله إلى الناس.
أو قال: أوحي إلي ولم يوح إليه شيء، والفرق بين هذا القول وبين ما قبله: أن في الأول كان يدعي أنه أوحي إليه، وأما في هذا القول فقد أثبت الوحي لنفسه، ونفاه عن محمد عليه الصلاة والسلام، ففيه جمع بين كذبين: وهو إثبات ما ليس بموجود ونفي ما هو موجود.
أو قال: {سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ} أي أنه قادر على إنزال مثل ما أنزل الله على رسوله، كمن قال من المشركين:{لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا} [الأنفال 31/ 8].
هذا وعيد من صدر عنه أحد الأشياء الثلاثة، أما القولان الأولان (افتراء الكذب على الله، وادعاء الوحي) فالمراد بهما: من ادعى النبوة، مثل مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة، والأسود العنسي في صنعاء باليمن، وطليحة الأسدي في بني أسد ونحوهم، وكان مسيلمة يقول: محمد رسول قريش، وأنا رسول بني حنيفة.
والقول الثالث أريد به ما قاله النضر بن الحارث الذي قال: {لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا} وكان يقول في القرآن: إنه من أساطير الأولين، وإنه شعر، لو نشاء لقلنا مثله.
ثم ذكر تعالى نوع وعيد الظالمين أمثال هؤلاء فقال: {وَلَوْ تَرى إِذِ
الظّالِمُونَ.}. أي ولو تبصر أيها الرسول وكل سامع وقارئ حين يكون الظالمون في سكرات الموت وغمراته وكرباته أو شدائده وآلامه، لرأيت أمرا عجبا عظيما فظيعا لا سبيل إلى وصفه، والحال أن الملائكة قد بسطت أيديها إليهم لقبض أرواحهم بالضرب ومنتهى الشدة والعنف، كما قال تعالى:{فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ} [محمد 27/ 47].
وتقول لهم الملائكة توبيخا وتأنيبا وتهكما حين قبض أرواحهم: أخرجوا أنفسكم وأرواحكم إلينا من أجسادكم، وهذا دليل العنف والتشديد في إزهاق الروح من غير إمهال. وسبب ذلك أن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال والجحيم وغضب الله، فتتفرق روحه في جسده وتأبى الخروج، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم قائلين لهم: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ
…
}
أي اليوم تهانون غاية الإهانة، كما كنتم تكذبون على الله، وتستكبرون عن اتباع آياته، والانقياد لرسله، فلا تؤمنون بالآيات والرسل، وتفترون على الله غير الحق. والمراد باليوم: وقت الإماتة وما يعذبون به من شدة النزع، ويجوز أن يراد به: الوقت الممتد المتطاول الذي يلحقهم فيه العذاب في البرزخ والقيامة. والهون: الهوان الشديد، وإضافة العذاب إليه كقولك: رجل سوء، يريد العراقة في الهوان والتمكن فيه.
قال الزمخشري في قوله: {وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ} : هذه عبارة عن العنف في السياق والإلحاح والتشديد في الإزهاق من غير تنفيس وإمهال، وأنهم يفعلون بهم فعل الغريم (الدائن) المسلّط، يبسط يده إلى من عليه الحق، ويعنف عليه في المطالبة ولا يمهله، ويقول له: أخرج مالي عليك الساعة، ولا أريم (أبرح) مكاني حتى أنزعه من أحداقك
(1)
.
(1)
الكشاف: 517/ 1
ثم يقول الله تعالى لهم: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى..} . أي ولقد أتيتمونا منفردين عن الأنداد والشركاء والأولياء والشفعاء، وعن الخدم والأملاك والأموال، كما خلقناكم أولا من بطون أمهاتكم حفاة عراة غرلا (غير مختونين)، وتركتم ما أعطيناكم من مال وولد وخدم وأثاث وقصور وغيرها من النعم والأموال التي اقتنيتموها في الدنيا وراء ظهوركم، ولم تنتفعوا بها هنا، إذ أنها لم تغن عنكم شيئا.
ولا منافاة بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ} [البقرة 174/ 2] لأن المراد: لا يكلمهم تكليم تكريم ورضا. وتتمة الكلام تقريع لهم وتوبيخ على ما كانوا اتخذوا في الدنيا من الأنداد والأصنام والأوثان، ظانين أنها تنفعهم في معاشهم ومعادهم، فقال:{وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ..} .
أي وما نبصر معكم شفعاءكم من الأصنام الذين زعمتم أنها شفعاؤكم وشركاء لله.
لقد تقطع بينكم، أي لقد تقطع يوم القيامة ما كان بينكم من صلة الولاء والتعاطف والأسباب والوسائل، والصلات والصدقات، أي وقع التقطع بينكم، وانزاح الضلال، وغاب وذهب عنكم ما كنتم تفترونه من شفاعة الشفعاء، ونداء الأوثان والشركاء، ورجاء الأصنام، ويناديهم الرب جل جلاله على رؤوس الخلائق:{أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ؟} [القصص 62/ 28] ويقال لهم:
{أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ، هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ؟} [الشعراء 92/ 26 - 93].
والمراد بقوله: {أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ} أي في استعبادكم، واستحقاق عبادتكم، والعبادة لهم فيكم؛ لأنهم حين دعوهم آلهة وعبدوها، فقد جعلوها لله شركاء فيهم وفي استعبادهم.
والمقصود من الكلام في الجملة: إن آمالكم خابت في كل ما تزعمون