المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التفسير والبيان: إن الذين آمنوا آتيناهم الكتاب في الماضي وهم - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٧

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌علاقة اليهود والنصارى بالمؤمنينعداوة اليهود وإيمان القساوسة والرهبان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إباحة الطيبات

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اليمين اللغو واليمين المنعقدة وكفّارتها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النّزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع الأيمان بحسب المحلوف عليه:

- ‌تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الصيد في حالة الإحرام وجزاء صيد البر

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مكانة البيت الحرام والشهر الحرام وشأن الهدي والقلائد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الترهيب من عقاب الله والترغيب بفعل الطيب

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌النهي عن كثرة السؤال فيما لم ينزل به وحي

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ما حرّمه الجاهليون من الماشية والإبل

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التفويض إلى الله تعالىبعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الشهادة على الوصية حين الموت

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سؤال الرسل يوم القيامة عن أثر دعوتهم

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التّذكير بمعجزات عيسى عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنزال المائدة على بني إسرائيل بطلب الحواريين

- ‌الإعراب

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تبرئة عيسى من مزاعم النصارىألوهيته وألوهية أمه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الأنعام

- ‌تسميتها:

- ‌نزولها وفضلها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه:

- ‌أدلة وجود الله ووحدانيته والبعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سبب كفر الناس بآيات ربّهم وإنذارهم بالعقاب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عناد الكفار والرّدّ على طلبهم بإنزال كتاب أو إرسال ملك

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (7):

- ‌نزول الآية (8):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عاقبة المستهزئين والمكذّبين

- ‌الأعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أدلة أخرى لإثبات الوحدانية والبعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قدرة الله على كشف الضر وشهادة الله للنّبي صلى الله عليه وسلم بالصدقومجادلة المشركين في تعدد الآلهة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌معرفة أهل الكتاب النّبي صلى الله عليه وسلم والافتراء على اللهوتبرؤ المشركين من الشرك في الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مواقف من عناد المشركين حول القرآن الكريم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (25):

- ‌نزول الآية (26):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال المشركين أمام النار أو كيفية هلاكهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال المشركين أمام ربهم في الآخرةوحقيقة الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حزن النّبي صلى الله عليه وسلم لإعراض قومه وبيان تكذيب الرسل المتقدمين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌رفض المشركين دعوة النّبي صلى الله عليه وسلم ومطالبتهم بتنزيل آية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌كمال علم الله وتمام قدرته وعدم التفريط بشيء في القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اللجوء إلى الله وحده في الشدائد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من أدلّة القدرة الإلهية والوحدانيّة ومهام الرّسل المرسلين

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌انحصار مصدر علم النّبي صلى الله عليه وسلم بالوحي ومهمته في الإنذاروطرد الضعفاء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض أحوال رحمة الله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النّزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حسم الجدل بين النّبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌كمال علم الله تعالى وقهره العباد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القدرة الإلهية على الإنجاء من الظلمات

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القدرة الإلهية على تعذيب العصاة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الإعراض عن مجالس المستهزئين بالقرآن وعذابهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مزايا الإيمان بالله ومخازي الشرك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الجدال بين إبراهيم عليه السلام وبين آزروسبب ترك الشرك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المحاجة بين إبراهيم وقومه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إبراهيم أبو الأنبياء وخصائص رسالاتهم والاقتداء بهديهم

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات النبوةوإنزال الكتب على الأنبياء ومهمة القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌افتراء الكذب على الله وعقابه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (93):

- ‌نزول الآية (94):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قدرة الله الباهرة في الكون

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المزاعم المنسوبة إلى الله (الجن والولد والصاحبة)وكونه لا تدركه الأبصار

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مبصّرات الوحي وقدرة الله على منع الشرك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌النهي عن سب الأصنام والأوثان

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (108):

- ‌نزول الآية (109):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: ‌ ‌التفسير والبيان: إن الذين آمنوا آتيناهم الكتاب في الماضي وهم

‌التفسير والبيان:

إن الذين آمنوا آتيناهم الكتاب في الماضي وهم اليهود والنصارى يعرفون أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي وأنه خاتم الرسل، كما يعرفون أبناءهم، بما عندهم من الأخبار والأنباء عن الرسل المتقدمين والأنبياء؛ فإن صفته في كتبهم واضحة، وإن الرسل كلهم بشّروا بوجود محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته وبلده ومهاجره وصفته أمته.

وهذا استشهاد لأهل مكة بمعرفة أهل الكتاب به وبصحة نبوته.

لهذا كان السبب في إنكار نبوته: ما قاله تعالى: {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ.} . أي إن إنكارهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ناشئ من خسارتهم أنفسهم، مثل إنكار المشركين بعد قيام الأدلة القاطعة على نبوته، فكل من الفريقين أهمل ما يقتضيه العقل والعلم والتاريخ، وآثر المشركون وعلماء اليهود والنصارى الحفاظ على مراكزهم في قومهم وتعصبهم لما عندهم، على الإيمان بنبوة هذا الرسول النّبي الأميّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، فهم إن أسلموا فقدوا زعامتهم، وتساووا مع بقية المسلمين.

هؤلاء من المشركين وأهل الكتاب الجاحدين الذين خسروا أنفسهم، لتعلقهم بحظوظ دنيوية حقيرة، ولضعف إرادتهم، وإهمالهم أخبار الأنبياء السابقين، هم الذين لا يؤمنون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهم الذين جمعوا بين أمرين متناقضين، فكذبوا على الله بما لا حجة عليه، وكذبوا بما ثبت بالحجة والبرهان الصحيح حيث قالوا: لو شاء الله ما أشركنا، ولا آباؤنا، وقالوا: والله أمرنا بها، وقالوا: والملائكة بنات الله، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله، ونسبوا إليه تحريم البحائر والسوائب، وذهبوا فكذبوا القرآن والمعجزات وسموها سحرا، ولم يؤمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم.

وهذا يدلّ على أن إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم خسارة للنفس، ثم أبان تعالى أن

ص: 163

الافتراء على الله ظلم للنفس: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى.} . أي لا أحد أظلم ممن تقوّل على الله، فادعى أن الله أرسله، ولم يكن أرسله، ثم لا أحد أظلم ممن كذّب بآيات الله وحججه وبراهينه ودلالاته، ولا أحد أظلم لنفسه ممن زعم أن لله ولدا أو شريكا.

ويلاحظ أن المشركين جمعوا بين التكذيب على الله، والتكذيب بآيات الله الدالة على التوحيد وعلى إثبات رسالة النّبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وعاقبة الظلم: عدم الفلاح، فلا يفلح المفتري ولا المكذب، ولا يفوز أحدهما أو كلاهما وكل ظالم يوم القيامة-يوم الحساب والجزاء.

وزيادة في الملامة والتبكيت يسأل المشركون المفترون يوم القيامة سؤال توبيخ وتقريح وإنكار، فقال تعالى:{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ.} . أي واذكر يا محمد يوم نحشر أولئك المشركين جميعا سواء عبدة الأوثان أو أهل الكتاب وكل من ظلم نفسه وغيره، ثم نقول للذين أشركوا وهم أشدّ الناس ظلما: أين الشركاء من الأصنام والأنداد المعبودة من دون الله، التي كنتم تزعمون في الدنيا أنهم أولياؤكم ونصراؤكم من دون الله، وأنهم يقربونكم إلى الله زلفى، ويشفعون لكم عنده، أين هم فلا يرون معكم؟ كما قال تعالى:{وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ: أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص 62/ 28] وقال تعالى: {وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ، لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ، وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام 94/ 6].

ولكنهم يحارون فلا يجدون جوابا مقنعا، فيبادرون إلى إنكار الشرك. {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ..} . أي لم تكن عاقبة شركهم أو كفرهم أو-كما صوب الطبري-لم تكن حجتهم أو قولهم عند اختبارنا إياهم اعتذارا مما سلف منهم من الشرك بالله، إلا أن أقسموا بالله يوم القيامة: ما كنا مشركين.

ص: 164

وهنا تساؤل ذكره الزمخشري: كيف يصحّ أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور، وعلى أن الكذب والجحود لا نفع فيه؟ ثم أجاب: الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما، حيرة ودهشة. وهناك حالة مماثلة: يقولون وهم يعذبون في النار: ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون، مع أنهم قد أيقنوا بالخلود ولم يشكّوا فيه.

ولكن هذا الإنكار حاصل منهم في بعض مواقف الحشر، توهما منهم أن ذلك ينفعهم، أما في موقف آخر فيعترفون بالشرك، كما قال تعالى:{قالُوا: رَبَّنا، هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ} [النحل 86/ 16] وقال تعالى:

{وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً} [النساء 42/ 4].

سئل ابن عباس عن هذه الآية وعن قوله: {وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً} فقال: أما قوله: {وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ} فإنهم لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام، قالوا: تعالوا لنجحد: {قالُوا: وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ} فختم الله على أفواههم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم:{وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً} [النساء 42/ 4]. أي أنهم في الحقيقة يعترفون بواقعهم، وفي الظاهر وحال التخبط في الإجابة ينكرون الشرك، فتارة يكذبون، وتارة يصدقون، {وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً} وذلك كله بسبب الدهشة والحيرة.

وتأويل الفتنة في تفسير ابن عباس: هي الشرك في الدنيا، لكن على تقدير مضاف: هو كلمة (عاقبة) أي أن أمر الشرك آل إلى نقيض المطلوب: وهو التبرؤ منه وتركه عند المحنة.

وما أحرج مواقف المجابهة بالحقائق وإظهار الكذب مواجهة، فيا له من خزي وعار! وهذا ما قاله تعالى:{اُنْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ} أي تأمل

ص: 165