الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} دليل على أن ما عدا أعمال المتقين لعب ولهو.
فقه الحياة أو الأحكام:
الآيات تقرير واقعي لحال من وقع في قبضة الحاكم الذي يقضي في جريمته، وإذا كان الغالب على حال المتهمين الإنكار بين يدي قاضي الدنيا، فإن المتهم إذا لم يجد مفرا من الإقرار بجريمته، بادر إلى الاعتراف بكل ما عمل.
وهكذا شأن الكفار والمشركين إذا قدّموا للحساب بين يدي الله، أدركوا ألا فائدة من الإنكار، وحينئذ إذا سئلوا عن البعث والمعاد، أقسموا بالله أنه حق ثابت، فيكون الحكم الصادر في حقهم تنفيذ العقاب المقرر عليهم، جزاء وفاقا على كفرهم.
والنقاش يحدث من قبل الملائكة، تقول لهم بأمر الله: أليس هذا البعث وهذا العذاب حقا؟ فيقولون: {بَلى وَرَبِّنا} إنه حق. ولا تناقض بين هذا التساؤل وبين قوله تعالى: {وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ} لأن السؤال يكون بواسطة الملائكة، والمراد بقوله {وَلا يُكَلِّمُهُمُ}: أنه لا يكلمهم بالكلام الطيب النافع.
ودلت الآيات على توضيح حالة أخرى من أحوال منكري البعث والقيامة وهي أمران: أحدهما-حصول الخسران للمكذبين بالبعث والقيامة والجزاء والحساب. والثاني-حمل الأوزار العظيمة على ظهورهم.
والمراد من الخسران: فوت الثواب العظيم وحصول العقاب الشديد وفي قولهم: {يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا} إشارة إلى أنهم لم يحصلوا لأنفسهم ما به يستحقون الثواب، أي أنهم قوم مقصرون. وقوله:{فِيها} أي في الصفقة، وترك ذكرها لدلالة الكلام عليها؛ لأن الخسران لا يكون إلا في صفقة بيع، بدليل قوله تعالى:{فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ} [البقرة 16/ 2].
وفي قوله تعالى: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ} إشارة إلى أنهم حصلوا لأنفسهم ما به استحقوا العذاب الشديد، ولا شك أن ذلك نهاية الخسران.
ودل قوله تعالى: {وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ} على قسمة أعمال الدنيا إلى قسمين: أعمال لا خير فيها ولا نفع، وهي أمور الدنيا المحضة، وهي الغالبة في أعمال الناس، وأعمال الآخرة التي لا لهو فيها ولا لعب وهي أفعال المتقين الأخيار، الذين عمروا دنياهم بصلاح الأعمال وخير الأقوال، روى ابن عبد البر عن أبي سعيد الخدري وأخرجه الترمذي عن أبي هريرة -وقال: حديث حسن غريب-قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدنيا ملعونة ملعون. ما فيها إلا ما كان فيها من ذكر الله، أو أدّى إلى ذكر الله، والعالم والمتعلم شريكان في الأجر، وسائر الناس همج لا خير فيه» .
وروي عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من هوان الدنيا على الله ألا يعصى إلا فيها، ولا ينال ما عنده إلا بتركها» .
وروى الترمذي عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرا منها شربة ماء» .
ودل قوله تعالى: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} على أن الإنسان لا يفكر غالبا تفكيرا يتفق مع حقيقة مصلحته، وإنما قد يرتكب ما يلحق بنفسه الضرر، ودل أيضا على أن الزهد في الدنيا، أي عدم استيلاء حبها على قلبه أمر مرغوب فيه.
وأشارت هذه الآية: {وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا.} . إلى أن منكري البعث والقيامة تعظم رغبتهم في الدنيا وتحصيل لذاتها، فذكر الله تعالى هذه الآية تنبيها على خساستها، ولكن يلاحظ أن هذه الحياة نفسها لا يمكن ذمها؛ لأنها بإرادة الله وحكمته، وخلقه وإيجاده، ولأنه لا يمكن التوصل إلى السعادة الأخروية إلا فيها، وإنما المقصود أن الذات الحياة الدنيا وطيباتها لا دوام لها، ولا يبقى منها