الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قل لهم أيها الرسول: لا يستوي أبدا الرديء والجيد، والضار والنافع، والفاسد والصالح، والحرام والحلال، والظالم والعادل، ولو أعجبك أيها المشاهد كثرة الخبيث من الناس أو المفسدين أو الأموال الحرام كالربا والرشوة والخيانة، وقلة الطيب من الصالحين والأبرار وأهل الاستقامة! فاتقوا الله يا أهل العقول، واحذروا تسلط الشيطان عليكم، فتغتروا بكثرة أهل الباطل والفساد أو كثرة المال الحرام، فإن العاقل هو الذي يتذكر ويعي ويحذر، وتقوى الله هي سبيل الفلاح والفوز والنجاة، وإحراز خيري الدنيا والآخرة.
والأمر بالتقوى تأكيد لما سبق من الترغيبات الكثيرة في الطاعة، والتحذيرات من المعصية.
فقه الحياة أو الأحكام:
ذكرت الآية أن مهمة التكليف تنتهي بمجرد تبليغ الأحكام الشرعية، ويبقى أمر التزامها والوقوف عند حدودها على الإنسان المكلف بحمل الأمانة.
وفي التزام الطاعة واجتناب المعصية تكمن الخطورة، وتظهر البطولة، ويعرف مدى الجهاد الذي جاهد به الإنسان نفسه ليحملها على الاستقامة، ويحجبها عن الانحراف، وتقديرا لهذه المخاطر والمواقف الصعبة لاختيار الحل الأفضل، رغب الله تعالى في الطاعة ونفر من المعصية في هذه الآيات في أربعة مواضع:{اِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ} {وَاللهُ يَعْلَمُ} {قُلْ: لا يَسْتَوِي} {فَاتَّقُوا اللهَ} .
فأين يفر الإنسان من رقابة الله له وعلمه الشامل المحيط بكل شيء، أظهره أو أخفاه في قلبه؟
وقد نقلت أقوال في تفسير الخبيث والطيب، فقيل: الحلال والحرام، وقيل: المؤمن والكافر، وقيل: الرديء والجيد، والصحيح كما قال القرطبي: أن اللفظ عام في جميع الأمور، يتصّور في المكاسب والأعمال، والناس، والمعارف من العلوم وغيرها، فالخبيث من هذا كله لا يفلح ولا ينجب، ولا تحسن له عاقبة وإن كثر، والطيب وإن قل نافع جميل العاقبة. قال الله تعالى:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ، وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً} [الأعراف 58/ 7].
وقد استنبط علماء المالكية حكما طريفا من الآية {لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} وهو أن البيع الفاسد يفسخ ولا يمضى بحوالة سوق، ولا بتغير بدن أي ببيع المبيع إلى آخر، ويرد الثمن على المشتري إن كان قبضه البائع، وإن تلف في يده ضمنه؛ لأنه لم يقبضه على الأمانة، وإنما قبضه بشبهة عقد، ويؤيد ذلك
قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد ومسلم عن عائشة: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» .
وتطبيقات هذا المبدأ كثيرة في الفقه، منها: إذا بنى الغاصب في البقعة المغصوبة أو غرس، فإنه يلزمه قلع ذلك البناء والغرس، لأنه خبيث، ثم ردّها على صاحبها؛ خلافا لقول أبي حنيفة: لا يقلع ويأخذ صاحبها القيمة. وهذا يرده
قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود عن عروة بن الزبير: «ليس لعرق ظالم حق» والعرق الظالم: أن يغرس الرجل في أرض غيره، ليستحقها بذلك.
والخطاب في قوله: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} للنّبي صلى الله عليه وسلم، والمراد أمته، فإن النّبي صلى الله عليه وسلم لا يعجبه الخبيث.