الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العظمى من جملتنا؟ كقوله تعالى: {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا} [القمر 25/ 54]، وقوله:{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا: لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ} [الأحقاف 11/ 46]. والمعنى: أنهم لما اختبروا بهذا، فآل عاقبته إلى أن قالوا هذا على سبيل الإنكار، وصار مثل قوله تعالى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً} [القصص 8/ 28].
وبعبارة أخرى: إن المشركين كانوا يقولون للمسلمين: أهؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا؟ أي أنعم عليهم بالتوفيق لإصابة الحق، ولما يسعدهم عنده من دوننا، ونحن المقدّمون والرؤساء، وهم العبيد والفقراء؟! إنكارا لأن يكون أمثالهم على الحقّ، ممنوعا عليهم من بينهم بالخير. وافتتانهم هو سبب هذا القول؛ لأنه لا يقول مثل هذا القول إلا مخذول مفتون.
ثم ردّ الله عليهم قولهم الناشئ عن العتو والاستكبار، فقال:{أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ} ؟ أي الله أعلم بمن يقع منه الإيمان والشكر، فيوفقه للإيمان وبمن يصمم على كفره، فيخذله ويمنعه التوفيق.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي من الأحكام الاعتقادية المهمة جدّا وهي:
1 -
إن الرّسول ليس عنده خزائن الله، ولا يملك التّصرّف في الكون، فلا يستطيع إنزال ما اقترحوه من الآيات.
2 -
إنه لا يعلم الغيب مثل بقية البشر.
3 -
إنه ليس بملك يشاهد من أمور الله ما لا يشهده البشر. واستدلّ بهذا القائلون بأن الملائكة أفضل من الأنبياء، كما استدلوا بقوله تعالى:{بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ، وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء 26/ 21 - 27].
{لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ، وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ} [التحريم 6/ 66].
وأما القائلون بتفضيل بني آدم على الملائكة فاستدلّوا بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ، أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البيّنة 7/ 98] بالهمز:
من برأ الله الخلق،
وبقوله عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه أبو داود: «وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم» وبما جاء في أحاديث من أن الله تعالى يباهي بأهل عرفات الملائكة، ولا يباهي إلا بالأفضل
(1)
.
4 -
إنه لا يملك حساب المؤمنين ولا جزاءهم.
5 -
لا يعمل إلا بالوحي، أي لا يقطع أمرا إلا إذا كان فيه وحي. وبهذا تمسّك القائلون بأنه لم يكن للنّبي صلى الله عليه وسلم الاجتهاد، بل جميع أحكامه صادرة عن الوحي، ويتأكد هذا بقوله تعالى:{وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى} [النّجم 3/ 53 - 4]، وقال نفاة القياس: وإذا كان لا يعمل إلا بالوحي، فوجب ألا يجوز لأحد من أمته أن يعملوا إلا بالوحي النّازل عليه.
والصحيح لدى الأصوليين أن الأنبياء يجوز منهم الاجتهاد، والقياس على المنصوص، والقياس أحد أدلّة الشرع. والأدلّة السابقة مخصوصة بالقرآن، للرّدّ على من زعم أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم يفتري القرآن من عند نفسه، ولإثبات كون القرآن منزلا عليه بالوحي الإلهي.
6 -
مهمّة الرّسول كغيره من الرّسل الموصوفين بكونهم مبشرين ومنذرين:
هي الإنذار لقوله تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا} .
7 -
الرّسول بحكم كونه بشرا مال فترة بحسب اجتهاده إلى إبعاد الفقراء والعبيد من مجلسه، طمعا في إسلام الزعماء والقادة، وإسلام قومهم، ورأى أن
(1)
تفسير القرطبي: 430/ 6، 289/ 1
ذلك لا يفوّت أصحابه شيئا، ولا ينقص لهم قدر، فمال إليه، فأنزل الله الآية:
{وَلا تَطْرُدِ.} . فنهاه عما همّ به من الطّرد، لا أنه أوقع الطّرد. وقد روينا في سبب النزول قصّتهم، ويحسن ذكر رواية أخرى هي
ما رواه مسلم في صحيحة عن سعد بن أبي وقاص قال: كنّا مع النّبي صلى الله عليه وسلم ستّة نفر، فقال المشركون للنّبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء عنك، لا يجترءون علينا؛ قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسمّيهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدّث نفسه، فأنزل الله عز وجل:{وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} .
وهذا دليل آخر على كون القرآن من عند الله تعالى، إذا يستحيل عقلا أن يهمّ النّبيّ بشيء، ثم ينهى نفسه عنه، لو لم يكن النّهي عن الفعل من عند ربّه.
8 -
في قوله تعالى: {وَكَذلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} إشارة إلى تبدل ميزان القوى ومراكز الناس؛ فإن حالات التّفوّق والنّعم لن تدوم للكفار، وأحوال الضعف التي مرّ بها المؤمنون وصبروا عليها لا بدّ أن تتبدّل، وسيصبح الأقوياء أذلّة، والضّعفاء أعزّة بالإسلام، ويعلو الحقّ، وتتأيّد دولة الله في الأرض، ويصبح أتباعها هم الأئمة الوارثين، قال تعالى:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ، إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم 7/ 14]، وقال:{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ، وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً، وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ} [القصص 5/ 28].
9 -
وفي الآية: {وَكَذلِكَ فَتَنّا} أيضا إيماء إلى أنّ ترك المشركين للإيمان لم يكن إلا عنادا وجحودا ناشئا عن الاستعلاء والاستكبار، لا عن حجّة وبرهان. وفيها كذلك أن كلاّ من فريقي المؤمنين والكافرين مبتلى بصاحبه، فالكفار الرؤساء الأغنياء كانوا يحسدون فقراء الصحابة على سبقهم في الإسلام