الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات اللغوية:
{نُهِيتُ} منعت وزجرت وصرفت بما أودع في من أدلّة العقل وبما أوتيت من أدلّة السّمع.
والنّهي: المنع من الشيء والزّجر عنه. {تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} تعبدون غيره، هذا هو المراد، وأصل الدّعاء: النداء لطلب إيصال الخير أو دفع الضّرّ. {لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ} أي لا أسير في طريقتكم التي سلكتموها في دينكم من اتّباع الهوى في عبادة الأصنام، دون اتّباع الدّليل، وهو بيان سبب الضّلال الذي وقعوا فيه، وتنبيه لكلّ من أراد إصابة الحقّ ومجانبة الباطل. {قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً} أي إن اتبعت أهواءكم فأنا ضالّ، وما أنا من الهدى في شيء. {بَيِّنَةٍ} البيّنة: كلّ ما يتبيّن به الحقّ من الحجج العقلية أو الأدلّة الحسية، ومن ذلك سميت الشهادة بيّنة. {يَقُصُّ الْحَقَّ} يذكره، والقصص: ذكر الخبر أو تتبع الأثر. {الْفاصِلِينَ} الحاكمين، والفصل: القضاء والحكم.
سبب النزول:
نزول الآية (57):
{قُلْ: إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ} قال الكلبي: نزلت في النّضر بن الحارث ورؤساء قريش، كانوا يقولون: يا محمد، ائتنا بالعذاب الذي تعدنا به استهزاء منهم، فنزلت هذه الآية.
المناسبة:
لما ذكر الله تعالى في الآية المتقدمة ما يدلّ على أنه يفصل الآيات ليظهر الحق ولتستبين سبيل المجرمين، ذكر في هذه الآية انه تعالى نهى عن سلوك سبيلهم.
التفسير والبيان:
قل يا أيها الرّسول لهؤلاء المشركين: إنّي نهيت وزجرت وصرفت عن عبادة ما تدعونهم وتطلبون منهم الخير ودفع الضّرّ، من صنم أو وثن أو عبد صالح مهما علا شأنه أو ملك من الملائكة، وقد صرفت عن هذا كله بأدلّة العقل والأدلّة الحسيّة وبالآيات القرآنية المانعة من عبادة ما تعبدون من دون الله. وفي هذا استجهال لهم ووصف بالاقتحام فيما كانوا فيه على غير بصيرة.
قل: لا أتّبع أهواءكم في سلوك طريقتكم القائمة على اتّباع الهوى دون اتّباع الدّليل، وإن اتّبعت أهواءكم فأنا ضالّ، وما أنا من الحقّ والهدى على شيء. وفي هذا تعريض بأنهم ليسوا من الهداية في شيء.
فإن عبادة غير الله ضلال وشرك، يترفّع عنها العاقل الواعي، وعبادة الله تعالى يدلّ عليها الحجّة والبرهان، والفكر والمنطق الصحيح.
ولما نفى أن يكون الهوى متبعا نبّه على ما يجب اتّباعه بقوله: {قُلْ: إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} أي قل لهم أيها الرّسول: إنّي فيما أخالفكم فيه على بصيرة من شريعة الله التي أوحاها الله إليّ، وعلى حجّة عقلية واضحة،، وشاهد صدق، والحال أنكم كذبتم بالحقّ الذي جاءني من الله، أي كذبتم بالقرآن وجحدتم وجود الله حيث أشركتم به غيره، وكذبتم بالبيّنات، واتّبعتم الهوى والضلال، وسرتم على منهج التّقليد الأعمى الذي لا دليل فيه.
ما عندي الذي تستعجلون به وهو العذاب، فليس إنزاله بمقدور لي، وما الحكم إلا لله أي إنما يرجع أمر ذلك إلى الله، إن شاء عجّل لكم ما سألتموه من ذلك، وإن شاء أنظركم وأجلّكم، لما له في ذلك من الحكمة العظيمة:{وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ} [الرّعد 8/ 13].
والله يقصّ الحقّ، أي يقصّ على رسوله القصص الحقّ في وعده ووعيده وجميع أخباره، وهو خير الفاصلين أي خير الحاكمين الذين يفصلون في القضايا بين عباده، وينفذ أمره متى شاء إصدار الحكم.
وكان عليه الصلاة والسلام يخوّف قومه بنزول العذاب عليهم بسبب هذا الشرك، والقوم لإصرارهم على الكفر كانوا يستعجلون نزول ذلك العذاب. فقال تعالى:{قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي..} . أي قل أيها الرّسول لهؤلاء الذين يستعجلون العذاب بقولهم: {اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، فَأَمْطِرْ
عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ، أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال 32/ 8]: قل لهم: لو كان مرجع ذلك العذاب إليّ، لأوقعت لكم ما تستحقونه من ذلك ولتمّ فصل القضاء بيني وبينكم، ولتخلّصت سريعا، وانقضى الأمر إلى آخره، والله أعلم بالظالمين الذين لا أمل في صلاحهم ورجوعهم إلى الإيمان والحقّ والعدل، لذا فإن إنزال العذاب بيده تعالى لا بيدي، والله أعلم كيف يعاقبهم، ومتى يعاقبهم، وعلى أي نحو يجازيهم:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً، وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف 34/ 7].
وقد أثير اعتراض: وهو كيف يوفق بين هذه الآية: {قُلْ: لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} وبين قوله صلى الله عليه وسلم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله، لا يشرك به شيئا» ؟ والجواب: أن هذه الآية عند سؤالهم العذاب، ففيها دلالة على أنه لو كان إليه وقوع العذاب الذي يطلبونه حال طلبهم له، لأوقعه بهم؛ وأما الحديث: فليس فيه أنهم سألوه وقوع العذاب بهم، بل عرض عليه ملك الجبال أنه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين: وهما جبلا مكّة اللذان يكتنفانها جنوبا وشمالا، فلهذا استأنى بهم، وسأل الرّفق لهم بالرّغم من أنه عرض عليه عذابهم واستئصالهم.
وقصة الحديث: هي ما رواه الشيخان في الصحيحين عن عائشة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: لقد لقيت من قومك، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد ظللتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال، وسلّم علي، ثم قال: يا محمد، إن الله