المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لهؤلاء الأقوام: إنما بعثت مبشرا ومنذرا، وليس لي أن أتحكّم - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٧

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌علاقة اليهود والنصارى بالمؤمنينعداوة اليهود وإيمان القساوسة والرهبان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إباحة الطيبات

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اليمين اللغو واليمين المنعقدة وكفّارتها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النّزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع الأيمان بحسب المحلوف عليه:

- ‌تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الصيد في حالة الإحرام وجزاء صيد البر

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مكانة البيت الحرام والشهر الحرام وشأن الهدي والقلائد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الترهيب من عقاب الله والترغيب بفعل الطيب

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌النهي عن كثرة السؤال فيما لم ينزل به وحي

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ما حرّمه الجاهليون من الماشية والإبل

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التفويض إلى الله تعالىبعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الشهادة على الوصية حين الموت

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سؤال الرسل يوم القيامة عن أثر دعوتهم

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التّذكير بمعجزات عيسى عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنزال المائدة على بني إسرائيل بطلب الحواريين

- ‌الإعراب

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تبرئة عيسى من مزاعم النصارىألوهيته وألوهية أمه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الأنعام

- ‌تسميتها:

- ‌نزولها وفضلها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه:

- ‌أدلة وجود الله ووحدانيته والبعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سبب كفر الناس بآيات ربّهم وإنذارهم بالعقاب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عناد الكفار والرّدّ على طلبهم بإنزال كتاب أو إرسال ملك

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (7):

- ‌نزول الآية (8):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عاقبة المستهزئين والمكذّبين

- ‌الأعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أدلة أخرى لإثبات الوحدانية والبعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قدرة الله على كشف الضر وشهادة الله للنّبي صلى الله عليه وسلم بالصدقومجادلة المشركين في تعدد الآلهة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌معرفة أهل الكتاب النّبي صلى الله عليه وسلم والافتراء على اللهوتبرؤ المشركين من الشرك في الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مواقف من عناد المشركين حول القرآن الكريم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (25):

- ‌نزول الآية (26):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال المشركين أمام النار أو كيفية هلاكهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال المشركين أمام ربهم في الآخرةوحقيقة الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حزن النّبي صلى الله عليه وسلم لإعراض قومه وبيان تكذيب الرسل المتقدمين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌رفض المشركين دعوة النّبي صلى الله عليه وسلم ومطالبتهم بتنزيل آية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌كمال علم الله وتمام قدرته وعدم التفريط بشيء في القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اللجوء إلى الله وحده في الشدائد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من أدلّة القدرة الإلهية والوحدانيّة ومهام الرّسل المرسلين

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌انحصار مصدر علم النّبي صلى الله عليه وسلم بالوحي ومهمته في الإنذاروطرد الضعفاء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض أحوال رحمة الله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النّزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حسم الجدل بين النّبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌كمال علم الله تعالى وقهره العباد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القدرة الإلهية على الإنجاء من الظلمات

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القدرة الإلهية على تعذيب العصاة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الإعراض عن مجالس المستهزئين بالقرآن وعذابهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مزايا الإيمان بالله ومخازي الشرك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الجدال بين إبراهيم عليه السلام وبين آزروسبب ترك الشرك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المحاجة بين إبراهيم وقومه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إبراهيم أبو الأنبياء وخصائص رسالاتهم والاقتداء بهديهم

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات النبوةوإنزال الكتب على الأنبياء ومهمة القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌افتراء الكذب على الله وعقابه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (93):

- ‌نزول الآية (94):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قدرة الله الباهرة في الكون

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المزاعم المنسوبة إلى الله (الجن والولد والصاحبة)وكونه لا تدركه الأبصار

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مبصّرات الوحي وقدرة الله على منع الشرك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌النهي عن سب الأصنام والأوثان

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (108):

- ‌نزول الآية (109):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: لهؤلاء الأقوام: إنما بعثت مبشرا ومنذرا، وليس لي أن أتحكّم

لهؤلاء الأقوام: إنما بعثت مبشرا ومنذرا، وليس لي أن أتحكّم على الله، ومأمور أن أنفي عن نفسي أمورا ثلاثة: ليس عندي خزائن الله، ولا أعلم الغيب، ولست ملكا من الملائكة. والفائدة من نفي هذه الأحوال: إظهار الرّسول تواضعه لله وعبوديته له، ردّا على اعتقاد النصارى في عيسى عليه السلام، وإظهار عجزه عن الإتيان بالمعجزات المادية القاهرة القوية، فهذا من قدرة الله اللائقة به، ويعني ذلك أنه لا يدعي الألوهية ولا الملكية.

‌التفسير والبيان:

كان المشركون يطلبون من النّبي صلى الله عليه وسلم معجزات ماديّة قاهرة، جهلا منهم بمهمّة الرّسول ورسالته، فأنزل الله: قل أيها الرّسول لهؤلاء: لست أملك خزائن الله ولا أقدر على قسمتها وتوزيعها والتّصرّف فيها، فهذا لله وحده يعطي منها لعباده ما يشاء على وفق الحكمة وضمن قيد الأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى النتائج والمسببات.

ولا أقول لكم: إني أعلم الغيب، فذاك لله عز وجل، ولا أطّلع منه إلا ما أطلعني عليه، كما قال:{عالِمُ الْغَيْبِ، فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ} [الجن 26/ 72 - 27].

ولا أدّعي أني ملك من الملائكة، إنما أنا بشر من البشر، يوحى إليّ من الله عز وجل، فلا أستطيع أن آتي بما لا يقدر عليه البشر.

والمعنى في هذه الأمور الثلاثة: أني لست أدّعي الألوهية، ولا علم الغيب، ولا الملكيّة، حتى تطلبوا مني ما ليس في طاقتي وقدرتي، إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ القرآن وبيانه، ولست في هذا مبتدعا، إنما سبقني إلى الرّسالة رسل كثيرون قبلي.

ص: 210

ووظيفة الرّسول: اتّباع الوحي، وهذا معنى قوله تعالى:{إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ} أي لست أخرج عنه قيد شبر ولا أدنى منه.

ثم وبّخهم الله على ضلالهم مبيّنا لهم أنه لا يستوي الضّال والمهتدي فقال:

{قُلْ: هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ} أي قل للمشركين المكذبين: هل يستوي من اتّبع الحق وهدي إليه، ومن ضلّ عنه وحاد عن الحقّ.

أفلا تتفكرون فتميّزوا بين ضلال الشّرك وهداية الإسلام، وتعقلوا ما في القرآن من أدلّة توحيد الله وإيجاب اتّباع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا مثل قوله تعالى:{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى، إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ} [الرعد 19/ 13].

وخلاصة ما سبق: إثبات قدرة الله المطلقة التي تنفي وجود مثلها لأحد، مما يدلّ على وجود الله ووحدانيته، وإثبات كون القرآن والمعجزات المؤيدة لصدق النّبي صلى الله عليه وسلم: هي من الله وحده؛ لأنه لا يستطيع الرّسول التّصرف في شيء خارج الحالات المعتادة، ولا الإتيان بشيء مثل القرآن أو تنزيل الآيات الغريبة، وإجراء المعجزات الخارقة للعادة.

هذه حقيقة الرّسالة، ثم أمر الله نبيّه بإنذار المؤمنين سوء الحساب والجزاء فقال:{وَأَنْذِرْ بِهِ.} . أي وأنذر يا محمد بالوحي أو بالقرآن الذين يؤمنون بالله ويخافون من الحشر وأهواله وشدّة الحساب يوم القيامة، وما يتبع ذلك من الجزاء على الأعمال، عند لقاء الله، ويعتقدون بأنه ليس لهم فيه وليّ ولا شفيع ولا حميم ولا نصير:{يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً، وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ} [الانفطار 19/ 82]، لعلهم يتقون أي أنذر هذا اليوم الذي لا حاكم فيه إلا الله عز وجل، قال ابن عبّاس: معناه وأنذرهم لكي يخافوا في الدّنيا، وينتهوا عن الكفر والمعاصي.

ص: 211

فهؤلاء المؤمنون بالله وبالغيب وباليوم الآخر هم الذين ينتفعون بالقرآن.

أما المادّيون الذين لا يؤمنون بغير المادّة، فقد حجبوا عن أنفسهم نور الهداية الإلهية، فطبع الله على قلوبهم وأصمّهم وأعمى أبصارهم. وهذا مثل قوله تعالى:

{إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ، وَمَنْ تَزَكّى فَإِنَّما يَتَزَكّى لِنَفْسِهِ، وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ} [فاطر 18/ 35].

ثم منع الله نبيّه من تقريب كفار قريش وأشرافهم المترفين، ومن تنحية المؤمنين المستضعفين وطرد الضّعفاء من الناس، فقال:{وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ..} .

أي لا تبعد عنك هؤلاء المتّصفين بهذه الصفات، بل اجعلهم جلساءك وخلصاءك، وصفاتهم أنهم مؤمنون حقّ الإيمان، موحّدون ربّهم دون شائبة شرك، يدعون ربّهم بالغداة والعشي أي في الصّباح والمساء وجميع الأوقات، يخلصون في طاعتهم وعبادتهم، فلا يقصدون إلا إرضاء الله تعالى، ولا يريدون من عبادتهم إلا ذات الله وحقيقته؛ لأنه المستحق للعبادة. ونظير الآية قوله تعالى:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ، تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا، وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا، وَاتَّبَعَ هَواهُ، وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف 28/ 18].

وموقف هؤلاء المشركين له شبيه بموقف قوم نوح حين قال أشرافهم له:

{وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ} [هود 27/ 11]، وقوله لهم:{وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا، إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ، وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ} [هود 29/ 11].

ثم حصر اللّّه تعالى حساب هؤلاء بربّهم، كما قال تعالى:{إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلى رَبِّي} [الشعراء 113/ 26]، وذلك أنهم طعنوا في دينهم وإخلاصهم، فقال تعالى:{ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} بعد أن شهد الله لهم بالإخلاص

ص: 212

وبإرادة وجه الله في أعمالهم. وإن كان الأمر كما يقولون عند الله، فما يلزمك إلا اعتبار الظاهر، وإن كان لهم باطن غير مرض بأن كانوا غير مخلصين، فحسابهم عليهم لازم لهم لا يتعدّاهم إليك، كما أن حسابك عليك، لا يتعدّاك إليهم

(1)

، كما قال تعالى:{كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور 21/ 52]، وقال:{كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدّثر 38/ 74]، وقال:{وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} [الأنعام 164/ 6، الإسراء 15/ 17، فاطر 18/ 35، الزمر 7/ 39].

والجملتان وهما {ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ} بمنزلة جملة واحدة، ومؤدّاهما واحد، ولا بدّ منهما جميعا، كأنه قيل:

لا تؤاخذ أنت، ولا هم بحساب صاحبه.

فلماذا تطردهم؟ لأن الطّرد جزاء، والجزاء بعد الحساب والمحاكمة، والحساب على الله، وما عليك إلا البلاغ:{فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية 21/ 88 - 22].

فإن طردتهم والحالة هذه، فتكون بطردهم من زمرة الظالمين أنفسهم، لأن الطّرد-كما ذكرت-لا يكون إلا بذنب، والحساب على الذّنب إلى الله، لا إليك.

والخلاصة: ذكر الله غير المتقين من المسلمين، وأمر بإنذارهم ليتقوا، ثم أردفهم ذكر المتقين منهم، وأمر الله نبيّه بتقريبهم وإكرامهم، وألا يطيع فيهم من أراد بهم خلاف ذلك.

ثم أوضح الله تعالى أن مقال المشركين في شأن الضعفاء ابتلاء من الله واختبار فقال: {وَكَذلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} أي ابتلينا واختبرنا وامتحنّا بعضهم ببعض، لتكون العاقبة أن يقول الأقوياء من الكفار في حقّ الضعفاء من المؤمنين: أهؤلاء الصّعاليك من العبيد والموالي والفقراء خصّهم الله بهذه النّعمة

(1)

الكشّاف: 507/ 1

ص: 213