الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإعراب:
{ما مِنْ دَابَّةٍ} و {ما}
…
{مِنْ شَيْءٍ} من في المكانين: صلة زائدة تفيد التأكيد.
البلاغة:
{يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ} أكد الطيران بالجناحين وهو لا يكون عادة إلا بهما، لدفع توهم المجاز، لأن الطائر قد يستعمل مجازا للعمل كقوله:{أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} . {صُمٌّ وَبُكْمٌ} تشبيه بليغ، أي كالصم البكم في عدم السماع وعدم الكلام، فحذفت منه الأداة ووجه الشبه.
المفردات اللغوية:
{دَابَّةٍ} الدابة: كل ما يدب على الأرض من إنسان أو حيوان. والدبّ: المشي الخفيف {طائِرٍ} الطائر: كل ذي جناح يطير في الهواء، وجمعه طير. {أُمَمٌ} جمع أمة، وهي كل جماعة يجمعهم أمر كدين أو لغة أو صفة أو عمل أو زمان أو مكان. والمقصود من قوله:{أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ} أنها كالإنسان في تدبير خلقها ورزقها وأحوالها {ما فَرَّطْنا} ما تركنا، التفريط في الأمر: التقصير فيه وتضييعه حتى يفوت {فِي الْكِتابِ} هنا: اللوح المحفوظ {يُحْشَرُونَ} الحشر: الجمع والسّوق، وبعد الحشر يقضي الله بينهم، ويقتص للجماء من القرناء، ثم يقول لأنواع الحيوان: كونوا ترابا. {بِآياتِنا} القرآن {صُمٌّ} عن سماعها سماع قبول {وَبُكْمٌ} عن النطق بالحق {فِي الظُّلُماتِ} المراد هنا الكفر {صِراطٍ} طريق، والطريق المستقيم: هو دين الإسلام.
المناسبة:
بعد أن أبان الله تعالى أنه قادر على إنزال الآيات وسائر المعجزات وأنه لو كان إنزالها مصلحة لهم لفعلها ولأظهرها، ذكر الدليل على ذلك: وهو رعايته وعنايته ورحمته وفضله على كل ما يدب على الأرض، فإذا كانت آثار عنايته واصلة إلى جميع الحيوانات، لم يبخل بإظهار هذه المعجزات لو كان فيها مصلحة للمكلفين.
التفسير والبيان:
لا يوجد نوع من أنواع الدواب والطيور إلا وهي أمم مخلوقة أمثالكم أيها الناس وهي أيضا أصناف مصنفة مثلكم، لها أرزاقها وآجالها ونظامها وأحوالها
وطبائعها، والله تعالى يدبرها ويرعى شأنها ويحسن إليها.
وخص دواب الأرض بالذكر؛ لأنها المرئية للكفار، أما ملكوت السموات ففيه ما لا يعلمه إلا الله وحده، وفيه من الكائنات الحية ما لا يدرك حقيقته إلا الله، كما قال تعالى:{وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ، وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ} [الشورى 29/ 42].
ولم يترك الله شيئا أبدا إلا ذكره في الكتاب: وهو اللوح المحفوظ: (وهو شيء مخلوق في عالم الغيب دوّن فيه كل ما كان وما سيكون من مقادير الخلق إلى يوم القيامة) أي أن علم جميع المخلوقات عند الله، ولا ينسى واحدا منها من رزقه وتدبيره، سواء كان في البر أو في البحر أو في الجو، كقوله:{وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ} [هود 6/ 11]. والأظهر عند الرازي وجماعة: أن المراد بالكتاب: القرآن؛ لأن اللام للعهد السابق، والمعهود السابق: هو القرآن.
ثم يبعث الله جميع تلك الأمم من الناس والحيوان ويجمعها إليه يوم القيامة، ويجازي كلا منها، كما قال:{وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير 5/ 81].
روى الإمام أحمد عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شاتين تنتطحان فقال: «يا أبا ذر هل تدري فيم تنتطحان؟» قال: لا، قال:«لكن الله يدري وسيقضي بينهما» .
وذكر عبد الله بن أحمد في مسند أبيه عن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة» . وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة في قوله: {إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ، ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} قال: يحشر الخلق كلهم يوم القيامة، البهائم والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل الله يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول: كوني ترابا، فلذلك يقول الكافر:{يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً} [النبأ 40/ 78].