الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روى أحمد عن عقبة بن عامر عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج» . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ..} . الآية.
وفي رواية الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان: «إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب، وهو مقيم على معاصيه، فإنما ذلك منه استدراج» .
أما المؤمن فلا يغتر بالنعمة ويصبر عند النقمة،
روى مسلم عن صهيب مرفوعا: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له» .
فقه الحياة أو الأحكام:
الآية: {قُلْ: أَرَأَيْتَكُمْ..} . حجة دامغة للمشركين، وهي مثل بارع في محاجّتهم ومجادلتهم، فهم عند الشدائد يرجعون إلى الله، وسيرجعون إليه يوم القيامة أيضا، فلم هذا الإصرار على الشرك في حال الرفاهية؟! مع أنهم في وقت الشدة يتناسون الأصنام ويدعون الله في صرف العذاب، وهذا دليل على اعترافهم به. ومن رحمة الله تعالى بعباده تذكيره بأحوال الأمم السابقة للعبرة والعظة، وأنه يؤدب عباده بالبأساء (المصائب في الأموال) والضّراء (المصائب في الأبدان) وبما شاء:{لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ} [الأنبياء 23/ 21]. من أجل أن يرجعوا عما هم عليه من كفر وعصيان، ويثوبوا إلى رشدهم.
ولكن العناد يصحب الكفر غالبا، لذا عاتب الله تعالى الكفار على ترك الدعاء، وأخبر عنهم أنهم لم يتضرعوا حين نزول العذاب، وربما تضرعوا بغير إخلاص، أو حين مباشرة العذاب، وهو غير نافع لهم حينئذ.
ويفهم من ذلك أن الدعاء مأمور به في حال الرخاء والشدة، قال الله
تعالى: {اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر 60/ 40] وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي} -أي دعائي- {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ} [غافر 60/ 40] وهذا وعيد شديد.
وأما وجود العناد من الكفار فدل عليه قوله تعالى: {وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} أي صلبت وغلظت، وهي عبارة عن الكفر والإصرار على المعصية.
وهم في ذلك متأثرون بالشيطان: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} أي أغواهم بالمعاصي وحملهم عليها.
والإنعام على عبد ليس دليل الرضا عليه، وإنما إذا وجدت النعمة مع البقاء على المعصية، كان ذلك استدراجا من الله تعالى، كما قال:{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم 45/ 68]. قال بعض العلماء: رحم الله عبدا تدبر هذه الآية:
{حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً} . وقال محمد بن النضر الحارثي: أمهل هؤلاء القوم عشرين سنة. وقال الحسن البصري: والله ما أحد من الناس بسط الله له في الدنيا، فلم يخف أن يكون قد مكر له فيها إلا كان قد نقص عمله، وعجز رأيه، وما أمسكها الله عن عبد فلم يظن أنه خير له فيها، إلا كان قد نقص عمله، وعجز رأيه».
وإن تدمير الأقوام وإهلاك الأمم مأساة في عرفنا، ولكن في تقدير الله عبرة وعظة حتى لا يستشري الفساد. وتضمنت آية {فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ..} . على وجوب ترك الظلم؛ لما يؤدي إليه من العذاب الدائم، وتضمنت أيضا وجوب حمد الله تعالى الذي يعاقب الظلمة، حتى لا يدوم الفساد، وينضب عنصر الخير.