الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إسرافيل. {عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ} ما غاب وما شوهد. {الْحَكِيمُ} في خلقه. {الْخَبِيرُ} ببواطن الأشياء كظواهرها.
سبب النزول:
قال السدي: قال المشركون للمسلمين: اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد، فأنزل الله عز وجل:{قُلْ: أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا، وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا} .
المناسبة:
المقصود من هذه الآية: {قُلْ: أَنَدْعُوا..} . الردّ على عبدة الأصنام، وهي مؤكدة لقوله تعالى قبل ذلك:{قُلْ: إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} .
التفسير والبيان:
قل لهم أيها الرسول: أنعبد من دون الله النافع الضارّ ما لا يقدر على نفعنا ولا على ضرنا، ونرد على أعقابنا إلى الشرك والكفر، بعد أن أنقذنا الله منه، وهدانا للإسلام؟ فيكون مثلنا مثل الذي استهوته الشياطين في الأرض وذهبت بعقله، وأصبح حيران تائها لا يدري كيف يسير؟ والحال أن له أصحابا على الجادة المستقيمة يدعونه إلى طريق الهدى، قائلين له:{اِئْتِنا} .
ويقال لكل من أعرض عن الحق إلى الباطل: إنه رجع إلى الخلف، ونكص على عقبيه، ورجع القهقرى. والسبب: أن الأصل في الإنسان هو الجهل، ثم إذا ترقى وتكامل حصل له العلم، قال تعالى:{وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ} [النحل 78/ 16] فإذا رجع من العلم إلى الجهل مرة أخرى، يقال له: ردّ على عقبيه.
والمقصود بالآية ضرب مثل مفاده: أن من يرتد مشركا بعد الإيمان، كمن جعله الجنون هائما على وجهه، ضالا في الطرقات، حيران لا يهتدي، تاركا رفاقه على الطريق المستقيم، وهم ينادونه: ائتنا، وعد إلينا، فإنا على الطريق الصحيح، فلا يستجيب لهم. فهذا مثل من يتبع آلهة الأصنام ويعبدها من دون الله، فإنه يرى أنه في شيء، حتى يأتيه الموت، فلا يجد إلا الندامة والهلاك، علما بأن له صاحبا مخلصا وهو محمد صلى الله عليه وسلم يدعوا إلى الطريق الحق وهو الإسلام.
قال الزمخشري: وهذا مبني على ما تزعمه العرب وتعتقده أن الجن تستهوي الإنسان، والغيلان تستولي عليه، كقوله:{كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة 275/ 2] فشبه الضال عن طريق الإسلام بالتابع لخطوات الشيطان، والمسلمون يدعونه إلى الدين الحق، فلا يلتفت إليهم
(1)
.
وقوله: {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ} أي أضلته في الأرض، والشياطين: هم الغيلان يدعونه باسمه واسم أبيه وجده، فيتبعها، وهو يرى أنه في شيء، فيصبح وقد رمته في هلكة.
أدعهم أيها الرسول لدين الحق، وقل لهم: إن هدى الله في قرآنه هو الهدى، وطريق الإسلام هو الحق، وهو الصراط المستقيم، لا ما تدعون إليه من أهوائكم.
وقل لهم: وأمرنا بأن نسلم لله رب العالمين، أي نخلص له العبادة وحده لا شريك له، فأسلمنا.
وأمرنا بأن أقيموا الصلاة، أي أمرنا بالإسلام وبإقامة الصلاة: وهي الإتيان بها على الوجه الأكمل الذي شرعت من أجله، وهو تزكية النفس بمناجاة الله، والنهي عن الفحشاء والمنكر.
(1)
الكشاف: 512/ 1
وأمرنا أيضا بالتقوى: وهي اتقاء ما يترتب على مخالفة دين الله وشرعه، أي نحن مأمورون بأمور ثلاثة: هي الإخلاص لله دون إشراك، وإقامة الصلاة وعبادة الله وحده دون غيره، والتقوى في جميع الأحوال، سرا وعلنا، فهو الذي إليه تحشرون أي تجمعون يوم القيامة، وإليه وحده المرجع والمآب، فيحاسبكم على أعمالكم، ويجازيكم عليه، فليس من العقل ولا من الحكمة ولا من المصلحة أن يعبد غيره.
والله هو خالق السموات والأرض ومالكهما ومدبرهما ومن فيهما، وخلقه قائم على الحق والعدل والحكمة:{وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ، ما خَلَقْناهُما إِلاّ بِالْحَقِّ} [الدّخان 38/ 44 - 39]، {رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً} [آل عمران 191/ 3].
وقوله هو الحق أي قضاؤه هو الحق، حين يقول للشيء يوم القيامة:
{كُنْ فَيَكُونُ} وأمره كلمح البصر أو هو أقرب. ويوم يقول: منصوب إما عطفا على قوله: {وَاتَّقُوهُ} وتقديره: واتقوا يوم يقول: {كُنْ فَيَكُونُ} وإما على قوله: {خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} أي وخلق يوم يقول: {كُنْ فَيَكُونُ} .
وأمره التكويني: {كُنْ} وأمره التكليفي سواء: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف 54/ 7]. ومن كان أمره التكويني مطاعا، كان أمره التكليفي كذلك واجب الطاعة، فالخلق حق، والأمر حق.
ولله الملك المطلق والتصرف التام في ملكه. وقوله تعالى: {قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ} جملتان محلهما الجر، على أنهما صفتان لرب العالمين.
ويوم ينفخ في الصور يصعق كل من في السموات والأرض، ويهلك حتى
الملك الذي نفخ فيه، ثم ينفخ فيه مرة أخرى، فإذا الكل قيام ينظرون، أي ينتظرون ما سيفعل بهم، فالنفخة الأولى للإماتة، والثانية للنشر والحشر.
وقوله: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} إما بدل من قوله: {وَيَوْمَ يَقُولُ: كُنْ فَيَكُونُ}
…
{يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} وإما ظرف لقوله: {وَلَهُ الْمُلْكُ} كقوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ، لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ} [غافر 16/ 40] أي أن الملك يوم الحشر والنشر من القبور يوم النفخ في الصور لله تعالى وحده.
أما الصور فالمراد به ما جاء في الأخبار الصحيحة،
روى أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: قال أعرابي: يا رسول الله ما الصور؟ قال: «قرن ينفخ فيه» .
وروى مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن إسرافيل قد التقم الصور، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر، فينفخ» . وقال ابن مسعود: «الصور كهيئة القرن ينفخ فيه» .
والنفخات ثلاث كما جاء
في حديث الصور عن أبي هريرة: «ينفخ فيه ثلاث نفخات: النفخة الأولى: نفخة الفزع، والثانية: نفخة الصعق، والثالثة:
نفخة القيام لرب العالمين.»
(1)
.
ومن صفاته تعالى: أنه عالم الغيب (أي ما غاب عنا) والشهادة (عالم الحس الذي نراه) وعن ابن عباس: الغيب والشهادة: السرّ والعلانية. وهو الحكيم في خلقه، فلا يفعل ولا يشرع لعباده إلا ما فيه الحكمة والمصلحة، وهو الخبير بأحوالهم المطلع على سرائرهم أو نياتهم أو ضمائرهم، وأقوالهم.
وإذا كان الله هو المتصف بهذه الصفات: خالق السموات والأرض، وقوله الحق تكوينا وتكليفا، وله الملك وحده في الدنيا والآخرة يوم يحشر الخلائق،
(1)
تفسير ابن كثير: 146/ 2