الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدعو، فجاءه جبريل، فقال له: إن شئت أصبح ذهبا، فإن لم يصدقوا عند ذلك لنعذبنهم (أي عذاب الاستئصال)، وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم، فقال صلى الله عليه وسلم: أتركهم حتى يتوب تائبهم، فأنزل الله:{وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ} إلى قوله: {يَجْهَلُونَ} ».
المناسبة:
الآية متعلقة بما قبلها من قول المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم: إنما جمعت هذا من مدارسة الناس ومذاكرتهم، وحينئذ لا يبعد أن يغضب بعض المسلمين لسماع ذلك، فيسبوا آلهة الكفار على سبيل المعارضة، فنهى الله تعالى عن هذا الصنع، لأنه متى شتمت آلهتهم، فربما ذكروا الله تعالى بما لا ينبغي من القول.
التفسير والبيان:
ينهى الله تعالى رسوله والمؤمنين عن سب آلهة المشركين، وإن كان فيه مصلحة، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين، وهو {اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ} كما قال ابن عباس.
لا تسبوا أيها المسلمون آلهة المشركين التي يدعونها من دون الله؛ إذ ربما نشأ عن ذلك سبّهم لله عز وجل عدوانا، أي ظلما وتجاوزا منهم للحدّ في السباب والمشاتمة، لإغاظة المؤمنين، جهلا منهم بقدر الله تعالى وعظمته. وهذا يدل على أن الطاعة أو المصلحة إن أدت إلى معصية أو مفسدة تترك، وقد أمر الله موسى وهارون باللطف في مخاطبة فرعون:{فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً، لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى} [طه 44/ 20].
وكما زينا لهؤلاء القوم حب الأصنام والانتصار لها، زينا لكل أمة من الأمم سوء عملهم من الكفر والضلال، أي أن هذه سنة الله في خلقه، يستحسنون
عاداتهم وتقاليدهم التي ساروا عليهم عن تقليد وجهل، أو عن معرفة وعناد، والله يتركهم وشأنهم.
وهذا التزيين أثر لاختيارهم دون جبر أو إكراه، لا أن الله خلق في قلوبهم تزيينا للكفر والشر، كما زين في قلوب آخرين الإيمان والخير، وإلا كان الإيمان والكفر والخير والشر غريزة، تعد الدعوة إلى الإصلاح بعدها نوعا من العبث، والله منزه عنه، وكان الثواب والعقاب وإرسال الرسل وإنزال الكتب لا معنى له ولا عدل فيه.
وبعد تركهم وشأنهم في الدنيا يكون معادهم ومصيرهم بعد الموت وحين البعث إلى ربهم ومالك أمرهم، لا إلى غيره، فيجازيهم بأعمالهم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. وهذا إنذار وتهديد.
وهؤلاء المشركون حلفوا أيمانا مؤكدة بالله: لئن جاءتهم معجزة مادية وخارقة للعادة من الآيات الكونية التي يقترحونها، ليصدقن بها أنها من عند الله، وأنك رسول الله. وفي هذا إشارة إلى أنهم قوم معاندون؛ لأنهم لم يروا أن هذا القرآن من جنس المعجزات أصلا، وليس من هدفهم إلا التحكم في طلب المعجزات.
قل يا محمد لهؤلاء الذين يسألونك الآيات تعنتا وعنادا وكفرا، لا على سبيل الهدى والاسترشاد: إنما مرجع هذه الآيات إلى الله، وهو القادر عليها، إن شاء جاءكم بها، وإن شاء ترككم فلا ينزلها إلا على موجب الحكمة، كما قال:{وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ} [غافر 78/ 40].
ثم خاطب الله نبيه والمؤمنين الذين تمنوا مجيء آية مما اقترحوا ليؤمنوا:
وما يدريكم إيمانهم؟ أي بتقدير أن تجيئهم هذه الآيات، فهم لا يؤمنون إذا جاءتهم