الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والبعث، وثالثا فيما يثبت الأمرين بالدّلائل الواضحة، ثمّ ذكر هنا ما يتعلّق بالنّبوة، فأبان سبب إعراض الكفار عن آيات ربّهم بعد إتيان النّبي صلى الله عليه وسلم بها، وهو إشراكهم بالله وتكذيبهم الرّسل، وأنذرهم عاقبة التّكذيب بالحقّ بدليل ما حلّ بالأمم قبلهم.
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى عن المشركين المعاندين أنهم كلّما أتتهم معجزة وحجّة دامغة من دلائل وحدانية الله وصدق رسله الكرام، أعرضوا عنها، ولم ينظروا فيها، ولم يبالوا بها.
وما تأتي المشركين يا محمد بأي آية من آيات القرآن المنزّلة من ربّهم الذي ربّاهم، وتعهّدهم في حالتي الضعف والقوّة، وكفل لهم رزقهم، وأنعم عليهم بكل شيء في أنفسهم وفي الأرض والسماء، تلك الآيات الدّالة على بديع صنع الله، ما تأتيهم من آية إلا أعرضوا عنها استهزاء، كما قال تعالى:{ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء 2/ 21].
وفسّر القرطبي الآية بالعلامة كانشقاق القمر ونحوها، وكذلك فسّر ابن كثير الآية بالمعجزة والحجّة على وحدانية الله.
وسبب ذلك الإعراض عن النّظر في آيات الله: تكذيبهم بالحقّ الذي جاءهم، وهو دين الإسلام الذي أتى به خاتم الأنبياء.
ثمّ هدّدهم وتوعّدهم على تكذيبهم بالحقّ بقوله: {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ} أي بأنه لا بدّ أن يأتيهم خبر ما هم فيه من التّكذيب، وسيجدون عاقبة أمرهم وهزئهم، كالقتل والسّبي والطّرد من البلاد، وقد تحقّق ذلك، فنزل بهم القحط، وحلّت بهم الهزيمة يوم بدر وفتح مكّة.
قال الرّازي: رتّب تعالى أحوال هؤلاء الكفار على مراتب ثلاث: إعراض عن التّأمّل في الدّلائل والتّفكّر في البيّنات، وكونهم مكذّبين بها، ثم كونهم مستهزئين بها، وكلّ مرتبة أشدّ مما قبلها؛ لأن المعرض عن الشيء قد لا يكون مكذّبا به، بل يكون غافلا عنه، والمكذّب بالشيء قد لا يبلغ تكذيبه به إلى حدّ الاستهزاء
(1)
.
ثمّ بيّن الله تعالى أن الوعيد بالعذاب سنّة الله في المكذّبين، فقال:{أَلَمْ يَرَوْا.} . أي ألم يعلم هؤلاء المكذّبون بالحقّ أنّا أهلكنا كثيرا من الأمم السابقة قبلهم، مثل قوم عاد وثمود وقوم فرعون وإخوان لوط، الذين كذّبوا رسلهم، بالرّغم من إعطائهم من أسباب القوة والسّعة في الرّزق والاستقلال والملك، ما لم نعطهم مثله. والقرن: الأمّة من الناس، الذين يعيشون في عصر واحد مائة سنة. والرؤية في قوله تعالى:{أَلَمْ يَرَوْا} رؤية القلب.
امتازوا بالغنى عن كفار قريش، فكانت الأمطار تنزل عليهم بكثرة وغزارة وتتابع، وكانت الأنهار تجري من تحت مساكنهم.
فلما كفروا بأنعم الله أهلكناهم بسبب ذنوبهم وتكذيبهم رسلهم، وأوجدنا من بعدهم قوما آخرين، وجيلا جديدا يعمرون البلاد، ويكونون أجدر بشكر النّعمة.
أي إن ذنوبهم التي أدّت إلى الهلاك نوعان: تكذيب الرّسل، وكفران النّعم، كما قال تعالى:{وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها، فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاّ قَلِيلاً، وَكُنّا نَحْنُ الْوارِثِينَ. وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها} [عاصمتها]{رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا، وَما كُنّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ} [القصص 58/ 28 - 59].
(1)
تفسير الرازي: 157/ 12