الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَقالُوا} أي كفار مكة {لَوْلا} هلا وهي تفيد الحث على حصول ما بعدها {آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} الآية: المعجزة المخالفة لسنن الله في خلقه كناقة صالح، وعصا موسى، ومائدة عيسى {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أن نزولها بلاء عليهم؛ لأنهم سيهلكون إن جحدوها.
المناسبة:
نزلت هذه الآية بعد وقعة حمراء الأسد بعد وقعة أحد، ولمّا بيّن الله تعالى في الآيات السابقة أن الناس صنفان متفاوتان في الاستعداد لقبول الهداية الإلهية: صنف يختار الهدى على الضلال، وصنف بالعكس، بيّن هنا أن الصنف الأول: هم الذين يسمعون الدلائل والبينات سماع تدبر وفهم، وأن الصنف الثاني: لا يفقهون ولا يسمعون، وإنما هم كالأموات.
التفسير والبيان:
لا يكبر عليك إعراض هؤلاء المعرضين عنك وعن الاستجابة لدعائك إذا دعوتهم إلى توحيد ربهم والإقرار بنبوتك؛ فإنه لا يستجيب لدعائك إلا الذين يسمعون كلام الله سماع فهم وتدبر ووعي، فيصغون إلى الحق ويتبعون الرشاد.
أما الكفار المعرضون الذين تحرص على أن يصدقوك: فهم في عداد الموتى الذين لا يسمعون صوتا، ولا يعقلون دعاء، ولا يفقهون قولا؛ لأنهم لا يتدبرون حجج الله، ولا يعتبرون آياته، ولا يتذكرون، فالسبب في عدم قبولهم الإيمان وعدم تركهم الكفر أنهم لا يفكرون تفكيرا صحيحا فيما أنزل الله، فصاروا بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون، أي إنهم موتى القلوب، فشبههم الله بأموات الأجساد.
والقصد من قوله: {وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ} إيراد مثل لقدرته تعالى على إلجائهم إلى الاستجابة بأنه هو الذي يبعث الموتى من القبور يوم القيامة، ثم إليه يرجعون للجزاء، فالله وحده القادر على إحيائهم بالإيمان، وأنت لا تقدر على هدايتهم.
ومن مظاهر عنادهم: مطالبتهم بإنزال آية من ربهم خارقة للعادة، كالناقة والعصا والمائدة، وتفجير الينابيع، وإنشاء البساتين المخضرة المحفوفة بأشجار النخيل والعنب، وإسقاط السماء قطعا عليهم، والإتيان بوفد أو جماعة من الملائكة، وإيجاد بيت من زخرف، وإنزال كتاب من السماء.
فرد الله عليهم بقوله: {قُلْ: إِنَّ اللهَ قادِرٌ..} . أي قل لهم أيها النبي: إن الله تعالى قادر على تنزيل آية مما اقترحوا، ولكن حكمته تقتضي تأخير ذلك، لأنه لو أنزلها على وفق ما طلبوا، ثم لم يؤمنوا، لعاجلهم بالعقوبة، كما فعل بالأمم السابقة، كما قال تعالى:{وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ، وَآتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً، فَظَلَمُوا بِها، وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاّ تَخْوِيفاً} [الإسراء 59/ 17] وقال: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً، فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ} [الشعراء 4/ 26].
ومعنى قوله: {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} : أن الله قادر على أن ينزل تلك الآية، ولكن حكمته اقتضت صرفه عن إنزالها، وأكثر هؤلاء القوم لا يعلمون أنهم لما طلبوا ذلك على سبيل التعنت والتعصب، فإن الله تعالى لا يعطيهم مطلوبهم، ولو كانوا عالمين عاقلين لطلبوا ذلك على سبيل طلب الفائدة، وحينئذ يعطيهم الله المطلوب على أكمل الوجوه، فإنزال آية مما اقترحوا يكون سببا في هلاكهم إن لم يؤمنوا.
يعني أن طلبهم آية مادية مع وجود هذه الآيات البينات القرآنية إنما هو محاولة تعجيز الرسول، فلو فرض حدوثها لما آمنوا ولقالوا: إنها سحر، كما قال تعالى:{وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ، فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ، لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ} [الأنعام 7/ 6] وقالوا: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا، وَيَقُولُوا: سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر 2/ 54].