الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتوفى، بل يحفظونها وينزلونها حيث شاء الله عز وجل، إن كان من الأبرار ففي عليين، وإن كان من الفجار ففي سجين، عياذا بالله من ذلك.
ثم يرد هؤلاء الذين تتوفاهم الرسل إلى الله، أي إلى حكمه وجزائه، إلى الله مولاهم، أي مالكهم الذي يلي أمورهم، الحق أي العدل الذي لا يحكم إلا بالحق، ألا له الحكم يومئذ لا حكم فيه لغيره، ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، وهو أسرع الحاسبين، يحاسب الكل في أسرع وقت وأقصره، ولا يشغله حساب عن حساب،
جاء في الحديث: «إن الله يحاسب الكل في مقدار حلب شاة» .
ونظير هذه الآية قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [النمل 78/ 27] وقوله: {وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ} [الرعد 41/ 13] وقوله: {أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزمر 46/ 39].
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يلي:
1 -
الله تعالى عالم الغيب والشهادة، كلا وجزءا، واختص بعلم خمسة أمور لا يعلمها إلا هو: وهي علم الساعة، ووقت تنزيل الغيث (المطر) ومقداره، وعلم ما يكنّ في الأرحام بأوصاف وطبائع معينة، وعلم المستقبل، وعلم آجال الناس.
وعلمه محيط بكل حركة وسكنة، وجماد وحيوان ونبات، وسرّ الإنسان وحديث النفس وخلجات القلب.
والله تعالى عنده علم الغيب، وبيده الطرق الموصلة إليه، لا يملكها إلا هو، فمن شاء اطلاعه عليها أطلعه، ومن شاء حجبه عنها حجبه، ولا يكون ذلك من
إفاضته إلا على رسله، بدليل قوله تعالى:{وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ، وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ} [آل عمران 179/ 3] وقوله: {عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ} [الجن 26/ 72 - 27].
2 -
قال العلماء: أضاف سبحانه علم الغيب إلى نفسه في غير ما آية من كتابه إلا من اصطفى من عباده، فمن قال: إنه ينزّل الغيث غدا وجزم فهو كافر، أخبر عنه بأمارة ادعاها أم لا. وكذلك من قال: إنه يعلم ما في الرحم فهو كافر، فإن لم يجزم وقال: إن النّوء
(1)
ينزل الله به الماء عادة، وأنه سبب الماء عادة، وأنه سبب الماء على ما قدّره وسبق في علمه، لم يكفر، إلا أنه يستحب له ألا يتكلم به، فإن فيه تشبها بكلمة أهل الكفر، وجهلا بلطيف حكمته؛ لأنه ينزل متى شاء، مرة بنوء كذا، ومرة دون النّوء
(2)
.
والكهانة (ادعاء معرفة الماضي وعلم الغيب) والعرافة (ادعاء معرفة الماضي والمستقبل) كذب يتنافى كل منهما مع أصل معرفة الله الغيب وانحصار ذلك به،
جاء في صحيح مسلم عن بعض أزواج النّبي صلى الله عليه وسلم أن النّبي صلى الله عليه وآله قال: «من أتى عرّافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» والعرّاف: هو الحازر والمنجّم الذي يدعي علم الغيب، ويستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدّعي معرفتها، وقد يستعين بالنجوم وغيرها، وأسباب معتادة في ذلك. وهذا فن العيافة، وكلها ينطلق عليها اسم الكهانة.
قال ابن عبد البر: من المكاسب المجمع على تحريمها الربا ومهور البغايا والسّحت والرشا وأخذ الأجرة على النياحة والغناء، وعلى الكهانة وادعاء الغيب وأخبار السماء، وعلى الزمر واللعب والباطل كله.
(1)
النوء: سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر، وطلوع آخر من المشرق يقابله من ساعته، وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها.
(2)
تفسير القرطبي: 2/ 7
3 -
الإشارة للكتاب المبين أي اللوح المحفوظ: لتعتبر الملائكة بذلك، لا أنه سبحانه كتب ذلك لنسيان يلحقه، تعالى عن ذلك.
4 -
الله المتصرف في الإنسان بنومه وهو الموتة الصغرى، وبموته الحقيقي وهو الموتة الكبرى، والفرق بينهما أن النوم فيه قبض الروح عن التصرف، وأما الموت ففيه قبض نهائي للروح عن الحركة وسلخها من الجسد، ففي النوم تبقى الحياة، بدليل بقاء الحركة والتنفس، فإذا انقضى عمره خرجت روحه وتنقطع حياته، وصار ميتا لا يتحرك ولا يتنفس.
5 -
إمهاله تعالى للكفار ليس لغفلة عن كفرهم، فإنه أحصى كل شيء عددا، وعلمه وأثبته، ولكن ليقضي أجلا مسمى من رزق وحياة، ثم يرجعون إليه فيجازيهم.
وقد دلت الآية على الحشر والنشر بالبعث؛ لأن النشأة الثانية منزلتها بعد الأولى كمنزلة اليقظة بعد النوم في أن من قدر على أحدهما فهو قادر على الآخر.
6 -
في تحديد الأجل المسمى للحياة والرجوع إلى الله تعالى للحساب والجزاء تأييد لما تقدم من حكمة تأخير ما كان يستعجله مشركو مكة من العذاب، وأن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا، فمن نجا من الأول لم يسلم من الآخر.
والله في كل الأحوال هو القاهر فوق عباده فوقية مكانة ورتبة، لا فوقية مكان وجهة.
7 -
لله ملائكة تحفظ أعمال العباد وتحفظهم من الآفات، وهناك مهام أخرى للملائكة متعلقة بالبشر، منها قبض الأرواح، ولملك الموت أعوان يسلّون الروح من الجسد حتى إذا كان عند قبضها، قبضها ملك الموت.
والمتوفي على الحقيقة هو الله، لكن قد ينسب التوفي تارة إلى ملك الموت