الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بغير تكفير. وأراد الأيمان التي يكون الحنث فيها معصية ومخالفة لما حدث القسم عليه.
{كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ} أي مثل ذلك البيان، يبيّن الله لكم أعلام شريعته وأحكام دينه، أي يوضحها ويفسّرها.
{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي ليعدّكم بذلك إلى شكر نعمته فيها يعلمكم ويسهّل عليكم المخرج منه.
ويحرم الحنث في اليمين إذا كانت على فعل واجب أو ترك حرام، ويندب الوفاء ويكره الحنث إذا تمّ الحلف على فعل مندوب أو مباح، ويجب الحنث في اليمين والكفارة إذا حلف على معصية أو حرام،
لما رواه أصحاب الكتب الستة إلاّ ابن ماجه عن عبد الرّحمن بن سمرة أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها، فائت الذي هو خير، وكفّر عن يمينك» ، و
لحديث عائشة الذي رواه ابن ماجه: «من حلف في قطيعة رحم، أو فيما لا يصلح، فبرّه ألا يتمّ على ذلك» أي ألا يوفي به، ولكن تجب عليه الكفارة.
وتجب الكفارة بالحنث في اليمين، سواء أكانت في طاعة أم في معصية أم في مباح.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت الآية على حكم يمين اللغو واليمين المنعقدة.
أما يمين اللغو: وهي الجارية على اللسان دون قصد اليمين، فلا كفارة فيها، والحلف بها لا يحرّم شيئا، إذ لا مؤاخذة فيها بنصّ القرآن، وهو دليل الشافعي على أنّ هذه اليمين لا يتعلّق بها تحريم الحلال، وأن تحريم الحلال لغو، كما أن تحليل الحرام لغو، مثل قول القائل: استحللت شرب الخمر.
روي أن عبد الله بن
رواحة كان له أيتام وضيف، فانقلب من شغله بعد ساعة من الليل، فقال:
أعشيتم ضيفي؟ فقالوا: انتظرناك؛ فقال: لا، والله لا آكل الليلة؛ فقال ضيفه: وما أنا بالذي يأكل؛ وقال أيتامه: ونحن لا نأكل؛ فلما رأى ذلك أكل وأكلوا. ثم أتى النّبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له: «أطعت الرّحمن وعصيت الشيطان» ، فنزلت الآية.
والأيمان في الشريعة بحسب المحلوف عليه نفيا وإثباتا على أربعة أقسام:
يمينان يكفّران: وهو أن يقول الرّجل: والله لا أفعل فيفعل، أو يقول: والله لأفعلنّ ثم لا يفعل، وهذان لا اختلاف فيهما بين العلماء؛ ويمينان لا يكفّران:
وهو أن يقول الرّجل: والله ما فعلت وقد فعل، أو يقول: والله لقد فعلت وما فعل، وهذان مختلف فيهما بين أهل العلم:
فقال الجمهور: إن كان الحالف حلف على أنه لم يفعل كذا وكذا، أو أنه فعل كذا وكذا وعند نفسه يرى أنه صادق على ما حلف عليه، فلا إثم عليه ولا كفارة عليه. وقال الشافعي: لا إثم عليه وعليه كفّارة.
واتّفق العلماء على أن يمين اللغو لغو فيما إذا قال الرجل: لا والله، وبلى والله، في حديثه وكلامه غير المنعقد لليمين ولا مريدها. قال الشافعي: وذلك عند اللجاج والغضب والعجلة.
وأما اليمين المنعقدة: وهي التي تحلف عن عمد وقصد وتصميم، فتوجب الكفارة بالحنث فيها.
وهل اليمين الغموس يمين منعقدة أو لا؟ يرى الجمهور أنها يمين مكر وخديعة وكذب، فلا تنعقد ولا كفارة فيها، وإنما فيها الإثم؛
لقول النّبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد ومسلم والترمذي عن أبي هريرة: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير، وليكفّر عن يمينه» وهذا يدلّ على أن الكفارة إنما
تجب فيمن حلف على فعل يفعله مما يستقبل فلا يفعله، أو على فعل ألا يفعله فيما يستقبل فيفعله.
وقال الشافعي: هي يمين منعقدة؛ لأنها مكتسبة بالقلب، معقودة بخبر، مقرونة باسم الله تعالى، وفيها الكفارة.
ورجّح القول الأوّل، لأن الأخبار دالّة على أن اليمين التي يحلف بها الرّجل يقتطع بها مالا حراما هي أعظم من أن يكفّرها ما يكفّر اليمين. من هذه الأخبار عدا ما تقدم:
حديث البخاري عن عبد الله بن عمرو قال: جاء أعرابي إلى النّبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما الكبائر، قال:«الإشراك بالله» قال: ثم ماذا؟ قال: «عقوق الوالدين» قال: ثم ماذا؟ قال: «اليمين الغموس» قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: «التي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب» .
وخرّج مسلم عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرّم عليه الجنّة» ، فقال رجل:
وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال: «وإن كان قضيبا من أراك» .
والمحلوف به: هو الله سبحانه وأسماؤه الحسنى، كالرّحمن والرّحيم والسّميع والعليم والحليم، ونحو ذلك من أسمائه وصفاته العليا، كعزّته وقدرته وعلمه وإرادته وكبريائه وعظمته وعهده وميثاقه وسائر صفات ذاته؛ لأنها يمين بقديم غير مخلوق، فكان الحالف بها كالحالف بالذات.
وأما الحلف بحقّ الله وعظمة الله، وقدرة الله، وعلم الله، ولعمر الله، وايم الله، ففيه اختلاف، قال مالك: كلها أيمان تجب فيها الكفارة. وقال الشافعي: في: وحقّ الله وجلال الله وعظمة الله، وقدرة الله: يمين إن نوى بها اليمين، وإن لم يرد اليمين فليست بيمين؛ لأنه يحتمل: وحقّ الله: واجب الله
وقدرته النافذة، وقال في أمانة الله: ليست بيمين، ولعمر الله وايم الله: إن لم يرد بها اليمين فليست بيمين.
وقال الحنفية: إذا قال: وعظمة الله وعزّة الله وجلال الله وكبرياء الله وأمانة الله، فحنث، فعليه الكفارة.
والحلف بالقرآن أو المصحف يمين في المذاهب الأربعة؛ لأن الحالف إنما قصد الحلف بالمكتوب فيه: وهو القرآن، فإنه ما بين دفّتي المصحف بإجماع المسلمين.
ولا تنعقد اليمين بغير الله تعالى وأسمائه وصفاته. وقال أحمد بن حنبل: إذا حلف بالنّبي صلى الله عليه وسلم انعقدت يمينه؛ لأنه حلف بما لا يتمّ الإيمان إلا به، فتلزمه الكفارة، كما لو حلف بالله. ويرد عليه بما ثبت
في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وعمر يحلف بأبيه، فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» وهذا حصر في عدم الحلف بكل شيء سوى الله تعالى وأسمائه وصفاته.
وروى الأئمة واللفظ لمسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف منكم، فقال في حلفه باللات، فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه:
تعال أقامرك فليتصدق».
وقال أبو حنيفة في الرجل يقول: هو يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام أو من النّبي أو من القرآن، أو أشرك بالله، أو كفر بالله: إنها يمين تلزم فيها الكفارة. ولا تلزم فيما إذا قال: واليهودية والنصرانية والنّبي والكعبة، وإن كانت على صيغة الأيمان.
وأجمع العلماء على أن الحالف إذا قال: أقسم بالله أنها يمين واختلفوا إذا قال: