الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبشر كل من بلغة القرآن من العرب والعجم، فهو نذير لكل من بلغه، كقوله تعالى:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنّارُ مَوْعِدُهُ} [هود 17/ 11].
أخرج ابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس مرفوعا قال: من بلغه القرآن فكأنما شافهته به، ثم قرأ:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ} ».
وروى ابن جرير عن محمد بن كعب قال: «من بلغة القرآن فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم» .
وروى عبد الرزاق عن قتادة في قوله تعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بلغوا عن الله فمن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله» .
وروى ابن المنذر وابن جرير وأبو الشيخ ابن حيان الأنصاري عن محمد بن كعب القرظي قال: «من بلغه القرآن فكأنما رأى النّبي صلى الله عليه وسلم» . وهذه الكلمة مروية أيضا عن سعيد بن جبير. ثم أعلن الله براءته من المشركين القائلين بتعدد الآلهة، مبينا أن الواجب إعلان الشهادة بالوحدانية لله عز وجل فقال:{أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ.} . وهذا استفهام إنكاري واستبعاد وتوبيخ وتقريع، فإنكم أيها المشركون تقرون بوجود آلهة أخرى مع الله، وإني لا أشهد شهادتكم، كما قال تعالى:{فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام 150/ 6].
وأصرح بأن الإله هو إله واحد، وهو الله عز وجل، وإني أتبرأ مما تشركون به من الأصنام والأوثان وغيرها.
فقه الحياة أو الأحكام:
كل من يملك شيئا فله حق التصرف المطلق فيه، وكل من أوجد شيئا فهو القادر على جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، والله مالك السموات والأرض ومن فيهن
وهو الخالق لكل شيء، فهو وحده القادر على جلب النفع لخلقه ودفع الضرر عن مخلوقاته، وأنت يا محمد وكل إنسان في الوجود إن تنزل بك شدة من فقر أو مرض فلا رافع ولا صارف له إلا هو؛ وإن يصبك بعافية ورخاء ونعمة، فهو الكامل القدرة على كل شيء من الخير والضر.
والله أيضا هو القاهر الغالب المهيمن على عباده، ولكنه قهر بحكمة في أمره، وخبرة تامة دقيقة بأعمال عباده.
والله أكبر وأعظم وأصدق شيء يشهد، فهو شاهد حق بانفراده بالربوبية، وقد أقام الأدلة والبراهين في النفس والكون على توحيده، فقيام البراهين على توحيده أكبر شهادة وأعظم، وأودع في الفطرة الإنسانية ما يرشد إلى الإيمان بإله واحد متصف بصفات الكمال، وشهد العدول والعقلاء بوحدانيته، كما قال تعالى:
{شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ، وَالْمَلائِكَةُ، وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ، لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران 18/ 3].
وشهد الله بصدق رسالة الرسول: بإخباره في قرآنه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ} [الفتح 29/ 48]{إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً} [البقرة 119/ 2].
وشهد الله أيضا بتأييده بالمعجزات التي من أهمها القرآن الكريم معجزة الإسلام الكبرى الدائمة إلى يوم القيامة. وشهدت الكتب السابقة له، وبشرت الرسل المتقدمون به، وذلك ما يزال قائما في كتب اليهود والنصارى.
كل هذه الشهادات المؤيدات تدل على أن الله شهيد بين نبيه محمد وبين المشركين على أنه بلغهم الرسالة، وأدى الأمانة، وصدق القول، ونصح للأمة، وعلى أن الله شهيد في إثبات الوحدانية والبراءة عن الشركاء والأنداد.
والنّبي صلى الله عليه وسلم مأمور بتبليغ القرآن والسنة؛ لقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ
بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة 67/ 5]. وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو عن النّبي صلى الله عليه وسلم: «بلّغوا عني ولو آية» وقال مقاتل: «من بلغه القرآن من الجن والإنس، فهو نذير له» .
ومما أوحي إلى النبي الذي ينذر به: أن القول بالتوحيد هو الحق الواجب، وأن القول بالشرك باطل مردود.
وقد اشتدت حملة القرآن على الشرك والمشركين، فوبخهم وقرعهم وأنكر عليهم في هذه الآية وغيرها اتخاذ آلهة أخرى مع الله، وإن فرض أنهم طالبوا النبي بالشهادة على شركهم، فإنه لا يشهد شهادتهم، أو لا يشهد معهم. وإذ ثبت إبطال الشرك، فالقول بالوحدانية هو الأمر المتعين، والقول بتوحيد الله والبراءة عن الشرك هو ما يقوله النبي والمؤمنون.
وقد دل الكلام: {قُلْ: لا أَشْهَدُ.} . الآية على إيجاب التوحيد والبراءة عن الشرك من ثلاثة أوجه:
أولها-قوله: {قُلْ: لا أَشْهَدُ} أي لا أشهد بما تذكرونه من إثبات الشركاء.
وثانيها-قوله: {قُلْ: إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ} وكلمة {إِنَّما} تفيد الحصر، والواحد صريح في التوحيد ونفي الشركاء.
وثالثها-قوله: {إِنَّنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ} فيه تصريح بالبراءة عن إثبات الشركاء
(1)
.
(1)
تفسير الرازي: 179/ 12.