الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{أَبْصَرَ.} . و {عَمِيَ} بينهما طباق.
{بَصائِرُ} و {أَبْصَرَ} بينهما جناس الاشتقاق.
المفردات اللغوية:
{بَصائِرُ} أي حجج بيّنات وآيات واضحات، وتطلق البصيرة على عدة معان: عقيدة القلب، والمعرفة الثابتة يقينا، والعبرة، والقوة التي تدرك بها الحقائق العلمية، ويقابلها البصر الذي تدرك به الأشياء الحسية {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} أي فمن أدركها فآمن فثواب إبصاره له {بِحَفِيظٍ} رقيب لأعمالكم، إنما أنا نذير.
{وَكَذلِكَ} كما بينا ما ذكر {نُصَرِّفُ الْآياتِ} نبينها ونأتي بها على وجوه مختلفة بما يناسب المقام، ليعتبروا {وَلِيَقُولُوا} أي الكفار في عاقبة الأمر، فإن اللام لام العاقبة أو الصيرورة {دَرَسْتَ} قرأت كثيرا حتى حفظته، أو درست كتب الماضين وجئت بهذا منها، وفي الحديث:
«كان يدارسه القرآن» يذاكره له حتى يحفظه، وفي المدارسة معنى التذليل بكثرة القراءة.
{حَفِيظاً} رقيبا فتجازيهم بأعمالهم {وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} موكّل مفوض في أمرهم، فتجبرهم على الإيمان.
المناسبة:
بعد أن أبان الله تعالى الأدلة على توحيده وكمال قدرته وعلمه، عاد إلى تقرير أمر الدعوة الإسلامية والرسالة وتبليغ النّبي صلى الله عليه وسلم وحي ربه.
التفسير والبيان:
قد جاءكم أيها الناس البصائر: وهي البينات والحجج التي اشتمل عليها القرآن وما جاء به الرسول من البراهين العقلية والنقلية التي تثبت لكم العقيدة الحقة، وتبين منهاج الحياة الأقوم، ودستور النظام العام للجماعة، وأصول الأخلاق والآداب.
فمن أبصر الحق فآمن فلنفسه، ومن عمي عن الحق وضل وأعرض عن سبيله، فعلى نفسه جنى، كقوله تعالى: {فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ضَلَّ
فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها} [يونس 108/ 10] وقوله: {مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها، وَما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت 46/ 41].
ومعنى قوله: {وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها} أي إنما يعود وبالله عليه، كقوله تعالى:{فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج 46/ 22].
{وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} أي لست عليكم بحافظ ولا رقيب، بل إنما أنا مبلّغ ومنذر، والله يهدي من يشاء، ويضل من يشاء.
{وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ} أي وكما فصلنا الآيات في هذه السورة من بيان لتوحيد وأنه لا إله إلا هو، هكذا نوضح الآيات ونفسرها ونبينها في كل موطن، لجهالة الجاهلين، وليؤول الأمر بأن يقول المشركون والكافرون المكذبون:
درست هذا وقرأته على غيرك، أو دارست يا محمد من قبلك من أهل الكتاب، وتعلمت منهم، وليس وحيا من عند الله.
أي إن تصريف الآيات وتقليبها على وجوه مختلفة بحسب المقامات يستهدف:
1 -
أن يهتدي بها المستعدون للإيمان.
2 -
وأن يقول الجاحدون المعاندون: إنما درست هذا وقرأته على غيرك، وليس هذا بوحي كما تزعم، وزعموا أنه تعلم من غلام رومي حداد أعجمي وليس بعربي، كان يصنع السيوف بمكة، اسمه «قيس» كما حكى تعالى:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ، لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل 103/ 16].
3 -
{وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي ولنوضحه لقوم يعلمون الحق، فيتبعونه، والباطل فيجتنبونه، فالبيان إنما يفيد أهل العلم المدركين الذين يستخدمون بصائرهم في مدلولات القرآن، فهم الذين يتبين لهم بالتأمل حقيقة القرآن ودلائله. أما الجاهلون الذين لم يفهموا آيات القرآن، فلا ينتفعون به.