الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{قالَ اللهُ: إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ} أي وعد الله عيسى بإنزال المائدة مرّة أو مرارا، ووعده الحقّ وقوله الصدق، وقد نزلت.
لكن هذا الوعد مقرون بالجزاء حين المخالفة: {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ.} .
أي من يكفر بالله بعد نزول هذه المائدة، فإني أعذّبه عذابا شديدا لا أعذب مثله أحدا من سائر كفار العالمين: عالمي زمانهم؛ لأنه لم يبق بعد هذا الدّليل الحسي عذر لمن يكفر أو يستهزئ بآيات الله وأدلّته الدّالة على وجوده وقدرته.
أما الطّعام فقيل: إنه خبز ولحم، أو خبز وسمك، قال الطّبري: والصواب من القول فيما كان على المائدة، فأن يقال: كان عليها مأكول، وجائز أن يكون كان سمكا وخبزا، وجائز أن يكون كان ثمرا من ثمر الجنة، وغير نافع العلم به، ولا ضار الجهل به
(1)
.
جاء في حديث ذكره السّيوطي: أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما، فأمروا أن لا يخونوا ولا يدّخروا لغد، فخانوا وادّخروا، فمسخوا قردة وخنازير،
فقه الحياة أو الأحكام:
قصة المائدة نعمة تاسعة من النّعم التي عدّدها الله وامتنّ بها على عيسى عليه السلام وقومه، والذي عليه الجمهور وهو الحق: أنها نزلت فعلا، لقوله تعالى:{إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ} قيل: إنها نزلت عليهم يوم الأحد غدوة وعشية، فجعلوا الأحد عيدا.
وهي آية بيّنة على قدرة الله، وعلى إجابته دعاء المخلص من عباده، وعلى صدق نبوة عيسى، وأنه عبد لله ورسوله؛ لأنه لو كان إلها لما كان بحاجة أن يطلب شيئا من أحد، فالدّعاء إلى الله منه، وإجابة الدّعاء من ربّه دليل آخر
(1)
تفسير الطّبري: 88/ 7
على عبوديّته وبشريّته وفقره وحاجته إلى الله، وليعلم النّصارى بطلان قولهم وادّعائهم التّالية.
والذي دفع الحواريين إلى سؤال إنزال المائدة أربعة أسباب:
1 -
الحاجة الدّاعية إلى الأكل منها، لأن عيسى عليه السلام كان إذا خرج اتّبعه خمسة آلاف أو أكثر، بعضهم كانوا أصحابه، وبعضهم كانوا ينظرون ويستهزئون، فخرج يوما إلى موضع فوقعوا في مفازة، ولم يكن معهم نفقة، فجاعوا وقالوا للحواريين: قولوا لعيسى حتى يدعو بأن تنزل علينا مائدة من السماء، فجاءه شمعون رأس الحواريين وأخبره أن الناس يطلبون بأن تدعو بأن تنزل عليهم مائدة من السماء، فقال عيسى لشمعون: قل لهم: {اِتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فأخبر بذلك شمعون القوم، فقالوا له: قل له: {نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها} الآية.
وقال الماوردي: نأكل منها، أي ننال بركتها، لا لحاجة دعتهم إليها، وهذا أشبه لأنهم لو احتاجوا إلى الطعام لم ينهوا عن السؤال.
2 -
اطمئنان القلب إلى أن الله تعالى بعث عيسى إليها نبيّا.
3 -
العلم بأن عيسى رسول الله، أي ازدياد الإيمان بك وعلما برسالتك.
4 -
الشهادة أنها آية من عند الله، ودلالة وحجّة على نبوّتك، وصدق ما جئت به. وبالرّغم من إنزال المائدة السّماوية، وامتنان الله على النّصارى بها، فإنّهم جحدوا تلك النّعمة وكفروا بعد نزولها، فمسخوا قردة وخنازير. قال ابن عمر: إن أشدّ الناس عذابا يوم القيامة: المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة، وآل فرعون، قال الله تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ} .